قد تقرر منطقة "حزام الصدأ" الأميركية المتداعية حاليا بعد هجرة المصانع، هوية الرئيس المقبل، مع تنافس المرشحين الرئاسيين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب على كسب أصوات العمال البيض هناك.
تشكل المنطقة، التي تشهد تراجعا في عدد السكان وتهالك مدنها، قوسا حول البحيرات الكبرى وتعبر بشكل خاص ولايتي بنسيلفانيا وأوهايو.
في حال صوتت الولايتان اللتان فاز بهما الديمقراطي باراك أوباما مرتين لصالح ترامب، فسيكون أمام المرشح الجمهوري عندئذ فرصة كبيرة للفوز بالرئاسة.
تزخر المدن الكبرى كفيلادلفيا وبتسبرغ وكليفلاند بالأصوات الديمقراطية بفضل العدد الكبير لسكانها السود. والثلاثاء شارك أوباما في الحملة لصالح كلينتون في فيلادلفيا.
غير أن أحفاد عمال مصانع الصلب ومناجم الفحم التي أدت إلى ازدهار المنطقة منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى أواخر السبعينيات يعيشون في الأرياف والبلدات.
غالبية هؤلاء عمال بيض غير محترفين يجذبهم ترامب بوعود إعادة فتح المصانع و"إعادة العظمة إلى أميركا".
وترمز جونزتاون، عاصمة الصلب السابقة في قاع واد، إلى الاستياء السائد حاليا في صفوف الطبقة العاملة تجاه الحزب الجمهوري.
على ضفتي نهر كونيما وبموازاة خط كان ينقل سكك الحديد التي تصنع هناك ما زالت هياكل معامل الفولاذ الضخمة المغلقة منذ 25 عاما بادية، وهي اليوم مصنفة كمبان تاريخية.
ووسط غياب الوظائف غادر السكان، ولم يبق أكثر من 20 ألف نسمة أصبحوا اليوم أكثر محافظة من الماضي الذي شهد أيام مجد وعظمة المدينة الصناعية.
في 1992 صوتت مقاطعة كمبريا، التي تضم جونزتاون، لصالح بيل كلينتون. لكن قبل أربع سنوات فضّل 58% من ناخبيها ميت رومني على أوباما.
وقال مسؤول الحزب الديمقراطي في المقاطعة، فرانك فانتوزو، العامل السابق في معامل الفولاذ والنقابي، "انتقلوا إلى تاييد ترامب لأنه يحدثهم كما يرغبون".
لكن الديمقراطيين لم يستسلموا. فجونزتاون بالذات هي المدينة التي قصدتها كلينتون في اليوم التالي لنيلها ترشيح الحزب الديمقراطي الرئاسي في تموز/يوليو للترويج لخطتها لإحياء صناعات متهالكة.
نفاد لافتات ترامب
لكن ترامب أيضا كان حاضرا، ففي حزيران/يونيو توجه الثري إلى مونيسن، جنوب بيتسبرغ، وفي آب/أغسطس إلى التونا، المعقل المحافظ.
وتعهد في كل من محطاته تحقيق نهضة لقطاع التصنيع وإعادة فرص عمل إلى البلاد سبق أن نقلت إلى المكسيك والصين.
في مهرجان مقاطعة كامبريا السنوي في إيبنسبرغ التي يسكنها ثلاثة آلاف نسمة، بدا شبه مستحيل العثور على مؤيد لكلينتون.
وصرح بعض سكان البلدة من قدامى المحاربين أنهم سيصوتون لترامب لأنه سيكون قائدا حازما.
واعتبر سكوت، ميكانيكي السيارات البالغ من العمر 44 عاما ولا يملك شهادة ثانوية، أن ترامب "أثبت أنه ناجح، لذلك يمكنه أن يدير البلاد بأسلوب رجل الأعمال، لا بأسلوب السياسي".
وقال راين ويكلاند (22 عاما)، عامل البناء الذي أمضى عامين عاملا في منجم: "سأصوت لترامب لأنه مؤيد لصناعة الفحم".
ومع الابتعاد عن المدن الكبرى على غرار بيتسبرغ، تتزايد نسبة البطالة وتتكاثر لافتات التأييد لترامب أمام المنازل.
وفي مكتب للحزب الجمهوري في التونا، يتوالى مؤيدو ترامب لطلب لافتات لوضعها أمام منازلهم، ليجدوا أنها نفدت.
وقالت مديرة مكتب الحزب في مقاطعة بلير، لويس كانيشيكي: "الوضع لا يصدق"، موضحة "الفرق هائل بين الاهتمام برومني العام 2012 والاهتمام بترامب".
أمر مخيف
لماذا يلقى ترامب هذا القدر من النجاح؟
لن يعترف الكثير من الديمقراطيين بذلك، لكنهم يجدون تفسيرا جزئيا لذلك في خطاب المرشح الجمهوري الغاضب إزاء الطبقة السياسية التقليدية الأميركية والمهاجرين.
تحدث النائب الديمقراطي السابق عن الولاية، آلن كوكوفيتش، من قصره الكبير على أرض تملكها عائلته منذ خمسة أجيال، عن علاقة مدى عدم التسامح بالمسافة من المحاور الاقتصادية في المنطقة.
وقال: "هناك ميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين والتجاوب مع السياسيين الذين يحاولون إثارة المخاوف".
وما زالت هارييت إيلنبرغر، الناشطة من أجل الوظائف وابنة عامل في سكك الحديد، عاجزة عن تقبّل مشهد جارها وهو يثبت لافتة تأييد لترامب في فناء منزله.
وقالت: "الأمر مخيف. ربما يعانون من الجنون. أعتقد أنهم بالأحرى عنصريون ويكرهون المثليين والنساء. وهذا لا علاقة له بالاقتصاد".
حاليا ما زالت كلينتون تتمتع بفرص الفوز بأصوات البيض وتسبق ترامب في الاستطلاعات في أوهايو وبنسيلفانيا.
لكن الأمر قد يتغيّر إذا تمكن ترامب من إقناع مزيد من العمال بأن كلينتون تنظر إليهم باستعلاء. وهو يعمد لهذا الغرض إلى تكرار بعض أقوالها، على غرار وصفها أنصاره بأنهم "يرثى لهم".
لاحقا قدمت المرشحة الديمقراطية اعتذارها، لكن هل هذا يكفي؟ الجواب سيعلن مع استحقاق 8 تشرين الثاني/نوفمبر.
(فرانس برس)