وكان آخر ضحايا الاغتيال قائد كتيبة العمري، إبراهيم المسالمة، فجر الاثنين الماضي، بإطلاق النار عليه بشكل مباشر في مدينة درعا البلد، ليفارق الحياة بعد ساعات من إسعافه إلى أحد المستشفيات. فيما نجا خالد أبو زيد الملقب بـ "أبو عمر"، قائد لواء التوحيد في الجنوب السوري، أحد أهم تشكيلات الجيش الحر في درعا البلد.
اقرأ أيضاً: اغتيالات في درعا تطاول قياديين معارضين
وكان الأسبوع الأول من الشهر الجاري، قد شهد عدداً من عمليات الاغتيال، ضمنها محاولة اغتيال القيادي في جيش اليرموك، فيصل الدرع، الذي نجا من عملية تفجير عبوة ألصقت في سيارته، أدت إلى إصابة عدد من الموجودين في الموقع.
وفي الخامس من الشهر الجاري تعرّض القيادي في "جبهة النصرة"، أبو رامي أبو عون، لمحاولة اغتيال عن طريق تفجير سيارته بعبوة ناسفة، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة.
وقبل ذلك بيومين، جرى اغتيال القيادي في فرقة شباب السنة، زهير الزعبي، عن طريق تفجير سيارته في بلدة الجيزة، ما أدى إلى مقتله وإصابة زوجته وطفلته بجروح خطيرة.
وفي وقت سابق، جرى اغتيال قيادي في فرقة "فجر الإسلام" التابعة للجيش السوري الحر، وثلاثة من المقاتلين، إثر انفجار عبوة ناسفة على أحد الطرق الفرعية في بلدة العجمي بريف درعا الغربي.
وفي منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، نعت جبهة "ثوار سورية"، أحد فصائل الجبهة الجنوبية، قائد لواء الحرية في "الفرقة 16 قوات خاصة"، ياسر عبد الرحمن الخلف، الملقب بـ"أبي حسام"، والذي قتل نتيجة إطلاق النار عليه من سيارة مجهولة. وسبق هذه العملية بأيام ثلاث عمليات اغتيال في محافظتي درعا والقنيطرة المتجاورتين، ولم تتمكن الفصائل المسلحة في المحافظتين من معرفة منفذيها.
أودت عمليات الاغتيال هذه، حتى الآن، بحياة أكثر من ثلاثين شخصاً، غالبيتهم من قادة الفصائل، إذ لا يكاد يمر أسبوع، خصوصاً في الآونة الأخيرة، من دون حدوث عملية اغتيال أو محاولة اغتيال.
وفي هذا السياق، قال عضو القيادة العسكرية العليا في الجيش الحر عن الجبهة الجنوبية، أيمن العاسمي، لـ"العربي الجديد"، إن النظام السوري هو من يقف وراء هذه العمليات "بهدف زرع البلبلة والفتن في صفوف الثوار"، مؤكّداً أنّ "النظام هو المستفيد الأبرز من هذه العمليات، خصوصاً في ظل توقف العمليات العسكرية حالياً في عموم المحافظة".
ودلل العاسمي على كلامه بالإشارة إلى اعتقال الفصائل للعديد من الخلايا والأشخاص الذين اعترفوا بتجنيدهم من قبل قوات النظام وأجهزته الأمنية لزرع العبوات الناسفة وإلقاء الشرائح التي ترشد طائرات النظام، فضلاً عن تنفيذ عمليات اغتيال مباشرة بحق قادة الفصائل المسلّحة.
ولفت إلى أنّ أهم ما يجمع بين المستهدفين بعمليات الاغتيال، أنهم من صفوف "الجيش السوري الحر" والفصائل الثورية الأخرى، الذين خاضوا معظم المعارك في الجنوب السوري، وبات لديهم خبرة قتالية عالية وعلاقات مع دول الجوار، ما يجعل بعضهم مؤهلاً في المستقبل لتسلم مراكز قيادية في سورية المستقبل، ما يعني أن فقدانهم يشكل خسارة كبيرة حاضراً ومستقبلاً.
غير أن العاسمي لم يستبعد، في الوقت نفسه، وجود تصفية حسابات في بعض الحالات بين بعض أمراء الحرب على خلفيات عائلية وعشائرية، مشيراً إلى أن كثافة الوجود المسلح (أكثر من 25 ألف مقاتل) في محافظة صغيرة تجعل من الصعوبة بمكان ضبط حركة المسلحين ومعرفة هوياتهم.
وأوضح أن الخطوط المفتوحة بين "المناطق المحررة والمناطق التي يسيطر عليها النظام من خلال التجارة وتنقلات المواطنين بين محافظة درعا ومحافظتي دمشق والسويداء، تتيح للنظام تجنيد عملاء ومخبرين وإرسال سيارات مفخخة، داعياً إلى تكثيف الإجراءات الأمنية وتوزيعها على الفصائل المسلحة، بحيث يكون كل فصيل هو المسؤول الأمني عن قطاع جغرافي محدد، مع زيادة التنسيق الأمني بين هذه الفصائل.
وكانت مديرية النقل في "محافظة درعا الحرة" قد أعلنت، بالتعاون مع مجلس المحافظة ونقابة المحامين الأحرار، عن البدء في تسجيل المركبات المدنية والزراعية، في المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، بحيث تمنح كل مركبة رقماً ولوحة وشهادة ميكانيك، مع حق مالكي السيارات المسجلة لدى النظام استبدال لوحاتها.
وجاءت هذه الخطوة استجابة لدعوات عدة لاتخاذ تدابير أمنية بهدف وقف مسلسل الاغتيالات في المحافظة التي طاولت كذلك ناشطين وإعلاميين، وجرى معظمها عبر سيارات مفخخة.
وتتيح هذه الخطوة مراقبة أشدّ للسيارات، وإنشاء نظام يسهل عملية تتبع ملكية كل سيارة في المحافظة والوصول لصاحبها بشكل سريع. غير أنّ هذا المشروع يعاني من ضعف التمويل المادي، ولا يزال يسير بخطى بطيئة، على الرغم من محاولة المحافظة اقتطاع رسوم رمزية من أصحاب السيارات، لتغطية تكاليف طباعة أرقام السيارات ودفاترها الميكانيكية.
وكان ناشطون وإعلاميون مدنيون قد نظموا تظاهرات في أحياء مدينة درعا، الشهر الماضي للتنديد بعمليات الاغتيال، وطالبوا الفصائل باتخاذ تدابير أمنية جديدة كنصب الحواجز بين الأحياء، ومنع تظليل نوافذ المركبات.
ويتهم بعض الناشطين الخلايا النائمة والمنتشرة في درعا والمجندة من جيش النظام تحت مسمى "اللجان الشعبية"، بالوقوف وراء غالبية هذه العمليات، وهي خلايا تعمل بتوجيهات من أجهزة أمن النظام، وتستهدف القضاء على القادة الميدانين للفصائل. غير أن الناشط، نامر الرفاعي، اتهم في حديث لـ"العربي الجديد" جهات خارجية بالضلوع في هذه العمليات، سواء عبر استخبارات عربية من دول الجوار لا تعجبها مواقف وتوجهات بعض قادة الفصائل، أم جهاز "الموساد" الإسرائيلي الذي يراقب بدوره سلوك قادة الفصائل، ويقوم بتصفية من يعتقد أنه قد يشكل خطراً على إسرائيل في المستقبل، خصوصاً أن محافظة درعا منطقة حدودية مع فلسطين المحتلة، وكل ما يجري فيها يقع تحت المراقبة اللصيقة من جانب إسرائيل وأجهزتها الأمنية.
ولم يستبعد الرفاعي ضلوع "لواء شهداء اليرموك"، المتهم بمبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في بعض عمليات الاغتيال، إذ بات يتبنى علناً، في الآونة الأخيرة، بعض عمليات الاغتيال، خصوصاً الموجهة إلى التنظيمات التي تقاتله في ريف درعا الغربي، ومنها "جبهة النصرة". ولفت الى أن عمليات الاغتيال تتم بشكل منظم وبحرفية عالية، وهدفها التأثير على الحاضنة الشعبية للجيش الحر، ومحاولة إظهاره أنه عاجز عن إدارة المناطق التي يسيطر عليها.
مع العلم، أن ظاهرة الاغتيالات لا تقتصر على درعا وحدها، وتكاد تشمل مختلف المحافظات السورية، وكان أشهرها اغتيال العقيد يوسف الجادر، الملقب بأبو فرات في عام 2012. كما لوحظ، في الآونة الأخيرة، انتشار ملثمين في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة في الشمال السوري، حيث يقومون بعمليات اغتيال للقادة واقتحام مقرّات الفصائل ونهبها، لبث الفتنة بين عناصرها الذين يقاتلون جنباً إلى جنب في معارك ضدّ قوات النظام.
اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تواصل تقدّمها في حماة وحلب وإدلب