من يقود عراق الطوائف؟

12 يناير 2015
+ الخط -

قد يحار المحلّل البعيد عن الواقع العراقي بتوصيف الحال حين تتقاذفه تيارات الإعلام التي تركز كثيراً على العرقية والطائفية، في عراق ما بعد التاسع من إبريل/ نيسان 2003، حيث بات العراق، بنظر سادته الجدد، مجموعة أقاليم عرقية وطائفية، بعد أن قسموا مجتمعه إلى طوائف ثلاث، هي: الكرد والعرب الشيعة والعرب السنّة، لكن نظرةً عميقةً عن كثب تكشف لنا طائفة خفية عن واجهات الإعلام والتحليل، أسميها الطائفة الرابعة.
ليس خافياً على أي مهتم بالشأن العراقي أن هنالك ظلماً كبيراً يقع على العرب السنة في العراق، يتألم له كل الإسلاميين والعروبيين والوطنيين، يوازيه ظلم أقل وطأة على عموم العراقيين... فبنظرةٍ موضوعية، نجد أن المعاناة عامة، وأن مئات الآلاف من سجناء الرأي هم من أبناء السنة العرب، يرافقهم بضعة آلاف من الشيعة، وغيرهم ممّن يرى النظام فيهم خطورةً على عمليته السياسية التي صارت تحاط بالرعاية، وكأنها شرعة نزلت من السماء، ولعلّ ما حصل للسيد الصرخي وأتباعه من تنكيل خير دليل على أن هوية المعارض الطائفية لن تنقذه من الملاحقة الصارمة، حين يطلق لحرية التعبير العنان، ويقول لأرباب الطائفة الرابعة: لا.
ولا نظلم أحداً إن قلنا إن سجناء الهوية الطائفية هم الأكثر عدداً، والأكبر معاناة، وإن المدن العربية السنية هي التي تُقصف بالبراميل والصواريخ المستوردة من الشرق والغرب، فالطائفية، إذن، حقيقة ماثلة، من حيث النظر لهوية الضحايا. لكن، مَن هم المنفذون؟
المنفذون هم أرباب الطائفة الرابعة المكونة من أفراد وجماعات، ينتمون بالتسمية للمكونات الثلاث، فهم قادة الحكومة ورؤساء الأحزاب، وهم أعضاء البرلمان، وهم قادة الجيش الذي ينفذ. هم سنة وشيعة وأكراد، وهم جميعاً من ينهبون ثروات البلد نهباً لم يحصل قط في التاريخ، فلقد أصبحت خزينة العراق الثريّ خاوية، وتحولت أمواله لحسابات بنكية شخصية، وشركات عملاقة وبنايات شاهقة في دول أخرى، بينما يرزح العراقيون في نير فقر لا يصدقه إلا من يعيشه، أو يراه عن كثب.
الطائفة الرابعة، المتخمة بالأموال والمدججة بالسلاح، تقتل وتنهب وتسجن، من دون خوف، لأنها الطائفة المدللة إقليمياً ودولياً، بعد أن خلع عليها المجتمع الدولي، المتمثل بالأمم المتحدة، ثوب الشرعية، وأعطاها الغطاء القانوني، وهو الذي مهّد لها درب الوصول إلى قمة القيادة في العراق.
إنها طائفة الفساد المضمّخ بدماء العراقيين، والمتخم بأموالهم، هي التي تحكم البلد بالنار والحديد، وتتحكّم بمصيره ومصائر أبنائه وعلاقاته المحلية والعربية والدولية، وهذه الطائفة المصطنعة تصول وتجول من دون رادع.
إنها الطائفة التي أسست الميليشيات، وألبستها جلباب التديُّن الشيعي، لكي تستغلها في تنفيذ مخططات سادتها، وهي التي وفّرت التربة الخصبة لاستقدام التشدد الديني السني الذي لا ينمو إلا في بلدان المظلومين المتطلعين لمَن يحميهم، وإن كان لا يتواءم فكرياً معهم.
قد يرى مراقبون أن هذه الطائفة فشلت في حكم العراق، وتسيير مقدراته. لكن، هنالك من يرى أنها حققت نجاحاً منقطع النظير في تمزيق النسيج المجتمعي، وتدمير البنية التحتية، وتحقيق مخططات رُسمت لتخدم الجميع، إلا العراقيين بكل طوائفهم وأديانهم وأعراقهم. وبالتالي، نجح قادتها في تحقيق ثراء فاحش، وهم من كانوا، في الأمس غير البعيد، من الفقراء وأرباب المهن البسيطة.
هكذا هو واقع عراق اليوم، وهؤلاء هم حكامه، وما يفعلون، وسيبقى الوضع على ما هو عليه، حتى ظهور الطائفة الخامسة. طائفة المنقذين التي تنتظر فرصتها المواتية في غفلة من الزمن قد تكون.

دلالات
D169B6D2-B5D5-4997-93AB-AD2E563241D8
مكي نزال

شاعر وكاتب عراقي حاصل على شهادة الكفاءة العليا بالترجمة من جامعة نين في بريطانيا وممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالعراق صدر له ديوانان شعريان، وكتابان حول "الفلوجة" و"فشل عراق ما بعد الاحتلال".