15 نوفمبر 2024
من ينجح... هيلاري كلينتون أم ترامب؟
واجهتُ السؤال أعلاه في كل زيارة خارجيةٍ لي في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وهو أمر مفهوم، فالانتخابات الرئاسية الأميركية لا تعدّ شأناً محلياً فحسب، بقدر ما أنها حدثٌ بأبعاد دولية كذلك، لأسبابٍ معروفة، مرتبطة بحجم الولايات المتحدة ومكانتها، كالقوة العظمى الأولى عالمياً، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. ما أثار استغرابي، في أغلب المرات التي سئلت فيها هذا السؤال، أن السائل، وبعضهم من السياسيين، يبادر إلى الإجابة بنفسه، مرجّحاً خياراً على آخر، مقدّما جملة من الأسباب غير المقنعة، عبر إسقاط معايير لا تصحّ أميركيا، دع عنك استسلام بعضٍ آخر لنظريات "مؤامرة" من أن "المؤسسة" الأميركية "السرية" الحاكمة رسا قرارها على هذا المرشح أو ذاك، بناء على اعتباراتٍ يفصلون فيها، وبأنه لم يبق إلا الإخراج الانتخابي (!).
بدايةً، كل من يزعم أن الانتخابات الرئاسية الأميركية حُسمت لهذا الطرف أو ذاك يعيش وَهْماً ليس بعده وَهْمٌ، ومحاولات تكييف العملية الانتخابية الرئاسية الأميركية ضمن معايير غير أميركية ضرب من البلاهة وغياب الفهم. هذا لا يعني أنه لا توجد تيارات سياسية وإعلامية وأمنية وعسكرية وبحثية، فضلاً عن جماعات ضغط، تدفع باتجاه مرشح معين، لكن هذه التيارات التي تدخل في سياق ما يعرف في أميركا "Establishment" أو "مؤسسة الحكم"، منقسمة على نفسها، بغض النظر عن النسب. وفي حالتنا هذه، فإنه من الواضح أن غالب "مؤسسة الحكم" الأميركية تريد أن ترى هيلاري كلينتون في البيت الأبيض، بدل المقامرة بشخصٍ يبدو غير سَوِيٍّ، ونعني هنا دونالد ترامب، مع ضرورة التأكيد أن ترامب يحظى، هو الآخر، بتأييد جيد بين بعض تيارات "مؤسسات الحكم". ولكن، ما ينبغي أن نفهمه أن "رغبة" التيار الأوسع من "مؤسسة الحكم" بفوز فلان لا تعني بالضرورة أنه سيفوز، وإن كان سيعطيه أفضليةً، فالأمر في آخر النهار سيكون لصوت المواطن الأميركي العادي. ولعل إحدى أهم ملاحظاتي التي خرجت بها من مناقشة مسألة الانتخابات الرئاسية الأميركية، في سفراتي، أن أغلب المناقشين لا يفقه أبجديات النظام السياسي الأميركي، كما أنهم لا يفقهون حيثيات العملية الانتخابية، سواء التمهيدية الحزبية، أم العامة، آليات عملها، والعوامل التي تؤثر فيها.
في الانتخابات الحزبية التمهيدية، كان واضحا أن "مؤسسة الحكم" الديمقراطية أرادت هيلاري كلينتون، لا منافسها السيناتور بيرني ساندرز، وقد تمَّ لها ذلك بشق الأنفس. ونعلم اليوم، بعد تسريب إيميلات "اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي" التي تقود الحزب على المستوى الوطني، أن هذه اللجنة حاولت دعم كلينتون على حساب ساندرز، ما أدى إلى استقالة رئيستها السابقة، ديبي واسرمان شولتز. أيضا، سعت "مؤسسة الحكم" الجمهورية، منذ اليوم الأول، إلى إسقاط ترامب، وتواطأت ضده في كل مرحلةٍ وعند كل منعطف، ودعمت، ضمنياً، وأحياناً بشكل فَجٍّ، منافسين له، بل ووصل الأمر إلى حد محاولة الانقلاب عليه، من داخل مؤتمر الحزب بعد نجاحه. ومع ذلك، باءت كل مساعيهم بالفشل، فالناخب الجمهوري حسم المعركة لصالحه، على الرغم من كل الجهود المبذولة ضده من الحزب وتياره الحاكم.
إذن، قد تدفع تيارات "المؤسسة الحاكمة" باتجاه مرشح دون آخر. ولكن، ما ينبغي أن نفهمه هنا أمران. الأول، أن "المؤسسة الحاكمة"، سواء حزبيا أم وطنيا، ليست موحّدة، وفيها انقسامات، بغض النظر عن حجم كل طرف. من ذلك مثلاً أن أغلب جنرالات المؤسسة العسكرية من المتقاعدين لا يخفون تأييدهم كلينتون، وهذا مؤشرٌ على مزاج المؤسسة العسكرية التي لا يسمح لها بإبداء رأي في الانتخابات، أو محاولة التأثير عليها، ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد جنرالات عسكريون متقاعدون آخرون أعلنوا تأييدهم ترامب. الأمر الثاني، أن مَيْلَ "المؤسسة الحاكمة" لصالح مرشح دون آخر لا يضمن نجاحه، والسوابق هنا كثيرة، وآخرها ترامب.
لنعد الآن إلى سؤال من يرجح فوزه، هيلاري كلينتون أم ترامب؟ إذا أخذنا باستطلاعات الرأي الوطنية، فإنها تشير إلى تقارب كبير بين المرشحيْن، ومع أن أغلبها يشير إلى تقدم كلينتون، إلا أن بعضها يشير إلى تقدّم ترامب. وتتفاوت نسب هذه الاستطلاعات ونتائجها، حسب المعطيات التي تجري فيها، بمعنى أن ظروفاً قد تقع ترفع من نسبة تأييد كلينتون على حساب ترامب أو العكس. مثلا، إن هجماتٍ يقوم بها متطرفون على التراب الأميركي قد ترفع نسبة تأييد ترامب، لكنه ارتفاع ظرفي آني، تعبر عنه نتائج استطلاع محدود زمانا. أيضاً، فإن تصريحات مثيرة للجدل يطلقها ترامب قد تقضم أي تقدم قد يكون حقّقه في استطلاع في الإطار الزمني نفسه. قد يغيّر الإطار الزمني كثيراً من المعادلات والحسابات، فكلما اقتربنا من الانتخابات كان حجم الحدث أعمق أثرا. الأهم هنا أن ما لا يفهمه كثيرون، من غير أولي التخصص، أن
استطلاعات الرأي هي انعكاس لما يسمى "الصوت الشعبي"، في حين أن النظام الانتخابي الرئاسي قائم على ما يسمى "Electoral College"، أو "المجمع الانتخابي" الذي يقوم على فرز عدد مندوبي كل ولاية، حسب حجمها السكاني، على حدة في "المجمع الانتخابي". بمعنى أن مرشحاً ما قد يربح الأصوات الشعبية ويخسر الانتخابات، كما جرى في انتخابات عام 2000، عندما خسر المرشح الديمقراطي، آل غور، الانتخابات لصالح جورج بوش الابن.
وإذا ما نظرنا إلى "الخريطة الانتخابية اليوم"، أو "Electoral College Map"، فإنها تعطي الأفضلية لكلينتون، حيث إنها تضمن لها 214 صوتاً من المجمع الانتخابي، من الولايات التي تصوّت للديمقراطيين تاريخيا، مقابل 175 لصالح ترامب، من الولايات التي تصوّت للجمهوريين. وبهذا، فإن الصراع الآن ينحصر في "الولايات الترجيحية"، للوصول إلى الرقم السحري، وهو 270، للفوز بالرئاسة. أيضاً، حسابياً ومنطقياً، فإن كلينتون في وضع أقوى للظفر بالانتخابات الرئاسية، فالنسبة الأعظم من أصوات السود الأميركيين (13%) وذوي الأصول الإسبانية (12%) محسومة لها. وبالتالي، تقدّم ترامب بين الناخبين البيض (51%) مقابل (42%) لكلينتون لن يقوده إلى الرئاسة، إن لم يستطع أن يكسر الكتلة الانتخابية لكلينتون، المكونة من بيض وأقليات عرقية ودينية.
هل يضمن كل ما سبق الرئاسة لكلينتون؟ أبداً، فثمة تفاصيل أخرى كثيرة، سواء لناحية نقاط ضعف كلينتون الذاتية، أم لناحية تبدّل المعطيات على الأرض، وكذلك نسبة الذين سيخرجون للتصويت يوم الانتخابات. دع عنك التفاصيل داخل كل شريحةٍ تصويتية.. تفاصيل كثيرة لن يتسع لها مقال كهذا. عوامل كثيرة تجعل مسألة حسم النتيجة صعبة جدا، وتبقينا في دائرة الترجيح غير القطعي. لكن الأمر الوحيد المحسوم به هنا أن تحليل الانتخابات الرئاسية الأميركية والتنبؤ بنتائجها ممن لا يفقه قوانينها ومعطياتها والقواعد الناظمة لها يدخل في باب الخفّة، حتى وإن أصاب تنبؤ قائم على ضربة حظ.
بدايةً، كل من يزعم أن الانتخابات الرئاسية الأميركية حُسمت لهذا الطرف أو ذاك يعيش وَهْماً ليس بعده وَهْمٌ، ومحاولات تكييف العملية الانتخابية الرئاسية الأميركية ضمن معايير غير أميركية ضرب من البلاهة وغياب الفهم. هذا لا يعني أنه لا توجد تيارات سياسية وإعلامية وأمنية وعسكرية وبحثية، فضلاً عن جماعات ضغط، تدفع باتجاه مرشح معين، لكن هذه التيارات التي تدخل في سياق ما يعرف في أميركا "Establishment" أو "مؤسسة الحكم"، منقسمة على نفسها، بغض النظر عن النسب. وفي حالتنا هذه، فإنه من الواضح أن غالب "مؤسسة الحكم" الأميركية تريد أن ترى هيلاري كلينتون في البيت الأبيض، بدل المقامرة بشخصٍ يبدو غير سَوِيٍّ، ونعني هنا دونالد ترامب، مع ضرورة التأكيد أن ترامب يحظى، هو الآخر، بتأييد جيد بين بعض تيارات "مؤسسات الحكم". ولكن، ما ينبغي أن نفهمه أن "رغبة" التيار الأوسع من "مؤسسة الحكم" بفوز فلان لا تعني بالضرورة أنه سيفوز، وإن كان سيعطيه أفضليةً، فالأمر في آخر النهار سيكون لصوت المواطن الأميركي العادي. ولعل إحدى أهم ملاحظاتي التي خرجت بها من مناقشة مسألة الانتخابات الرئاسية الأميركية، في سفراتي، أن أغلب المناقشين لا يفقه أبجديات النظام السياسي الأميركي، كما أنهم لا يفقهون حيثيات العملية الانتخابية، سواء التمهيدية الحزبية، أم العامة، آليات عملها، والعوامل التي تؤثر فيها.
في الانتخابات الحزبية التمهيدية، كان واضحا أن "مؤسسة الحكم" الديمقراطية أرادت هيلاري كلينتون، لا منافسها السيناتور بيرني ساندرز، وقد تمَّ لها ذلك بشق الأنفس. ونعلم اليوم، بعد تسريب إيميلات "اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي" التي تقود الحزب على المستوى الوطني، أن هذه اللجنة حاولت دعم كلينتون على حساب ساندرز، ما أدى إلى استقالة رئيستها السابقة، ديبي واسرمان شولتز. أيضا، سعت "مؤسسة الحكم" الجمهورية، منذ اليوم الأول، إلى إسقاط ترامب، وتواطأت ضده في كل مرحلةٍ وعند كل منعطف، ودعمت، ضمنياً، وأحياناً بشكل فَجٍّ، منافسين له، بل ووصل الأمر إلى حد محاولة الانقلاب عليه، من داخل مؤتمر الحزب بعد نجاحه. ومع ذلك، باءت كل مساعيهم بالفشل، فالناخب الجمهوري حسم المعركة لصالحه، على الرغم من كل الجهود المبذولة ضده من الحزب وتياره الحاكم.
إذن، قد تدفع تيارات "المؤسسة الحاكمة" باتجاه مرشح دون آخر. ولكن، ما ينبغي أن نفهمه هنا أمران. الأول، أن "المؤسسة الحاكمة"، سواء حزبيا أم وطنيا، ليست موحّدة، وفيها انقسامات، بغض النظر عن حجم كل طرف. من ذلك مثلاً أن أغلب جنرالات المؤسسة العسكرية من المتقاعدين لا يخفون تأييدهم كلينتون، وهذا مؤشرٌ على مزاج المؤسسة العسكرية التي لا يسمح لها بإبداء رأي في الانتخابات، أو محاولة التأثير عليها، ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد جنرالات عسكريون متقاعدون آخرون أعلنوا تأييدهم ترامب. الأمر الثاني، أن مَيْلَ "المؤسسة الحاكمة" لصالح مرشح دون آخر لا يضمن نجاحه، والسوابق هنا كثيرة، وآخرها ترامب.
لنعد الآن إلى سؤال من يرجح فوزه، هيلاري كلينتون أم ترامب؟ إذا أخذنا باستطلاعات الرأي الوطنية، فإنها تشير إلى تقارب كبير بين المرشحيْن، ومع أن أغلبها يشير إلى تقدم كلينتون، إلا أن بعضها يشير إلى تقدّم ترامب. وتتفاوت نسب هذه الاستطلاعات ونتائجها، حسب المعطيات التي تجري فيها، بمعنى أن ظروفاً قد تقع ترفع من نسبة تأييد كلينتون على حساب ترامب أو العكس. مثلا، إن هجماتٍ يقوم بها متطرفون على التراب الأميركي قد ترفع نسبة تأييد ترامب، لكنه ارتفاع ظرفي آني، تعبر عنه نتائج استطلاع محدود زمانا. أيضاً، فإن تصريحات مثيرة للجدل يطلقها ترامب قد تقضم أي تقدم قد يكون حقّقه في استطلاع في الإطار الزمني نفسه. قد يغيّر الإطار الزمني كثيراً من المعادلات والحسابات، فكلما اقتربنا من الانتخابات كان حجم الحدث أعمق أثرا. الأهم هنا أن ما لا يفهمه كثيرون، من غير أولي التخصص، أن
وإذا ما نظرنا إلى "الخريطة الانتخابية اليوم"، أو "Electoral College Map"، فإنها تعطي الأفضلية لكلينتون، حيث إنها تضمن لها 214 صوتاً من المجمع الانتخابي، من الولايات التي تصوّت للديمقراطيين تاريخيا، مقابل 175 لصالح ترامب، من الولايات التي تصوّت للجمهوريين. وبهذا، فإن الصراع الآن ينحصر في "الولايات الترجيحية"، للوصول إلى الرقم السحري، وهو 270، للفوز بالرئاسة. أيضاً، حسابياً ومنطقياً، فإن كلينتون في وضع أقوى للظفر بالانتخابات الرئاسية، فالنسبة الأعظم من أصوات السود الأميركيين (13%) وذوي الأصول الإسبانية (12%) محسومة لها. وبالتالي، تقدّم ترامب بين الناخبين البيض (51%) مقابل (42%) لكلينتون لن يقوده إلى الرئاسة، إن لم يستطع أن يكسر الكتلة الانتخابية لكلينتون، المكونة من بيض وأقليات عرقية ودينية.
هل يضمن كل ما سبق الرئاسة لكلينتون؟ أبداً، فثمة تفاصيل أخرى كثيرة، سواء لناحية نقاط ضعف كلينتون الذاتية، أم لناحية تبدّل المعطيات على الأرض، وكذلك نسبة الذين سيخرجون للتصويت يوم الانتخابات. دع عنك التفاصيل داخل كل شريحةٍ تصويتية.. تفاصيل كثيرة لن يتسع لها مقال كهذا. عوامل كثيرة تجعل مسألة حسم النتيجة صعبة جدا، وتبقينا في دائرة الترجيح غير القطعي. لكن الأمر الوحيد المحسوم به هنا أن تحليل الانتخابات الرئاسية الأميركية والتنبؤ بنتائجها ممن لا يفقه قوانينها ومعطياتها والقواعد الناظمة لها يدخل في باب الخفّة، حتى وإن أصاب تنبؤ قائم على ضربة حظ.