لا تترك الحكومة الإسرائيلية الحالية، فرصة لمحاولة الكسب السياسي على دماء ضحايا الكوارث الطبيعية أو الحروب الأهلية في أي بقعة من بقاع العالم، وكان يتضح دائماً أن "الجهد الإنساني الإسرائيلي" المروّج له عادة في وسائل الإعلام الغربية، وفي السنوات الأخيرة أيضاً في وسائل إعلام عربية، يغطي مآرب سياسية ومخططات صهيونية بامتياز.
وفي هذا السياق، تُمكن قراءة الإعلان المفاجئ لوسائل الإعلام الإسرائيلية في اليومين الماضيين بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير داخليته أرييه درعي قد وافقا على استيعاب مائة طفل من الأيتام السوريين، وبحث سبل الاتصال بالوكالات الدولية والأممية الفاعلة في هذا الشأن لجلبهم إلى إسرائيل، واستيعابهم في مراكز تعليم إسرائيلية، وسط التطلع إلى تعاون مع الفلسطينيين في الداخل لتبني هؤلاء الأيتام.
ويأتي هذا الإعلان لخدمة الدعاية الإسرائيلية، واستمرار خط دائم تحاول الحكومة الإسرائيلية منذ سنوات طويلة عبر اعتماده، النفوذ إلى المجتمع الدولي ومحاولة انتزاع شرعية لإسرائيل كدولة لا تتأخر بالقيام بواجبها الإنساني تجاه شعوب ودول منكوبة.
ويتجلى كذب الإعلان الحالي، في حقيقة كون رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، كان على رأس من أحبطوا قبل عامين، في سبتمبر/أيلول 2015 محاولات من أحزاب يسار إسرائيلية، وحركات حقوق الإنسان ومنظمات إغاثة إسرائيلية طالبت في حينها بفتح الحدود الإسرائيلية السورية، واستيعاب الفارين من ويلات النظام في سورية.
وأعلن نتنياهو في حينه، خلال جلسة للحكومة الإسرائيلية، أنه يعارض اقتراح زعيم المعارضة الإسرائيلية، يسحاق هرتسوغ باستيعاب عدد من اللاجئين السوريين، في أوج موجة اللجوء إلى أوروبا وغرق المئات في مياه المتوسط، بذريعة أن إسرائيل دولة صغيرة عليها أن تصد موجات الهجرة والمتسللين إليها.
ويكشف هذا الموقف لنتنياهو من العام 2015، إضافة إلى حقيقة قيام حكومته باحتجاز آلاف اللاجئين الذين فروا من ويلات الحرب في إريتريا والسودان، في معتقل "حولوت الصحراوي" والحملة العنصرية ضد هؤلاء اللاجئين التي وصلت حد وصفهم بأنهم سرطان في جسم الدولة وفق تعبير الوزيرة ميريت ريجف.
إن الإعلان الإسرائيلي، الذي لا يزال حاليا في مستوى التصريح، لا يتعدى كونه مناورة إعلامية تحقق من خلالها دولة الاحتلال مكاسب إعلامية، لجهة "إبراز" إنسانيتها" في نفس الأسبوع الذي قتلت فيه معلما فلسطينيا في النقب، هو الشهيد يعقوب أبو القيعان، وشردت أفراد أسرته و8 أسر فلسطينية أخرى في قرية أم الحيران في النقب، بعد هدم بيوتها.
إلى ذلك، يحاول الإعلان أيضاً النيل من الفلسطينيين في الداخل عبر الحديث عن وجود تعاون بينهم وبين حكومة نتنياهو في هذا الموضوع، في الوقت الذي لم يتوقف فلسطينيو الداخل عن تقديم المعونات والإغاثة، قدر الاستطاعة للاجئين السوريين في الأردن، وحتى حملات مساعدة لهم، بشكل فردي وعبر حملات منظمة لجماعات فلسطينية، وبشكل مستقل، للسوريين في اليونان والدول الأوروبية.
لكن هذا الإعلان الإسرائيلي ليس سوى استمرار لسياسة إسرائيلية تعود إلى أواسط السبعينيات، عندما أعلن مناحيم بيغن في يونيو/ حزيران 1978 عن استيعاب 170 لاجئا من فيتنام فروا على متن قارب صغير من ويلات الحرب، ولم يجدوا دولة تستقبلهم، فسارعت حكومة بيغن إلى جلبهم وكسب نقاط في الرأي العام العالمي.
وتكررت المحاولات الإسرائيلية في أواسط الثمانينيات عبر حملات إغاثة إنسانية روجت لها إسرائيل، وقادها اليساري الإسرائيلي إيبي نتان، لتقديم معونات وإقامة مخيمات ومعسكرات مساعدات في الصومال وإثيوبيا، سرعان ما تبيّن لاحقاً أنها كانت غطاء لحملات جلب يهود إثيوبيا إلى إسرائيل عبر السودان.
وفي العام 1993، وفي أوج أزمة المبعدين من قادة وعناصر "حماس" إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، جلبت حكومة إسرائيل تحت قيادة رابين، عشرات من اللاجئين، وتحديدا النساء، ممن فروا من الحرب في البوسنة، خاصة بعد نشر تقارير في الصحافة العالمية عن عمليات الاغتصاب الجماعي التي تعرضت لها النساء، في سراييفو على يد عصابات وجنود ميلوسيفيتش. وتم توطين من جلبوا من البوسنة في حينه في كيبوتس معجان ميخائيل.