من القاع إلى المثالية: "كيف تفلت بجريمة قتل"

15 ديسمبر 2018
يركز المسلسل على قضيتين: العنصرية والمثلية الجنيسة (imdb)
+ الخط -
في جامعة "ميدلتون" الأميركية، اجتمع صدفةً مجموعة من طلاب المحاماة بأستاذة جامعية مختصة بالجرائم الجنائية في سنتهم الأولى، وتوطدت بينهم علاقة متينة بسبب اشتراكهم بجريمة قتل، ليصبحوا أشبه بعائلة واحدة بعدما جمعهم السرّ الواحد. بهذه الطريقة يبدأ الجزء الأول من مسلسل "كيف تفلت بجريمة قتل" (How to Get Away with Murder)، مسلسل الجريمة الذي تميز بإيقاعه السريع وأحداثه المثيرة، وتشابك الخطوط الزمنية فيه في نوع مبتكر من الحبكات التشويقية.

خطوط زمنية متشابكة
أنتج حتى اليوم خمسة أجزاء من المسلسل، كل منها يتكون من 15 حلقة، تعرض على دفعتين؛ الدفعة الأولى تتكون من 8 حلقات تنتهي بالجريمة الرئيسية في المسلسل، ويتوقف بعدها المسلسل فترة ليعود بـ7 حلقات تعرض كيفية الخروج من المأزق والهروب من عواقب الجريمة من خلال الحنكة القانونية. ولا تسير الأحداث في المسلسل بشكل خطي، بل إن كل جزء يبدأ بلقطات ضبابية من الجريمة الرئيسية في المسلسل، وتسير الأحداث بخطوط زمنية متشابكة لتتضح معالم الجريمة.



نقد مهنة المحاماة
في الجزء الأول من المسلسل، يتم تصوير مهنة المحاماة كمهنة لا أخلاقية؛ فالأستاذة الجامعية "أناليس" تقوم بتعليم طلابها المهنة وفقاً لفلسفتها النفعية، حيث يقوم المحامي بالتلاعب بالمعطيات والوقائع وتزييف الأدلة بغرض الربح بالقضايا إذا ما لزم الأمر؛ وهو الأمر الذي يضع بطل الأجزاء الأولى من المسلسل "ويس" أمام أسئلة أخلاقية، يسير باتجاه يعاكسها عندما تقتضي مصلحته الشخصية ذلك، بعدما يتورط شخصياً بجريمة قتل زوج "أناليس" رفقة زملائه بالجامعة. ويتميز المسلسل بجزئه الأول بأن البطل المضادّ "أناليس"، هي نفسها البطل المساعد، وفقاً لنموذج العلاقات الفاعلة؛ وهو الأمر الذي يتيح بصورة أفضل مناقشة طبيعة مهنة المحاماة مناقشة جادّة بقالب درامي متميز.

نبش ماضي الشخصيات
وفي الجزء الثاني، يحاول المسلسل المحافظة على ذات التركيبة على مستوى العلاقات بين الشخصيات الرئيسية، وإضافة شخصيات جديدة وجريمة فرعية لتتمحور الحكاية حولها. لكن ذلك قلص من جماهيرية المسلسل، بعدما بدا وكأنه بدأ يتحول لمسلسل جريمة تقليدي، يقوم فيه أبطال المسلسل بحل قضايا الآخرين؛ وهو الأمر الذي دفع صناع المسلسل في الجزء الثالث إلى قتل "ويس" وإعادة خلط الأوراق، فوضعوا البطل المضاد مكان البطل، وغاصوا في أعماق شخصية "أناليس" وماضيها النفسي، للبحث عن مواطن الضعف ومعالجتها. وفي الجزء الرابع تنقلب مفاهيم "أناليس" حول مهنة المحاماة وتلمع صورتها، فتبدأ بوضع أهداف نبيلة لمهنتها، وتبدأ بممارستها للدفاع عن حقوق المستضعفين، وتصبح "أناليس" بطلة قومية وتتجاوز النقاط السوداء بماضيها. وفي الجزء الخامس يعود صناع المسلسل لرسم صورة متوازنة عن شخصية "أناليس" ومهنتها، لتبين أن الدفاع عن بعض المجرمين وتبرئتهم هو أمر لا بد منه للحصول على المال، لضمان استمرار عمل "أناليس" الخيري بالدفاع عن المستضعفين. وحتى لا يقع المسلسل في ذات المطب الذي وقع فيه بالجزء الثاني، فإن صنّاع المسلسل يسعون في كل جزء جديد إلى البحث عن تفاصيل جديدة في ماضي الشخصيات لتدعيم الخطوط الدرامية بجوانب نفسية مغلقة لدى الشخصيات الرئيسية؛ ولكن تكرار هذا النبش عاد ليصبح عائقاً في تطوير المسلسل.


تطرّف الانحياز للعدالة
وبالنسبة للقضايا التي يتناولها المسلسل، فهو يركز على قضيتين رئيسيتين، هما: العنصرية ضد السود في أميركا، وقضية المثليين جنسياً. فيحاول المسلسل من خلال استعراض الجرائم القائمة على أسس تمييزية على أساس العرق أو الجنس، أن يعالج الصور النمطية القائمة في المجتمع الأميركي المحافظ، ولكن هذا الاستعراض والانحياز نحو المستضعفين يتحول مع توالي الأجزاء إلى فكر متطرف بدوره؛ فالمسلسل في الجزء الأول يعطي مساحة متوازنة للعلاقات العاطفية ما بين العلاقات المثلية والعلاقات السوية، ولكن مع الوصول إلى الجزء الخامس يبدو الانحياز نحو قضية المثليين واضحاً، حيث تكون قد انهارت كل العلاقات العاطفية التي تجمع الرجال والنساء، وتبقى العلاقات المثلية وحدها فوق المساس، وكأن هذه العلاقات وحدها هي ما يمثل الحب الحقيقي! والأغرب من ذلك أن الجزء الأخير يقوم بتصوير المشاهد العاطفية والقبلات بين المثليين بإيقاع رومانسي بطيء، بعدما كان يتم تصوير جميع المشاهد العاطفية والجنسية بلقطات سريعة تتناسب مع طبيعة المسلسل (الأكشن) لا مع طبيعة المشهد. ومن ناحية أخرى، فإن تعاطف "أناليس" مع الموكلين والضحايا ذوي الأصول الأفريقية يتحول إلى تطرف في الكثير من الأحيان.

تناول قضايا العرب والمسلمين
ويخصص المسلسل أيضاً جزءًا من مساحته لتناول قضايا المهاجرين العرب والمسلمين، ففي افتتاحية الجزأين الرابع والخامس، اختار صنّاع المسلسل أن يبدؤوا بقضايا جانبية عن عرب مسلمين يظلمهم القانون الأميركي، وهم معرضون لخطر الترحيل لبلادهم غير الآمنة بسبب ظلم القانون؛ ولا يمكن أن نفصل بين إقحام هذه القضايا ووصول ترامب إلى منصة الحكم، وتشريعه لقوانين تمييزية ضد العرب.
دلالات
المساهمون