13 ابريل 2022
من الصراع في سورية إلى الصراع عليها
فتحت الثورة السورية في مارس/ آذار 2011 الآفاق الواسعة أمام احتمال إمساك الشعب السوري بمصيره ومصير بلده، يُعيد فيها ترتيب دور سورية الاستراتيجي في محيطها الإقليمي، وينظم إدارة الحكم والخيارات الإقليمية والدولية بطريقةٍ حديثةٍ عقلانية، ويقيم علاقاته في الإقليم العربي على أساس التكافل والتضامن على حساب سياسة النظام التي ارتكزت على إرعاب دول الجوار وابتزازها، بدلًا من أن يقيم علاقة توازن مصالح معها، فعمل من أجل ذلك، على تنمية قدرته المخابراتية وعلاقاته الواسعة مع قوى الإرهاب والمنظمات المتطرّفة، لتوظيفها في مجال تخريب مصالح دول الجوار والأمن القومي، إذا لم تقدّم ما تيسر لتجنُّب شروره. هذا ما فعله نظام الأسد الابن والأب في الأردن ولبنان والعراق، ومع الفلسطينيين أيضًا، فحتى بعد أن رحل ياسر عرفات إلى داخل فلسطين لم يتخلّص من تهديده وتآمره، فحوَّل سورية إلى حاضنة للتطرّف والإرهاب، بارتكازه على صناعة القوى التخريبية، وامتداد علاقاته بها في بلدان عديدة، حتى غدت دمشق محطة لقوى إرهابية كثيرة لها عداواتها مع دول الجوار.
ارتكز هذا الدور الاستراتيجي الإرعابي لنظام الأسد في المحيط، أساسًا، على نهج ثابتٍ للإرعاب والسيطرة في الداخل السوري على الشعب ومقدّراته، فليس من العبث أن أحد المفكرين السوريين أطلق على بلده اسم "مملكة الصمت". ويقصد مملكة القبور، فقامت الثورة السورية ضد هذا النمط التسلطي الإرعابي للسلطة، وعلى استراتيجيتها الإقليمية القائمة على التآمر والتهديد الإرهابيين، لا على التعاون الأخوي وتكافؤ المصالح، فرفعت الجموع، في مارس/ آذار 2011، شعار الحرية والكرامة، وقدمت باسم "التنسيقيات" مشروعًا للتحول الديمقراطي، غير أن السلطة ردَّت بالنار على المتظاهرين وشعاراتهم، ورفضت أي تسويةٍ تفضي إلى التغيير الديمقراطي، فانفتح الباب على مصراعيه أمام صراع عارم (على سورية)،
بين نهج الثورة الذي يهدف إلى تغيير قواعد السلطة وتحويلها باتجاه الديمقراطية ونهج تسلطي يهدف إلى إبقاء الحال على ما هو عليه. وقد جنَّد النظام كل أدواته في القتل والاعتقال والتعذيب والتشريد، مستخدمًا كل الأسلحة المتاحة لديه، وقوة تحالفه المستقر مع إيران، المستند، في أحد وجوهه، إلى نزوع طائفي استبدادي، واسترجع رصيده الكبير من العلاقات مع "الجهاديين المتطرّفين" الذين استخدمهم سابقًا في لبنان (شاكر العبسي مثلا)، وفي العراق بكثافة، وأطلق بعضهم من السجون، في محاولةٍ منه، كي يطغى صوتهم الطائفي التكفيري على صوت الثورة الديمقراطية. وسلح في الوقت نفسه الحزب الديمقراطي الاتحادي (الكردي، من جماعة أوجلان) ليقف ضد الثورة، وسلّمه مفاتيح الإدارة في محافظة الحسكة. ووقفت روسيا بالتعاضد مع الصين (احتياط الاستبداد العالمي) جاهزتين لنجدته سياسيًا، قبل أن تنجده عسكريًا. وهكذا، سخَّر النظام تحالفاته الإقليمية والدولية في استخدام القوة الطليقة ضد السوريين، وسهّل السبل أمام السلفية الجهادية لتعزّز قوتها واختراقها مناطق سيطرة قوى الثورة المدنية، وذلك لتقويض قوة الثورة المدنية، ولتصبح الهيمنة للقوى الطائفية الإرهابية، ولتشوه وجه الثورة المدني، وليصبح الإرهاب والتكفير وجهها البارز. لقد حارب النظام على هاتين الجبهتين، فكان يومًا أسود على السوريين في نهاية عام 2012، عندما أعلن أبو محمد الجولاني تبعية جبهة النصرة لزعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، ويومًا أبيض ناصعًا على النظام وحلفائه، فبدأ الغرب تشكّكه في الثورة ومستقبلها، بذريعة ذلك. وثابرت إسرائيل على دفاعها عن بقاء النظام المجرّب لديها نصف قرن!
وفي المقابل، لم تجد قوى الثورة المدنية ذات التوجه الديمقراطي المدني التي عانت من مشكلات القيادة، والتشتت والدعم، من يساندها دوليًا بشكل فعال، يوازي الدعم الذي يلقاه النظام، إذ كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يبغون تغيير "سلوك النظام" لا النظام نفسه. ولا تريد إزعاج إيران من أجل صفقة النووي، فتركت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، المجال أمام صعود دور إيران الإقليمي، ودور روسيا في سورية والعالم. وقد حافظت إدارة الرئيس دونالد ترامب على هذا النهج ونمّته. وكان النظام مشجّعًا ومساندًا لتطور الموقف التدخلي لهذه الدول، تحت شعار محاربة الإرهاب، فشرعت موسكو بحرب إبادة للسوريين، في بداية عام 2015 (مُطمئِنة السعودية وبعض الدول العربية ببضع كلماتٍ لفض العتب بشأن
تحجيم دور إيران)، مستعينة بطائراتها في السماء، تعاضدها المليشيا الشيعية - الإيرانية على الأرض، إنقاذًا للنظام الذي بدأ بالتقهقر والانهيار، ما لبثت أن انفتحت شهية الولايات المتحدة على الجزيرة السورية، معتمدة على المليشيا الكردية، بعد أن ألصقت على اسمها الديمقراطية!
كان شعار الحرب على إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الصوت الجامع للتدخل الدولي السافر في سورية، للعب على مصيرها ومستقبلها. روَّج الروس الفيدرالية، واتفاقات تربط مستقبل سورية بها أمدا طويلا، وأعلنوا صراحةً، على لسان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف (وهو النسخة المعدّلة على نحو أكثر بشاعة من وزير الخارجية الأبدي للاتحاد السوفياتي، أندريه غروميكو)، ما يقوله الغرب بالسر: لا لحكم الأكثرية السنية لسورية (وهو يعادل القول لا حكم للأرثوذكس لروسيا)، فلافروف يفضل لهذه الأكثرية البقاء في القمقم. وفي المقابل، وضعت إدارة ترامب الجزيرة السورية والرقة، بما فيهما من بترول، تحت سطوتها، وعملت، على غرار النظام، على تقاسم السلطة مع مليشيا فاشية كردية (أتباع أوجلان) تقوم تلك المليشيا، طبقًا لهذا، بإدارة المسائل اليومية، والهيمنة على سكان الجزيرة العرب، وأن تتولى الولايات المتحدة مسائل السيادة والإدارة العليا، مستغلة تعب الناس من إدارة "داعش" المتوحشة، ومن احتمال قدوم النظام والمليشيات الإيرانية، أما حق تقرير المصير للشعب، فيتلاعب به الجميع، قبل أن يستفيق السوريون للإمساك بمصيرهم.
هكذا، قاد النظام وحلفاؤه، في حربهم على الثورة السورية، وعلى السوريين، سورية نحو حرب تدخلية دولية وإقليمية، صارت فيها سورية موضوعًا لها، بعد أن طبَّق، بنجاح، شعاره الكارثي
منذ بداية الثورة: الأسد أو نحرق البلد. .. وفعلًا، حرق البلد ودمره، وشرّد سكانه داخل الحدود وخارجها، تسانده في ذلك إيران وروسيا، بكل ما أوتيتا من قوة ومصالح رخيصة، وانعدام للأخلاق، وركوب متجدّد على الطائفية. وقد برزت أخيرا علاماتٌ تشير إلى أن الدول التي أصبحت لها اليد الطولى على مصير البلد، قد شرعت بتنافسٍ رخيصٍ على تقاسم الحصص، لتتربع فوق السوريين جميعًا، روسيا وأميركا وإيران، متجاهلة ومنكرة حقيقة أن الشعب السوري ما زال في الميدان، على الرغم من الجراح والدماء والتهجير. ولم تتعظ من تجربة الربيع العربي، كما تصرّ على تجاهل حقيقة أن قصة الربيع العربي لم تنته بعد، فلا تزال نسماتٌ ربيعيةٌ تهلُّ في الأفق الغربي لبلاد العرب من السودان حتى الجزائر، حاملةً معها البشائر، مؤكدة بإصرار أن هذا الربيع اليانع لا يزال يبث رياحينه في أرض العرب، وبين ناسها، تشد العزائم وتعزِّز الأمل بالآتي، ولا تزال أصوات الحرية تضج أصداؤها في الميادين والحواري، تحوم كالشبح فوق رؤوس أنظمة القمع والطغيان، وقادة الثورة المضادة من دول وتنظيمات! ولتتلو على الجميع نبوءة أن ما حدث في السنوات الماضية ليس سوى فاتحة لكتاب التحوّل العربي الكبير نحو الديمقراطية والسيادة.
وفي المقابل، لم تجد قوى الثورة المدنية ذات التوجه الديمقراطي المدني التي عانت من مشكلات القيادة، والتشتت والدعم، من يساندها دوليًا بشكل فعال، يوازي الدعم الذي يلقاه النظام، إذ كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يبغون تغيير "سلوك النظام" لا النظام نفسه. ولا تريد إزعاج إيران من أجل صفقة النووي، فتركت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، المجال أمام صعود دور إيران الإقليمي، ودور روسيا في سورية والعالم. وقد حافظت إدارة الرئيس دونالد ترامب على هذا النهج ونمّته. وكان النظام مشجّعًا ومساندًا لتطور الموقف التدخلي لهذه الدول، تحت شعار محاربة الإرهاب، فشرعت موسكو بحرب إبادة للسوريين، في بداية عام 2015 (مُطمئِنة السعودية وبعض الدول العربية ببضع كلماتٍ لفض العتب بشأن
كان شعار الحرب على إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الصوت الجامع للتدخل الدولي السافر في سورية، للعب على مصيرها ومستقبلها. روَّج الروس الفيدرالية، واتفاقات تربط مستقبل سورية بها أمدا طويلا، وأعلنوا صراحةً، على لسان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف (وهو النسخة المعدّلة على نحو أكثر بشاعة من وزير الخارجية الأبدي للاتحاد السوفياتي، أندريه غروميكو)، ما يقوله الغرب بالسر: لا لحكم الأكثرية السنية لسورية (وهو يعادل القول لا حكم للأرثوذكس لروسيا)، فلافروف يفضل لهذه الأكثرية البقاء في القمقم. وفي المقابل، وضعت إدارة ترامب الجزيرة السورية والرقة، بما فيهما من بترول، تحت سطوتها، وعملت، على غرار النظام، على تقاسم السلطة مع مليشيا فاشية كردية (أتباع أوجلان) تقوم تلك المليشيا، طبقًا لهذا، بإدارة المسائل اليومية، والهيمنة على سكان الجزيرة العرب، وأن تتولى الولايات المتحدة مسائل السيادة والإدارة العليا، مستغلة تعب الناس من إدارة "داعش" المتوحشة، ومن احتمال قدوم النظام والمليشيات الإيرانية، أما حق تقرير المصير للشعب، فيتلاعب به الجميع، قبل أن يستفيق السوريون للإمساك بمصيرهم.
هكذا، قاد النظام وحلفاؤه، في حربهم على الثورة السورية، وعلى السوريين، سورية نحو حرب تدخلية دولية وإقليمية، صارت فيها سورية موضوعًا لها، بعد أن طبَّق، بنجاح، شعاره الكارثي