15 مايو 2024
من يتذكّر معتقلي "تحرير العراق"؟
عندما غزت جيوش الولايات المتحدة وبريطانيا العراق في مارس/ آذار عام 2003، أطلقت على تلك العملية اسم "حرب تحرير العراق" أو "عملية حرية العراق"، وكان المشهد الإعلامي المجنّد للإرادة الأميركية حينها يحاول تكريس هذا المسمّى، كما كان يروج الذين قبلوا أن يكونوا بمعية القوات الغازية، وتحت إمرة الإرادة الأميركية من العراقيين المشاركين في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية (ديسمبر/ كانون الأول 2002)، ومنهم أحمد الجلبي، جلال طالباني، مسعود برزاني، عزيز الحكيم، وسواهم.
وعلى الرغم من أن تلك الحرب كانت الأسوأ في العالم، من حيث نسبة الرفض الشعبي العالمي العارم لها، وعلى الرغم من أن الشعب العراقي لم يستقبل القوات الغازية، كما حاولوا ترويج هذا المفهوم عبر منطقة محدّدة ولأفراد قلائل، وعلى الرغم من التوجيهات التي صدرت، وبإرادة إيرانية المنبع، تحث العراقيين على عدم مقاومة القوات الغازية "لأنه لا يجوز الدفاع عن حاكم جائر"، وعلى الرغم من سنوات الحصار الثلاث عشرة الصعبة التي سبقت الغزو، وحجم المقاطعة العربية والدولية للعراق، إلا أن العراقيين لم يقبلوا اعتبار غزو بلادهم "تحريرا"، وإن بدا الأمر يحتمل بعض الترجيحات، بعد أن انهارت القيادة الرسمية للدولة العراقية، وبات البلد في قبضة القوات الغازية، حيث ارتأى بعض المسؤولين السابقين وقادة الجيش العراقي تفويت الفرصة على المتربصين بموضوع احتلال العراق (إيران)، وتجنيب مدن العراق ومؤسساته ويلات الدمار الذي كان جزءا رئيسا من مشروع احتلال العراق أميركيا وإيرانيا.
وبحسب خطابات الرئيس الأميركي، جورج بوش الإبن، قبل بدء الغزو وخلاله وبعده، فإن
بعض قيادات عسكرية عراقية وقياديين في حزب البعث العراقي ووزراء سلموا أنفسهم للقوات الأميركية، باعتبار أن هذه القوات مدربة ومهيأة للتعامل بشكل قانوني ودولي مع أسرى الحرب، وأنها ستحفظهم وتحفظ كرامتهم، حتى يكون أحد الأمرين: إطلاق سراحهم بعد أن يستتب الأمر في العراق، أو عرضهم على محكمة دولية محايدة، تتعامل مع أي ملف يقدم لها على أسس قانونية وأخلاقية واضحة، تضمن حقوق الجميع.
تقول إفادات من خرجوا من معتقلات الجيش الأميركي، والذين تسنّى لهم رؤية بعض القادة والمسؤولين العراقيين السابقين هناك، أن المحققين الأميركيين كانوا على قدر من الاحترام للمعتقلين، ولم يعرّضوهم للضرب أو الإهانة، بشكل عام. وقال بعض هؤلاء إنهم لولا اعتقادهم بمهنية الجيش الأميركي (وهو ما ندموا عليه لاحقا) لما كانوا قد سلموا أنفسهم إليه مطلقا. وقد يكونون تأثروا بعد انفلات أمر السيطرة على البلاد بعد التاسع من إبريل/ نيسان 2003 ببعض وعود الرئيس جورج بوش، في خطاب إعلان بدء الحرب على العراق، من أنه "نأتي إلى العراق والاحترام يحدونا لمواطنيه ولحضارته العظيمة ولمعتقداته الدينية التي يمارسونها، ليست لدينا أي مطامع في العراق سوى أن نزيل التهديد، ونستعيد السيطرة على تلك الدولة إلى شعبها".
الجريمة الكبرى التي ارتكبتها الإدارة الأميركية، والتي قد توازي مسألة غزو العراق ذاته؛ جريمة أخلاقية، لا تصدر حتى عن مافيات أو زعامات قبلية منفلتة؛ حيث قامت قواتها هناك بتسليم القادة العسكريين والمسؤولين السياسيين إلى الجانب الذي يُفترض أن يكون عراقيا في الحسابات التقليدية، لكن واشنطن وطهران ومعظم العراقيين يعرفون جيدا أنهم سلموا كل قيادات العراق، ومنها الرئيس الراحل صدام حسين، إلى أعداء ألداء كانوا يتربصون بهم عقودا من الزمن، فكانت وكأنها مكافأة واشنطن لهم نتيجة عدم حثهم العراقيين على مقاومة الغزو الأميركي.
شاهد العالم، كل العالم، مهازل المحاكم التي نقل بعضها تلفزيونيا (بعد تقطيعها)، سواء تعلق الأمر برأس النظام العراقي، ومعاونيه السياسيين والحزبيين، أو قادة الجيش ومعاونيهم، ولعل الجميع، بغض النظر عن علاقتهم بنظام الحكم القائم في العراق، قد توافقوا على هزالة وهزلية تلك المحاكم التي على الرغم من عدم قدرتها على إثبات التهم وضعف الأدلة ووضوح النيات المبيّتة، إلا أن أحكامها كانت بين الإعدام والمؤبد.
لم يشهد العالم ربما محاكمات لقادة عسكريين دافعوا عن حدود بلادهم، حيث كانت هناك
محاكمات لقادة غزاة لبلاد أخرى، وتسببوا بحروب دولية. أما أن يحال قادة جيش العراق الوطني إلى محكمةٍ قضاتُها ممن يمثلون رأي الجلاد فيهم، لأنهم دافعوا في حرب الثماني سنوات ضد العدوان والمشروع الإيرانيين، فهذا ما لم يحصل تاريخيا، ولعل دول العالم أيضا تضع النصب في ساحاتها العامة، وأمام بنايات ومؤسسات مهمة، وتضع مختصرات في مناهج التعليم، عرفانا لدور قادة جيوشها خلال تصديهم أو درئهم لمحاولات أعداء أوطانهم النيل من سيادتها، أو اجتياز حدودها.
خمسة عشر عاما، وعشرات من الرجال الذين لم يذنبوا مرميون في سجونٍ لا تتوفر فيها أدنى درجات الرعاية وحقوق الإنسان، محرومون من تواصلهم مع ذويهم إلا بالحدود الدنيا، ولا يُسمح لفرق المنظمات الحقوقية بزيارتهم، والإطلاع على أوضاعهم. وضعوا في ظروف شديدة القسوة نفسيا وجسديا، بانتظار موتهم، وهو ما حصل لبعضهم، وما زال آخرون ينتظرون وما بدلوا.
تتحمّل الولايات المتحدة وحدها مسؤولية هذه الجريمة الإنسانية والقانونية والأخلاقية، كما تتحملها جامعة الدول العربية، وكذلك المنظمات الحقوقية العالمية. ولا أريد أن أحمّل شعب العراق أيضا مسؤولية عدم مطالبته، بشكل متكرر وضاغط، بإطلاق سراح من دافع عنه وعن أمنه وإستقراره سنوات طويلة، لإني أعرف ربما حجم الضغط اليومي على كاهل كل عراقي، وكل عائلة، وبالتالي كل الشعب، وهو ما تعمدته القوى التي لا تريد للعراق أن يرفع رأسه من جديد ليكون العراق.
وعلى الرغم من أن تلك الحرب كانت الأسوأ في العالم، من حيث نسبة الرفض الشعبي العالمي العارم لها، وعلى الرغم من أن الشعب العراقي لم يستقبل القوات الغازية، كما حاولوا ترويج هذا المفهوم عبر منطقة محدّدة ولأفراد قلائل، وعلى الرغم من التوجيهات التي صدرت، وبإرادة إيرانية المنبع، تحث العراقيين على عدم مقاومة القوات الغازية "لأنه لا يجوز الدفاع عن حاكم جائر"، وعلى الرغم من سنوات الحصار الثلاث عشرة الصعبة التي سبقت الغزو، وحجم المقاطعة العربية والدولية للعراق، إلا أن العراقيين لم يقبلوا اعتبار غزو بلادهم "تحريرا"، وإن بدا الأمر يحتمل بعض الترجيحات، بعد أن انهارت القيادة الرسمية للدولة العراقية، وبات البلد في قبضة القوات الغازية، حيث ارتأى بعض المسؤولين السابقين وقادة الجيش العراقي تفويت الفرصة على المتربصين بموضوع احتلال العراق (إيران)، وتجنيب مدن العراق ومؤسساته ويلات الدمار الذي كان جزءا رئيسا من مشروع احتلال العراق أميركيا وإيرانيا.
وبحسب خطابات الرئيس الأميركي، جورج بوش الإبن، قبل بدء الغزو وخلاله وبعده، فإن
تقول إفادات من خرجوا من معتقلات الجيش الأميركي، والذين تسنّى لهم رؤية بعض القادة والمسؤولين العراقيين السابقين هناك، أن المحققين الأميركيين كانوا على قدر من الاحترام للمعتقلين، ولم يعرّضوهم للضرب أو الإهانة، بشكل عام. وقال بعض هؤلاء إنهم لولا اعتقادهم بمهنية الجيش الأميركي (وهو ما ندموا عليه لاحقا) لما كانوا قد سلموا أنفسهم إليه مطلقا. وقد يكونون تأثروا بعد انفلات أمر السيطرة على البلاد بعد التاسع من إبريل/ نيسان 2003 ببعض وعود الرئيس جورج بوش، في خطاب إعلان بدء الحرب على العراق، من أنه "نأتي إلى العراق والاحترام يحدونا لمواطنيه ولحضارته العظيمة ولمعتقداته الدينية التي يمارسونها، ليست لدينا أي مطامع في العراق سوى أن نزيل التهديد، ونستعيد السيطرة على تلك الدولة إلى شعبها".
الجريمة الكبرى التي ارتكبتها الإدارة الأميركية، والتي قد توازي مسألة غزو العراق ذاته؛ جريمة أخلاقية، لا تصدر حتى عن مافيات أو زعامات قبلية منفلتة؛ حيث قامت قواتها هناك بتسليم القادة العسكريين والمسؤولين السياسيين إلى الجانب الذي يُفترض أن يكون عراقيا في الحسابات التقليدية، لكن واشنطن وطهران ومعظم العراقيين يعرفون جيدا أنهم سلموا كل قيادات العراق، ومنها الرئيس الراحل صدام حسين، إلى أعداء ألداء كانوا يتربصون بهم عقودا من الزمن، فكانت وكأنها مكافأة واشنطن لهم نتيجة عدم حثهم العراقيين على مقاومة الغزو الأميركي.
شاهد العالم، كل العالم، مهازل المحاكم التي نقل بعضها تلفزيونيا (بعد تقطيعها)، سواء تعلق الأمر برأس النظام العراقي، ومعاونيه السياسيين والحزبيين، أو قادة الجيش ومعاونيهم، ولعل الجميع، بغض النظر عن علاقتهم بنظام الحكم القائم في العراق، قد توافقوا على هزالة وهزلية تلك المحاكم التي على الرغم من عدم قدرتها على إثبات التهم وضعف الأدلة ووضوح النيات المبيّتة، إلا أن أحكامها كانت بين الإعدام والمؤبد.
لم يشهد العالم ربما محاكمات لقادة عسكريين دافعوا عن حدود بلادهم، حيث كانت هناك
خمسة عشر عاما، وعشرات من الرجال الذين لم يذنبوا مرميون في سجونٍ لا تتوفر فيها أدنى درجات الرعاية وحقوق الإنسان، محرومون من تواصلهم مع ذويهم إلا بالحدود الدنيا، ولا يُسمح لفرق المنظمات الحقوقية بزيارتهم، والإطلاع على أوضاعهم. وضعوا في ظروف شديدة القسوة نفسيا وجسديا، بانتظار موتهم، وهو ما حصل لبعضهم، وما زال آخرون ينتظرون وما بدلوا.
تتحمّل الولايات المتحدة وحدها مسؤولية هذه الجريمة الإنسانية والقانونية والأخلاقية، كما تتحملها جامعة الدول العربية، وكذلك المنظمات الحقوقية العالمية. ولا أريد أن أحمّل شعب العراق أيضا مسؤولية عدم مطالبته، بشكل متكرر وضاغط، بإطلاق سراح من دافع عنه وعن أمنه وإستقراره سنوات طويلة، لإني أعرف ربما حجم الضغط اليومي على كاهل كل عراقي، وكل عائلة، وبالتالي كل الشعب، وهو ما تعمدته القوى التي لا تريد للعراق أن يرفع رأسه من جديد ليكون العراق.