من حديث الأربعاء

11 ابريل 2018
+ الخط -
دائمًا ما ينتقد الأصوليون على اختلاف أصنافهم ومفاهيمهم الدكتور طه حسين في بعض ما ذهب إليه في قراءته للتاريخ الإسلامي، أو فيما ذهب إليه في الأدب الإسلامي، وإن شئنا أن نكون منصفين لقلنا: إن الأصوليين لم يرضوا عن الرجل في أي شيء وصل إليه.

لقد قرأت يومًا مقالة لرجل دين شهير يُعَد من أكثر رجال الدين انفتاحًا، يتحدث فيها عن طه حسين ويضعه في مقارنة مع الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، ويقول: إن وضع طه حسين مع عباس العقاد في مقارنة يُعَد ذلك قدحًا في عباس العقاد، وحطًّا من قيمة الرجل، ولا أعرف على وجه التحديد ما الذي دعاه إلى أن يذهب هذا المذهب أو أن يسلك هذا السبيل!؟.


الأصوليون حينما يؤرخون لطه حسين يحاولون دائمًا أن يرتبوا مراحله الفكرية ببُعدها وقُربها عن الإسلام، فالرجل عندهم مر بمراحل فكرية متعددة كان أولها الانبهار بحضارة الغرب، والتشكيك في أصول وقواعد الدين، إلى أن انتهي الأمر به في النهاية إلى الارتماء في عباءة الإسلام والركون إلى مفاهيمه وحضارته. نحن لا نرى هذا على الإطلاق، فالرجل صاحب منهج فكري واحد من لحظة ميلاد فكره إلى نهايته، وإن مر الرجل بشطحات فكرية لا ترضيهم ولا ترضينا، فهي شطحات فكرية خاضعة لعقل الرجل ومنهجه الفكري، مثله مثل مئات المثقفين في أي زمان وأي مكان وفي أي حضارة من الحضارات.

يقول الأستاذ محمود محمد شاكر وهو يُعلق على ندوة أُقيمت للدكتور طه حسين في الجامعة الأميركية: (وأنا وإن كنت أظن أن الدكتور طه لم يُوَفق في كلمته كل التوفيق ولم يمس أغراضها إلا مسًّا رقيقًا غامضًا بعيدًا، فإني أعترف بأنه قد استطاع بحسن تحدُّره في المعاني أن يثير من الآراء ما يجب أن يُثار في أفكار هذا الجيل).

أجاد الأستاذ محمود شاكر فيما وصل إليه في فهمه لعبقرية طه حسين التي لم يفهمها الأصوليون، وهو أن طه حسين كان بارعًا في الوصول إلى ثقافة شباب الجيل التي يعلمها طه حسين أشد ما يكون العلم، تلك البراعة التي من الصعب على مثقفين آخرين الوصول إليها.

سنحاول أن نُجمل هذا الاختلاف الفكري بين الرجل وخصومه في معركة شهيرة دارت بين الرجل وعَلَمٍ كبيرٍ من أعلام مؤرخي التاريخ الإسلامي وهو الأستاذ رفيق العظم صاحب كتاب (أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة).

بدأت المعركة بحديث للدكتور طه حسين في حديث الأربعاء عن الشاعر أبي نواس، قال فيه الدكتور طه حسين: إن شعره لم يكن كله مجونًا ولهوًا، وإن الرجل رَوى عن أعلام، وروى عنه أعلام آخرون، وإن الرجل على كل حالٍ كان يُمثل بيئته ومجتمعه وثقافة عصره، وإن عصره كان يمتاز أكثر ما يمتاز باللهو والمجون والشك، وإن الرشيد والمأمون ذهبا من الشك والاستمتاع بهذه اللذائذ في ذلك العصر، مذهب أبي نواس وأضرابه من شعراء المجون..

ورد عليه الأستاذ رفيق العظم في مقال له بأن المقدمات التي بنى عليها طه حسين رأيه من الممكن أن تكون صحيحة لأول وهلة؛ لأنها تستند على أشعار وأخبار مكتوبة ومنسوبة لقائليها، ولكنها ما تكاد تعتريها الصحة عند البحث والتدقيق، فليست كل الأخبار المنسوبة إلى أبي نواس والمأمون والرشيد كلها صحيحة، وأنه لو صح شيء من هذا لم يكن دليلًا على شيوع الفحش والشك والفجور في المجتمع، لأنه مجون لا يتعدى الماجن مهما تطاول إلى النَّيْل من سواه.

..يتبع

145518C6-AF6D-4048-BEAD-2BC13B19BC51
محمود محمد جميل

قارئ للفلسفة والأدب، وكاتب مهتم بالتاريخ وخاصة الإسلامى منه لما يحمله من فلسفة وعلوم... حاصل على بكالوريوس في العلوم.

مدونات أخرى