منتجات مغشوشة ومنتهية الصلاحية ملاذ السوريين الأخير

24 يونيو 2015
السوريون يلجأون إلى البضائع الفاسدة والمهربة (Getty)
+ الخط -
ليس جديداً على السوريين بيع أنواع مختلفة من السلع والمواد الغذائية، منخفضة الجودة أو المهربة، في شوارع العاصمة دمشق. لكن هذه التجارة شهدت انتعاشاً كبيراً بعد عام 2011، وذلك بسبب انهيار الوضع الاقتصادي، وتزايد أصحاب الدخل المحدود الذين يفضلون شراء منتجات منخفضة السعر، حتى لو كانت غير مضمونة الجودة أو حتى غير صالحة للاستهلاك البشري.


تشكّل "البسطات"، وهي أماكن على الرصيف أو في بعض شوارع الأحياء الشعبية تبيع منتجات متنوعة، مقصد السوريّين متوسطي الحال والفقراء، وهؤلاء يشكلون اليوم، بعد أربع سنوات من التدمير الممنهج، الغالبية الساحقة من سكان البلاد. وتتركز البسطات في المناطق والأسواق الشعبية، حيث يحصل السوريون على المنتجات بأسعار منخفضة قياساً على أسعار المحال التجارية الرسمية، مع فرق رئيسي يتمثل في أن منتجات "البسطات"، في معظم الحالات، تحمل علامة تجارية مزورة، أو لا تحمل أي علامة تجارية، فضلاً عن أنها تبيع سلعاً منتهية الصلاحية.

وعلى سبيل المثال، يباع الشامبو دون أي علامة تجارية بنحو 150 ليرة سورية (0.5 دولار)، فيما يصل سعر الشامبو الذي يحمل علامة تجارية مسجلة إلى نحو 300 ليرة (1 دولار). كما تباع معلبات الكونسروة والمعكرونة والمربيات ومنتجات غذائية مختلفة تحمل علامات تجارية، لكنها منتهية الصلاحية أو على وشك انتهاء صلاحيتها، بسعر يقل بنحو 30 % عن سعرها في المحال التجارية الأخرى.

اقرأ أيضا: السوريون بين ارتفاع الأسعار وتلاشي الوظائف

يقول الباحث الاقتصادي معن الراعي لـ "العربي الجديد" إن السبب الرئيسي لتلك الظاهرة "تدهور الإنتاج الزراعي والصناعي، حيث أدى ذلك إلى نقص كبير في المعروض من السلع الغذائية والمواد الأساسية". ويشير الراعي إلى أن الحكومة السورية "حاولت التعويض عن ذلك النقص في مناطقها بزيادة المستوردات، لكنها لم تنجح في سد النقص الكبير في العرض، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير وانعدام الأمن الغذائي، واتجاه شرائح واسعة من السوريين لشراء منتجات غير خاضعة للرقابة الصحية، إذ بات هو العامل المحدّد أو الوحيد في اختيار السلعة".


ويشير الراعي إلى وجود بعض التحسن الطفيف الذي طرأ على قطاع الصناعة التحويلية، الذي ساهم في تأمين بعض المواد المفقودة بأسعار أقل من أسعار الاستيراد، "لكنه لم يحل المشكلة، إذ إنه وبعد التحسّن المشار إليه، لم يرتقِ إنتاج قطاع الصناعات التحويلية إلى ربع إنتاجه قبل اندلاع الثورة.

أولوية الحكومة
يشير الناشط زين محمد من ريف مدينة حلب لـ "العربي الجديد" إلى أن "سكّان المناطق المحرّرة يعتمدون على السلع المقدّمة من المنظمات الدولية والمحلية كمعونات، وكذلك على البضائع المهرّبة من تركيا، والتي يتسرّب جزء منها لمناطق النظام ويزعج الحكومة".

ويظهر انزعاج الحكومة السورية من هذا الوضع، عبر تأكيد وزير المالية إسماعيل إسماعيل مؤخراً لإحدى الصحف الحكومية أن "مكافحة البضائع المهربة هي أولوية لدى الحكومة، خصوصاً مع الانتشار الكبير لهذه البضائع؛ والتي أصبحت تشكل 70% من البضائع المنتشرة في الأسواق". كما يبدو ذلك في تحذير مدير حماية المستهلك باسل الطحان للسوريين "من شراء البضائع التركية المهرّبة بكل أنواعها، وخاصة الغذائية، كونها لا تخضع لرقابة أي جهة حكومية".


ومع حلول شهر رمضان، يزداد الإقبال عادة على شراء المواد الغذائية، تبدو "البسطات" بمثابة "الملاذ الأخير للعائلة بعد الارتفاع الجنوني في الأسعار في مقابل بقاء الدخل ثابتاً"، يقول كرم المقيم في دمشق، والذي يعمل موظفاً حكومياً براتب شهري لا يزيد على 100 دولار أميركي. ويضيف: "لا نريد رقابة حكومية على البسطات كما تدّعي الحكومة، أنا شخصياً لا أتعرض للغش، إذ أعرف تماماً أنني اشتري علبة سردين أو كونسروة منتهية الصلاحية، وأعرف أنني أشتري منظفات منخفضة الفاعلية وذات جودة سيئة، وأقوم بذلك لأن دخلي منخفض ولا أستطيع شراء منتجات أفضل".

تراجع القطاعات
يشير تقرير حديث لـ"المركز السوري لبحوث السياسات"، أنّ نحو 3 ملايين شخص فقدوا عملهم خلال الثورة السورية، وهو ما انعكس بشكل سلبي على أكثر من 12 مليون سوري، فقدوا بدورهم المصدر الرئيسي لدخلهم. كما تعرض قطاع التجارة في العام 2013 إلى تراجع كبير بلغ 46.6% من جرّاء "تراجع معروض السلع وتزايد أسعار السلع الأساسية والأضرار المباشرة وغير المباشرة التي طالت مئات آلاف المحلات التجارية بسبب النزاع المسلح". وفي العام 2014 واجه قطاع التجارة، ظروفاً مشابهة للعام السابق لكن معدل التراجع، حسبما يشير التقرير، انخفض نتيجة تحسن قطاع الصناعة التحويلية مع نمو الناتج المحلي لهذا القطاع بنسبة 16.3% في العام 2014.
المساهمون