من الأناضولي لعشماوي... عسكريون مصريون تحت لواء تنظيمات مسلحة

08 يونيو 2019
عبود الزمر محتجاً أمام السفارة الأميركية بمصر(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
فتح تسليط الضوء على عملية تسلُّم السلطات المصرية لضابط الصاعقة السابق هشام عشماوي، المتهم بالتورط في عمليات إرهابية، الباب واسعاً أمام الحديث عن انضمام العسكريين المصريين للتنظيمات المسلحة التي تستند على أسس وأفكار دينية، وقيادتهم لها، في ظل الحرب التي يقودها النظام المصري ضد "الإرهاب"، وما يصفه بـ"الأفكار المتطرفة". ويكشف الرصد التاريخي، أنه في ظل اتهامات النظام الحالي، ومن قبله نظم عسكرية أخرى، لجماعات معارضة سياسية مثل جماعة "الإخوان المسلمين" بالوقوف وراء عمليات إرهابية، وكذلك الاتهامات التي يوجهها رموز النظام من وقت لآخر إلى المؤسسات الدينية والخطاب الديني بالتسبّب بتلك العمليات، يأتي انضمام عسكريين، من الضباط بالأساس، إلى تنظيمات متطرفة ومسلحة، ليكشف خللاً واضحاً في نهج تعاطي نظام الحكم العسكري في مصر مع فكرة المعارضة كلها.

وفي البحث عن تاريخ حركات الإسلام السياسي، في العصر الحديث، يتبيّن أن تلك الحركات أدى فيها العسكريون، سواء كانوا في الخدمة أو خارجها، دوراً كبيراً في نموها، بل وتنفيذ أبرز العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر في العصر الحديث، التي بلغت ذروتها في عملية اغتيال الرئيس أنور السادات أمام كاميرات التلفزيون عام 1981 خلال العرض العسكري في ذكرى انتصارات حرب أكتوبر/ تشرين الأول. في هذا الصدد، كشف خبير في مجال الإسلام السياسي، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك الكثير من الأسباب والدوافع تقف خلف انضمامهم، فهم صيد ثمين لكونهم مدربين وجاهزين لقيادة أرض المعركة، وهم الأكثر خبرة بالتكتيك العسكري، والتعامل مع السلاح والمتفجرات، ولديهم معرفة جيدة بالجغرافية العسكرية، وأنواع الأسلحة الحديثة والبدائية، بل الأكثر دراية بخبايا المؤسسات السيادية في الدولة، ويعرفون الكثير من التفاصيل والأسرار، ويمكنهم الوصول للمعلومات الأمنية بطرق مختلفة لقربهم من دوائر صنع القرار فيها، وانخراطهم بقياداتها لفترات طويلة". وبحسب الخبير، فإن "الأجهزة الرقابية المختلفة بدأت تلتفت لظاهرة انضمام ضباط من الجيش والشرطة للتنظيمات المسلحة والجهادية، وبدأت في إعداد خطة موسعة لمواجهة تلك الظاهرة، عبر دورات متخصصة في الجوانب الدينية والفقه، على أيدي رموز دينية موثوقة بالنسبة للعاملين بالمؤسسات العسكرية والشرطية".

تنظيم الفنية العسكرية
كانت البداية مطلع السبعينيات، بقيادة صالح سرية، الذي أسس تنظيماً مكوناً من أربع مجموعات، بينها اثنتان من العسكريين، وكانت إحداها تضم طلاب الكليات العسكرية، وعلى رأسهم كارم الأناضولي الطالب بالكلية الفنية العسكرية، وأخرى تضم مجموعة من العسكريين النظاميين داخل الجيش المصري وكان يقودها صالح سرية نفسه. واعتمد التنظيم في أدبياته الرئيسية على أفكار صالح سرية، مؤسس التنظيم، الذي خلّف مجموعة من الكتابات أهمها "رسالة الإيمان". ومن أهم الأفكار الواردة في هذه الوثيقة: الجهاد هو الطريق لإقامة الدول الإسلامية، وأنه لا يجوز موالاة الكفار والأنظمة الكافرة ومن فعل ذلك فهو كافر، وأن من مات دفاعاً عن حكومة كافرة ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهو كافر إلا إذا كان مكرهاً فإنه يبعث على نيته. وكذلك فإن من اشترك في حزب عقائدي غير إسلامي فهو كافر، كذلك من اشترك في جمعية عالمية كالماسونية أو اعتنق فلسفة مخالفة كالوجودية أو البراغماتية هو كافر. كما تضمنت الوثيقة أفكاراً خاصة بتكفير أنظمة الحكم وتكفير الحكام وجاهلية المجتمع واعتباره دار حرب.

مجموعة اغتيال السادات
الواقعة الأبرز في تاريخ التنظيمات الجهادية، تلك التي اعتمدت على العسكريين، هي حادثة اغتيال أنور السادات. والشخصيات الأساسية الضالعة في تخطيط وتنفيذ عملية الاغتيال، هي ضابط باللواء 333 مدفعية، خالد الإسلامبولي، المخطط والمنفذ الرئيسي لعملية الاغتيال، الذي ترجّل من سيارته أثناء العرض العسكري، ثم اتخذ طريقه بشكل مباشر نحو المنصة وهو يطلق النار بغزارة على الصف الأول مستهدفاً السادات. وكان ضمن العسكريين المتهمين بالعملية المقدم في سلاح المخابرات الحربية، عبود الزمر، الذي صدر بحقه حكمان بالسجن في قضيتي اغتيال السادات (25 عاماً)، وتنظيم الجهاد (15 عاماً). وقررت المحكمة في العام 2007 التنحي عن النظر في الاستشكال الذي تقدّم به.

ثالث العسكريين في تلك العملية، حسين عباس، الذي كان قناصاً في القوات المسلحة، وكان يجلس فوق سيارة نقل الجنود التي كانت تُقل فريق التنفيذ. انتظر عباس حتى حصل على فرصة اقتناص السادات، وبالفعل أطلق طلقة واحدة اخترقت رقبة الرئيس الراحل وكانت من الأسباب الرئيسية لوفاته. كما ضمت المجموعة كلاً من عطا طايل، وهو ملازم أول مهندس احتياط، وعبد الحميد عبد السلام الضابط في الدفاع الجوي وقتها.

مجموعة عصام القمري
كما جاء في مقدمة الضباط العسكريين المصريين الذين سعوا لتوظيف خبراتهم العسكرية والقتالية لصالح تنظيمات جهادية، عصام القمري، الذي شكّل خلية من ضباط الجيش، لينضوي بعد ذلك تحت قيادة أيمن الظواهري، منظّر تنظيم الجهاد المصري وقتها، قبل أن ينضم إلى تنظيم "القاعدة" ويصبح الرجل الأول فيه حالياً. التحق القمري، مطلع السبعينيات، بإحدى الكليات العسكرية، وفي الكلية تعرف على محمد مصطفى عليوة، الذي ضمّه إلى مجموعة الظواهري، وبعد تخرجه، شغل موقعاً مهماً داخل أحد أسلحة الجيش بعد اجتيازه كل الدورات التدريبية، ورشح بعد ترقيته لرتبة رائد لدورة إعداد قادة الكتائب في الولايات المتحدة، إلا أنه اعتذر ولم يذهب، على الرغم من علمه بأنه بمجرد عودته واجتيازه هذه الدورة تحديداً سيُعيّن في منصب عسكري رفيع. إلا أن أحد أعضاء التنظيم أبلغه بأن عام 1981 سيكون عام التغيير في مصر، فقرر ألا يسافر.

ويروي زعيم تنظيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، عن عصام القمري، أنه عقب اغتيال السادات، في حادث المنصة 1981: "طلب منّي عصام أن أوصله بالمجموعة التي نفذت الاغتيال، فقمت بتوصيله بعبود الزمر، فتدارس القمري الموقف مع عبود. فقد كان عصام يُفكر في ضرب جنازة أنور السادات بمن فيها من المعزّين، وعلى رأسهم زعماء أميركا وقادة إسرائيل. كما كان يُفكر في إمكانية الاستيلاء على بعض الدبابات وتحريكها لضرب هدف حيوي أو الهجوم على جنازة السادات، ولكن الإمكانات المتاحة كانت أقل من طموحاته، وكان الوقت قد فات".

وبعد اعتقال عبود الزمر، اكتشف المحققون أن الضابط الهارب منذ 8 أشهر قد ظهر مرة أخرى على سطح الأحداث، وبعد مطاردات تم القبض على الظواهري، ثم الهجوم على مخبأ عصام القمري في حي الجمالية بالقاهرة، بعد معركة نارية بين قوات مكافحة الإرهاب التي حاصرت المنطقة بكاملها. واستطاع القمري الهروب إلى تلال المقطم، وظل هارباً حتى تم إلقاء القبض عليه بعدها بساعات، وتم تقديمه إلى المحاكمة في قضية الجهاد، وحُكم عليه بعشر سنوات.

توالى بعد ذلك ظهور أسماء عدد من العسكريين وضباط الشرطة ضمن أعمال مسلحة خططت لها تنظيمات جهادية في مصر، وكان من بين هؤلاء أحمد طارق عبد العليم، المتهم في قضية قتل وزير الأوقاف في السبعينيات من القرن الماضي، والإمام الذهبي، وكان منضوياً في تنظيم التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفى، الذي كان يُكفّر المجتمع. وكذلك برز اسم حلمي هاشم الذي سبق أن تولى مسؤولية أحد السجون التابعة لوزارة الداخلية، قبل فصله من الخدمة وسجنه في العام 1982، بعدما انتهج التكفير. وكذلك الضابط في المخابرات الحربية مدحت الطحاوي، الذي كان أحد المخططين لمحاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك العام 1993 في مطار سيدي براني في محافظة مرسى مطروح، إضافة إلى محمد عاطف المكنى بـ"أبو حفص المصري"، الذي أصبح واحداً من القادة العسكريين ضمن تنظيم "القاعدة".

مجموعة ضباط "داعش"
نشر تنظيم "داعش" أخيراً إصداراً مرئياً جديداً تحت عنوان "سبيل الرشاد"، كشف خلاله تفاصيل انضمام ومبايعة عدد من ضباط الشرطة المصرية، وهم أحمد محمود علي إبراهيم، المكنى بـ"أبو أبيّ"، وخيرت سامي عبد المجيد السبكي، المكنى بـ"أبو علي المهاجر"، وحنفي جمال محمود، المكنى بـ"أبو عمر"، وكريم عادل حفر، المكنى بـ"أبو آدم". جميعهم شاركوا في عمليات قتالية سقط خلالها ضباط من الجيش المصري في سيناء. وجاء كشف التنظيم عن الضباط الأربعة بعدما قتلوا جميعاً في غارة للجيش المصري في شمال سيناء. ووجّهت سلطات التحقيق المصرية للضباط الأربعة اتهامات بالتورط في خلية محاولة اغتيال الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي الهجوم على قوة أمنية تابعة لشرطة حلوان في مايو/ أيار 2016. وبحسب تحقيقات الجهات القضائية، فإن قرار الضباط الأربعة، وجميعهم من دفعة 2012، جاء بعد مشاركتهم في عمليات فض اعتصام رابعة العدوية، والذي كان بمثابة نقطة التحول.

مجموعة هشام عشماوي
قبل تلك المجموعة برز اسم ضابط الصاعقة السابق هشام عشماوي، وارتبط اسمه بمجموعة من التفجيرات الكبرى، والتي كانت في مقدمتها محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، وكذلك التخطيط لعملية تفجير مديرية أمن الدقهلية التي راح ضحيتها العشرات ما بين قتيل وجريح، بالإضافة إلى العملية المعروفة إعلامياً بـ"كمين الفرافرة" (19 يوليو/ تموز 2014)، التي قتل خلالها 22 من أفراد القوات المسلحة. وانضم عشماوي برفقة عدد من الضباط إلى ما يعرف بتنظيم "أنصار بيت المقدس" في سيناء، ونفذ معه مجموعة من الهجمات، قبل أن يقع الخلاف بينهم، نتيجة مبايعة التنظيم لـ"داعش" ويصبح أحد أفرعه، فقرر بعدها عشماوي الانشقاق بمجموعته، وتشكيل تنظيم "المرابطون"، من الأراضي الليبية. وأسندت التحقيقات إلى عشماوي تشكيل خلية من ضباط سابقين في القوات المسلحة، يصل عددهم إلى 12 ضابطاً، بينهم الرائد وليد بدر، الذي ينسب إليه تنفيذ محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، والرائد عماد عبد الحميد، الذي انفصل عن عشماوي بعد سفرهما إلى ليبيا وشكّل مجموعة مستقلة، نفذت بعد ذلك عملية كمين الواحات (20 أكتوبر/ تشرين الأول 2017)، التي راح ضحيتها نحو 17 من ضباط جهاز أمن الدولة المصري وقوات الأمن المركزي، قبل أن يلقى عبد الحميد حتفه في قصف جوي لمجموعته، في خريف العام 2017.

المساهمون