"لا شعور مشتركاً أكثر من الرغبة في الاختلاف". اقتباس من "الوجود والعدم" (1943) لجان بول سارتر، نشرته مجلة "بسيكولوجي" الفرنسيّة على صفحتها الإلكترونيّة في مستهلّ هذا الأسبوع.
"في الوقت نفسه، أجد أنّ الناس ينقادون أكثر فأكثر كخراف... كيف يمكن تفسير هذا التناقض؟". تعليق أضافته متابعة للصفحة، قبل أن تردّ أخرى: "نحن جميعاً خراف، وإلا لما كنّا قادرين على الاندماج في المجتمع.. أشغال، دوامات، ديون، سيارات، أصدقاء، متاجر، تلفزيون، أطفال، إلخ... في اختصار، إن لم نشأ التحوّل إلى خراف، فإنّنا نذهب في اتجاه خيار التحوّل إلى نسّاك".
"لست واثقة من ذلك!" تكتب ثالثة، مضيفة أنّ "البعض في حاجة إلى قالب، ليشعر بأنّه على خير ما يرام". وهو أمر تؤكّده رابعة: "منذ صغرنا نُشكَّل لنتناسب والقالب المعدّ والخانات المحدّدة... بهدف الانسجام مع هذا المجتمع الشنيع. لكن ثمّة من يتطبّع حقّاً باللانموذجيّة، وينجح في أن يكون غير مقياسيّ".
نرغب في الاختلاف، ونرى في ذلك أمراً جللاً. نزعتنا تلك هي شكل من أشكال تأكيد وجودنا، شكل من أشكال التحدّي. قد يكون تحدّياً للنفس قبل تحدّي الغير. ونحاول إثبات وجودنا نحن. نتبنّى أفكاراً "فاضحة" - أو نظّنها كذلك - لا تقرّها بيئتنا، أو نعمد إلى تغيير في مظهرنا لا يتلاءم وأطر محيطنا، أو نحسم بعض خياراتنا المصيريّة بما ينقض المسلّمات التي نشأنا عليها، على سبيل المثال لا الحصر. نرغب في الظهور على شاكلة "مبدعين" أو "محدّثين" أو "تقدميّين". نتمرّد.
ليس "التمرّد" من سمات المراهقة حصراً، بحسب الشائع. في تلك المرحلة الدقيقة من محطّات تشكّلنا، ننزع إلى التمايز من جهة غير أنّنا نجهد من أخرى للتشابه مع أقران أكثر سطوة. قد يدفعنا فشلنا في ابتكار هامش لنا في تلك المرحلة - مهما تنوّعت الأسباب - إلى البحث الدائم عن الاختلاف.. عن اختلاف ما.
في كثير من الأحيان، نستهلك حياة بأكملها وقد وضعنا نصب أعيننا ذلك الهدف: الاختلاف والتمايز عن الآخر.. عن الآخرين. قد نفوّت كثيراً، ونحن نحاول تحقيق قليل ما.
الاختلاف. نحن مختلفون في طبيعة الحال. ربما لا ندرك ذلك. ربما كثيرون منّا لا يدركون أنّ تفصيلاً ما قد يحدّد ذلك الاختلاف الذي نهدف إليه. لكلّ منّا شخصيّته وتاريخه وخبراته وقناعاته. إن تشابهت تلك مع شخصيّة آخر أو تاريخ ثانٍ أو خبرة ثالث أو قناعات رابع، إلا أنّ ثمّة تفصيلاً في ذات كلّ منّا، من شأنه أن يميّزه عن آخر.
ونتخبّط ما بين الانسياق في قطيع - وإن لم نتيقّن ذلك - وما بين تلك النزعة إلى التمايز. ننساق في مجال، ونتمرّد في آخر. ونتخبّط أكثر. ويبقى السؤال: من نحن؟