07 أكتوبر 2024
مليشيا أقوى من الدولة
عندما تتفاخر جماعةٌ طائفيةٌ، أو فصيل سياسي، بأنه صار أقوى من الدولة، فلا بدّ لكل مواطنٍ أن يتحسّس "وطنيته". فقد أعلن زعيم مليشيا بدر العراقية الشيعية، هادي العامري، أن الحشد الشعبي تمكّن من بناء قوةٍ لا تضاهيها قوة في البلاد. لم يحاول العامري إخفاء نشوته، وهو يتحدّث بكل تعالٍ عن المدى الذي وصلت إليه قوة مليشياته، ولم يُبد أي حرصٍ على احترام "الدولة" التي يُفترض أنها صاحبة السيادة، والوحيدة التي لها حق استخدام القوة ومشروعيته. لم يكتف العامري بذلك، بل راح يتمعّن في التقليل من شأن الدولة العراقية، والاستهانة بمؤسساتها، بما في ذلك قواتها المسلحة، وسخر ضمنياً من الجيش العراقي من دون أن يسميه، وذلك بالإشارة إلى أن مليشيا بدر "لم تنسحب من أي معركةٍ دخلتها"، في تلميح إلى انسحاب الجيش العراقي من الموصل والرمادي أمام تنظيم الدولة الإسلامية قبل عامين. ولكي يكتسب ذلك المشهد سينمائيته، كانت كلمات العامري في أثناء استعراضٍ عسكريٍّ نظمته قوات بدر في محافظة صلاح الدين (ذات الأغلبية السُنّية) شمالي بغداد.
ليست مليشيا بدر فقط أحد مكونات قوات "الحشد الشعبي"، بل تعد ركناً أساسياً فيها، وطالما كانت الذراع المسلح للمعارضة الشيعية في العراق خلال عهد صدام حسين، قبل أن يتم استيعابها ودمجها في القوات الحكومية التي أعيد تشكيلها وهيكلتها على أسس طائفية، بعد الاحتلال الأميركي، وتسريح الجيش العراقي على يد الحاكم العسكري الأميركي آنذاك بول بريمر. وفي ظل الطائفية التي ميزت الجيش العراقي بصورته الجديدة، ظلت مليشيا بدر محتفظةً بكيانها وتماسكها، وهو ما انطبق أيضاً على مختلف المليشيات المسلحة التي تحفل بها الساحة العراقية، بما فيها تلك السُنّية التي حاربت الاحتلال.
لذا، عندما يتعرّض أهل الفلوجة وغيرهم من السنة العراقيين إلى عمليات تطهير مذهبي، تصفية وتهجيراً، على أيدي قوات "الحشد الشعبي" التي يُفترض أنها تشكلت لمواجهة تنظيم الدولة وحماية "المواطنين العراقيين" من التطرف والعنف الداعشي، فإن الذاكرة تستدعي مباشرةً ما قامت به قوات بدر سابقاً، في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وعقب حرب الخليج الثانية وخروج القوات العراقية مهزومة من الكويت.
وهنا تأتي الخطورة الخفية في ما جرى خلال العرض العسكري، ومباهاة العامري بتفوق قوات مليشياته على قوة الدولة العراقية، فالأمر يتجاوز انسلاخ مليشيا مسلحة وخروجها عن سيطرة الدولة، إلى غياب "الوطن" عن مدركات تلك المليشيا ومبادئها. ليس فقط في النظرة المذهبية والنزعة الطائفية الغالبة على رؤيتها لمكونات المجتمع العراقي، وإنما أيضاً في تغليب الانتماء المذهبي على الهوية الوطنية ابتداءً. وتكفي هنا الإشارة إلى أن عناصر بدر المشاركة في العرض العسكري كانت ترفع، بل تحتضن، صور المرشد الإيراني علي خامنئي.
حتى هنا، يمكن اعتبار الأمر ابتعاداً من فصيل معين، أو جماعة بعينها البقية الباقية من معاني "الوطن"، إلا أن سلوك السلطة الرسمية التي يُفترض أنها تجسّد "الدولة"، والمعنية بالحفاظ على الوطن، يحمل كثيراً من دواعي الانتباه والحذر من مستقبل العراق، بل ومن حاضره. فكم كان مُخيباً ودون التوقعات رد فعل رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على انتهاكات المليشيات الشيعية بحق العراقيين السُنّة. معروف أن العبادي شيعي، لم يقدّم حتى الآن ما يميزه عن سلفه الطائفي بامتياز، نوري المالكي، إلا القليل. ولكن، في النهاية هو رئيس وزراء دولة اسمها العراق، أي ممثل سلطةٍ يجب ألا يفتئت عليها أي مكوّن آخر، وإلا نكون بصدد كيان آخر غير الدولة. وهذا مرفوض، حتى وإن كان في حاضر العراق ومعطيات واقعه ما يقول ذلك لكل ذي عينين.
ليست مليشيا بدر فقط أحد مكونات قوات "الحشد الشعبي"، بل تعد ركناً أساسياً فيها، وطالما كانت الذراع المسلح للمعارضة الشيعية في العراق خلال عهد صدام حسين، قبل أن يتم استيعابها ودمجها في القوات الحكومية التي أعيد تشكيلها وهيكلتها على أسس طائفية، بعد الاحتلال الأميركي، وتسريح الجيش العراقي على يد الحاكم العسكري الأميركي آنذاك بول بريمر. وفي ظل الطائفية التي ميزت الجيش العراقي بصورته الجديدة، ظلت مليشيا بدر محتفظةً بكيانها وتماسكها، وهو ما انطبق أيضاً على مختلف المليشيات المسلحة التي تحفل بها الساحة العراقية، بما فيها تلك السُنّية التي حاربت الاحتلال.
لذا، عندما يتعرّض أهل الفلوجة وغيرهم من السنة العراقيين إلى عمليات تطهير مذهبي، تصفية وتهجيراً، على أيدي قوات "الحشد الشعبي" التي يُفترض أنها تشكلت لمواجهة تنظيم الدولة وحماية "المواطنين العراقيين" من التطرف والعنف الداعشي، فإن الذاكرة تستدعي مباشرةً ما قامت به قوات بدر سابقاً، في أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وعقب حرب الخليج الثانية وخروج القوات العراقية مهزومة من الكويت.
وهنا تأتي الخطورة الخفية في ما جرى خلال العرض العسكري، ومباهاة العامري بتفوق قوات مليشياته على قوة الدولة العراقية، فالأمر يتجاوز انسلاخ مليشيا مسلحة وخروجها عن سيطرة الدولة، إلى غياب "الوطن" عن مدركات تلك المليشيا ومبادئها. ليس فقط في النظرة المذهبية والنزعة الطائفية الغالبة على رؤيتها لمكونات المجتمع العراقي، وإنما أيضاً في تغليب الانتماء المذهبي على الهوية الوطنية ابتداءً. وتكفي هنا الإشارة إلى أن عناصر بدر المشاركة في العرض العسكري كانت ترفع، بل تحتضن، صور المرشد الإيراني علي خامنئي.
حتى هنا، يمكن اعتبار الأمر ابتعاداً من فصيل معين، أو جماعة بعينها البقية الباقية من معاني "الوطن"، إلا أن سلوك السلطة الرسمية التي يُفترض أنها تجسّد "الدولة"، والمعنية بالحفاظ على الوطن، يحمل كثيراً من دواعي الانتباه والحذر من مستقبل العراق، بل ومن حاضره. فكم كان مُخيباً ودون التوقعات رد فعل رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على انتهاكات المليشيات الشيعية بحق العراقيين السُنّة. معروف أن العبادي شيعي، لم يقدّم حتى الآن ما يميزه عن سلفه الطائفي بامتياز، نوري المالكي، إلا القليل. ولكن، في النهاية هو رئيس وزراء دولة اسمها العراق، أي ممثل سلطةٍ يجب ألا يفتئت عليها أي مكوّن آخر، وإلا نكون بصدد كيان آخر غير الدولة. وهذا مرفوض، حتى وإن كان في حاضر العراق ومعطيات واقعه ما يقول ذلك لكل ذي عينين.