من أين يحصل "ولاية سيناء" على دعمه اللوجيستي؟

28 يونيو 2020
ما يحتاجه التنظيم غير متوافر في المحال(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

برغم الحملات العسكرية المتتالية التي يشنها الجيش المصري منذ أكثر من سبع سنوات على تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، في محافظة شمال سيناء شرقيّ البلاد، إلا أن كل الدلائل على الأرض تظهر قدرة التنظيم على التكيف مع شتى الظروف، بما فيها الحصار والاستنزاف.

وقد تكشف هذا الأمر أخيراً بتكرار هجماته على قوات الجيش، برغم الحملة العسكرية المشتركة التي بدأت بعد عيد الفطر نهاية الشهر الماضي، ما يطرح عدة تساؤلات عن كيفية قدرة التنظيم على الاستمرار في البقاء، برغم الإجراءات الأمنية المحيطة بشمال سيناء. ويقود هذا الأمر إلى التساؤل عن الطريقة التي يحصل بها "ولاية سيناء" على دعمه اللوجيستي، كالغذاء والماء والمستلزمات الطبية، والوقود، في ظل منع الجيش المصري إدخال هذه المواد من دون تنسيق أمني مسبق، حتى لو كانت موجهة إلى جهات معلومة داخل المحافظة.

وللاطلاع على المشهد الميداني أكثر، قال أحد مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن تعداد أفراد تنظيم "ولاية سيناء" يقدَّر بالمئات في شمال سيناء، وبالتالي فإنهم يحتاجون يومياً إلى كميات من الطعام والشراب والوقود اللازم لحركة السيارات والدراجات النارية. كذلك إن وقوع إصابات بين أفراده، خلال الهجمات التي يشنّها على قوات الجيش، يستدعي توافر مواد ومستلزمات طبية وأدوية وأدوات جراحية، وذلك كله متوافر لدى التنظيم، ويشحن مخزونه أولاً بأول. إلا أن التساؤل القائم عن مصدر الدعم اللوجيستي للتنظيم لا يزال بحاجة إلى إجابة، التي قد لا تتوافر لدى أجهزة الأمن المصرية، وإلا فإنها لن تتوانى عن قطع طريق الإمداد بشكل كامل وفوري، إذ إن الإجراءات المتبعة حالياً، من تحديد كميات ومواقيت إدخال المواد الغذائية والأدوية وقطع الغيار إلى شمال سيناء، لم تأتِ بنتيجة ملموسة ضد التنظيم، في ظل استمرار نشاطه العسكري الميداني، رغم مرور أكثر من عامين على فرض الحصار الشامل في فبراير/ شباط 2018، على وقع العملية العسكرية الشاملة.


وأضاف الشيخ القبلي أن أماكن انتشار التنظيم بعيدة نوعاً ما عن السكان، وبالتالي من الصعب الاحتكاك بمصادر بيع المواد الغذائية من قبل المسلحين مباشرةً، بالإضافة إلى أن التنظيم بحاجة إلى كميات من كل الأصناف التي يحتاجها لإمداد عناصره يومياً، وهذه الكميات غير متوافرة لدى المحال التجارية في نطاق مدن شمال سيناء، نظراً إلى أن كل المواد الغذائية والخضار والفاكهة تمرّ وفق كشوفات وتنسيق بين الجهات التجارية في العريش وقوات الجيش التي تفرض الحصار على المحافظة. كذلك يدخل الوقود إلى المحافظة بكميات مقننة، تُوزَّع مرتين في الأسبوع مباشرةً من قبل الجيش، عبر التواجد في محطات التعبئة، في حين أن كل المحطات في رفح والشيخ زويد مغلقة منذ الانقلاب العسكري صيف عام 2013، ويضطر سكان المحافظة القاطنون في هاتين المدينتين إلى التوجه للعريش من أجل الحصول على الوقود. وبالتالي، إن حصول التنظيم على الوقود بالطريقة الرسمية المتبعة في شمال سيناء ليس سهلاً، في ظل تشدد الجيش في إجراءات توزيع كميات قليلة جداً.


وأشار إلى أن حجة الأنفاق التي كانت تربط قطاع غزة بشمال سيناء، والتي كانت شماعة النظام المصري في إلقاء التهم على غزة بإمداد المسلحين بالدعم اللوجيستي، باتت من الماضي، بالإضافة إلى أن الجيش أنشأ ثلاثة جدران على الحدود مع غزة خلال السنوات الأخيرة، تمثلت بجدار صخري وآخر خرساني. وأخيراً أُنشئ واحد إلكتروني، عدا عن خنادق وبرك مياه  أُنشئت قبل ثلاث سنوات لتخريب الأنفاق ومنع حفر أخرى جديدة. كذلك فإن هناك تنسيقاً عالي المستوى بين الأمن المصري وقوات الأمن الفلسطينية منذ سنوات، أفضى إلى فرض حالة غير مسبوقة من ضبط الحدود يحظر عليها جميع عمليات التهريب.

ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن للدعم اللوجيستي عدة مصادر، أهمها وجود مجموعات تعمل على إيصاله إلى التنظيم في مناطق شمال سيناء ووسطها، في مقابل بدل مالي مرتفع. وتستغل هذه المجموعات علاقتها بالأمن المصري في النقاط العسكرية الفاصلة مع مناطق وجود التنظيم، من أجل تسليم الدعم في نقاط يحددها الطرفان، وفي توقيتات معينة، بالتزامن مع تسلّم المبالغ المالية. وفي المقابل، تستفيد هذه المجموعات، غير الجانب المادي، بشطب نفسها من قوائم المطلوبين للتنظيم الذي يلاحق كل من يتعاون مع الأمن المصري، إذ اعتادت هذه المجموعات التهريب بمقابل طوال السنوات الماضية، سواء على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة أو قطاع غزة. وتعمل هذه المجموعات في مجالات التهريب كافة، وهي تدفع مبالغ مالية لبعض النقاط العسكرية في مقابل تسهيل مرورها.

ومن مسارات إيصال الدعم اللوجيستي التي تتبعها "العربي الجديد"، توجه بعض عناصر "ولاية سيناء" لشراء المواد الغذائية والوقود من تجار السوق السوداء، بأسعار ترتفع قليلاً عمّا هو متداول في السوق المحلي، بهدف الحصول على أكبر قدر من الكميات المتوافرة، وهذا ما يحصل غالباً من مناطق خارج نطاق مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وتُنقَل بواسطة طرق التنظيم الالتفافية حتى الوصول إلى النقاط المراد تخزين المواد فيها. وسجل على التنظيم سرقة عناصره لبعض المواشي وقطف ثمار أشجار المواطنين في مناطق واسعة من سيناء على مدار السنوات الماضية، وهو يحصل على الأموال اللازمة لتنفيذ ما سبق، من خلال ما يصل إليه من داعميه داخل مصر وخارجها، بالإضافة إلى سرقته بعض البنوك المحلية وفروع البريد، وهذا ما حصل فعلياً ووُثِّق خلال السنوات الماضية، فضلاً عن بيعه بعض المواد التي يصادرها من المهربين، كالسجائر وغيرها، التي كانت تُوجَّه إلى قطاع غزة.

وفي التعقيب على ذلك، يقول باحث في شؤون سيناء إنه على مدار سنوات الحرب مع التنظيم، لم يسجل الجيش، في تقاريره العسكرية والبيانات الإعلامية، قدرته على تفكيك أي مجموعة لنقل الدعم اللوجيستي إلى "ولاية سيناء"، ولم يحسب ضمن إنجازاته أي شيء ملموس على هذا الصعيد، بخلاف الكمائن العسكرية التي تتحكم في المواد الغذائية الواردة إلى سيناء، من مناطق غرب قناة السويس. ويشير هذا الأمر إلى عدم قدرة الجيش على السيطرة الفعلية على مسارات إيصال الدعم اللوجيستي للتنظيم، ما يزيد من قوة "ولاية سيناء" ويطيل في عمره، ويحول دون قدرة الجيش على حسم المعركة المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات. وبات التنظيم يمثل معضلة حقيقية تواجه الجيش وأجهزة الاستخبارات المصرية، فما دامت خطوط التنقل والإمداد تسير، برغم كل الإجراءات الأمنية والعسكرية المتخذة في المنطقة، فإن ثمة ثغرة يستغلها التنظيم في تمرير ما يريد إليه، وهذه الثغرة بحاجة إلى معالجة لقطع الإمدادات كخطوة أساسية على طريق القضاء على "ولاية سيناء".