من يخاف الرواية؟

05 يونيو 2020
سبهان آدم/ سورية
+ الخط -

يروي علي الراعي في كتابه "دراسات في الرواية المصرية" أنّ بعض "المشفقين" على سمعة آل المويلحي، ذهبوا إلى إبراهيم المويلحي والد محمد المويلحي، حين كتب "حديث عيسى بن هشام" وشكوا له من أنَّ ابنه "يسير في طريق لا تُحمَد مغبّة المضي فيه"، وكانوا يشيرون إلى أنه اختار طريق الفن والكتابة التخييلية.

تستدعي هذه الواقعة، التي سوف تتكرّر كثيراً في تاريخ العرب المعاصر، وفي تاريخ الثقافة العربية، بأشكال مختلفة، السؤال التالي: لماذا ابتدأت المجتمعات العربية حروباً مع الرواية الوليدة؟ ومن المسؤول عن حالة العداء التي حكمت العلاقة بين الرواية والمجتمع العربي؟ هل هي الرواية أم هو المجتمع؟

إذا ما عدنا إلى جواب محمد المويلحي، الذي وضعه في مقدّمة الطبعة الرابعة من كتابه، فإننا سوف نعثر على نصف الإجابة عن سؤالنا، فقد قال الرجل ردّاً على إشفاق أولئك المشفقين: "حاولنا أن نشرح أخلاق أهل العصر وأطوارهم، وأن نصف ما عليه الناس في مختلف طبقاتهم من النقائص".

كيف تريد لشرائح المتعلّمين، وأغلبهم في ذلك العصر، من أبناء الطبقات المسيطرة، ومن أولئك الذين لم تكن الديمقراطية، أو قيم الحوار، من المبادئ التي يؤمنون بها، أن يتقبّلوا كاتباً يقول ويُصرّح أنه يريد أن يصف ما هم عليه من النقائص؟ هذا هو الوجه الآخر للعلاقة بين المجتمع والرواية في طور النشأة، فالمجتمع لا يريد ولا يتحمّل النقد، أيّ نقد ومن أيّ جهة، على الرغم من أن المويلحي صرّح أنه حين يكشف النقائص، إنما يسعى إلى اجتنابها، والتزام الفضائل بدلاً عنها.

واستناداً إلى تلك الحادثة، يمكننا القول ليس "المجتمع" هو الذي بادر إلى إعلان الحرب على الرواية بينما لم تكن الرواية تسعى لأكثر من الإصلاح. بل تلك الشريحة من مثقّفي عصر المويلحي الذين أرادوا قمعه، ومنعه من التعبير، وقد كانوا يعرفون جّيداً أنّ المقامة الأدبية فنٌّ قائم على النقد، وقد استُخدم منذ أن نشأ على يد بديع الزمان الهمذاني "وسيلة بارعة ومقنعة وساخرة للنقد الاجتماعي" كما يلاحظ عبد الله إبراهيم. وكانون يعرفون، مثلما عرفت جميع الجهات والفئات والطبقات وأنظمة الحكم، التي عادت الروايةَ فيما بعد، "الوظيفة الانتقادية" التي نشأت عليها المقامة أو الفنون عامة.

من يخاف الرواية؟ هل هي الطبقات الرجعية؟ أم الهيئات الدينية المتعصبة؟ أم الأنظمة المستبدّة؟ الحقيقة هي أنّ أعداء الرواية في الوسط العربي كانوا كثيرين منذ أن وُلدت، والراجح أن الخوف من أن الرواية قادرة على "إظهار النقائص" كان أحد أهم الأسباب التي دعت لمعاداتها. ربما يمكننا أن نضيف إلى ذلك قدرة الرواية على تقديم الوصفة المجتمعية التي تتضمّن هذه النقائص في قالب فنّي يصعب مجاراته، أو مقاضاته، أو الردّ عليه، إذ إن عملاً يتّصف بضعف بنائه الفني، قد لا يكون مؤهَّلاً في الأصل لخلق العداوات.


* روائي من سورية