ولكن اللافت أن التحالف الدولي ضد "داعش" بقيادة الولايات المتحدة، رحّب يوم الجمعة، بتقدم قوات النظام في داخل دير الزور. ونقلت وسائل إعلام عن المتحدث باسم التحالف، الكولونيل ريان ديلون، قوله إن "هدف الولايات المتحدة هو هزيمة التنظيم أينما وجد"، مضيفاً أنه "إذا كان الآخرون، بمن فيهم النظام السوري وروسيا وإيران ينوون محاربة التنظيم فليس لدينا مشكلة". كما رحّب ديلون بأي تحرك لقوات النظام باتجاه مدينة البوكمال الواقعة على الحدود العراقية، مشيراً إلى أن "التحالف الدولي لا يسعى في معركته إلى السيطرة على الأراضي، بل فقط محاربة تنظيم داعش".
ورأى محللون أن "هذا التصريح يشكّل تحوّلاً في الموقف الأميركي فالاجتماعات التي تُعقد في العاصمة الأردنية عمّان بين الروس والأميركيين، أثمرت تفاهمات تتيح دوراً ما لقوات النظام، ومليشيات إيران في معركة دير الزور، وهو ما يناقض الهدف الأميركي المعلن للحد من النفوذ الإيراني في سورية".
ووجود قوات النظام داخل مدينة دير الزور محدود، وهو عبارة عن المطار العسكري، وأحياء بالقرب منه، أما سيطرة "داعش" فعلى باقي المحافظة. وتقابل دير الزور منطقة الأنبار العراقية، التي يفرض "داعش" سيطرة على أجزاء منها ومنها مدينة القائم الأقرب إلى دير الزور، ما يعني أن المحافظة مقبلة على معركة وجود للتنظيم من المتوقع أن تكون ضارية. كما تأتي دير الزور في مقدمة اهتمام القيادة الإيرانية، فالسيطرة عليها يحقق هدفاً استراتيجياً لطهران بفتح طريق بري يربطها بالبحر الأبيض المتوسط، وخلق واقع ميداني يصعب على واشنطن القفز فوقه، ويثبّت إيران في الجغرافيا والمستقبل السوري.
في المقابل، ربما يأتي غضّ الطرف الأميركي عن توغل مليشيات إيرانية في الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور كمحاولة من واشنطن لدفع هذه المليشيات لصدام مع "داعش" لاستنزافها. وتعدّ مدينتا الميادين والبوكمال، شرق دير الزور، أهم معقلين للتنظيم في سورية بعد محاصرة مسلحيه في مدينة الرقة، والتي يوشك على خسارتها. وتؤكد مصادر في المعارضة السورية لـ "العربي الجديد" بأن "أغلب قيادات التنظيم غادرت الرقة واستقرت في الميادين، والبوكمال للتحضير للمعركة الكبرى المتوقعة في صيف هذا العام أو في خريفه على أبعد تقدير".
في السياق، يضغط مسلحو التنظيم على قوات النظام داخل مدينة دير الزور، في مسعى لطردها منها، ومن مطارها العسكري، فيما تحدث مصدر عسكري في قوات النظام أن طيران الأخير دمر الجمعة مقرات وتجمعات ونقاط تحصين لتنظيم "داعش" في أحياء الحميدية والعرفي وخسارات ومحيط الفوج 137 ومحيط البانوراما ومنطقة المجبل، وفي قرى الجنينة وعياش والبغيلية في ريف دير الزور. كما يتعرض ريف دير الزور الشرقي لقصف مستمر من طيران النظام، ومقاتلات روسية يؤدي إلى مقتل مدنيين، إذ تشير مصادر إعلامية إلى مقتل المئات منذ أواخر مايو/أيار الماضي وحتى 22 يونيو/حزيران الحالي.
على صعيد آخر، يحاول النظام تثبيت واقع ميداني جديد في شرقي دمشق قبيل وضع خرائط مناطق تخفيف التوتر في مؤتمر أستانة العتيد مطلع الشهر المقبل. وتسعى قوات النظام من خلال تحركها الذي بدأ يوم الثلاثاء الماضي، للسيطرة على حي جوبر شرقي العاصمة دمشق. وهو آخر حي بيد قوات المعارضة السورية في تلك المنطقة، وذلك بعد نحو شهرين من سيطرتها على حيي تشرين والقابون، وتهجير المئات من المقاتلين، والمدنيين منهما.
في هذا السياق، يقول الناشط الإعلامي محمد الغوطاني لـ "العربي الجديد"، إن "الطيران الروسي يسهم في معركة جوبر مع قوات النظام التي تحاول التقدم من جهة معمل كراش، ومن محور طيبة، وجسر زملكا شمال حي جوبر"، موضحاً أن "هذه القوات تحاول التقدم من جنوب الحي من جهة منطقة الكباس، ووادي عين ترما". ويشير إلى أن "محاولاتها باءت بالفشل أمام تصدّي مقاتلي المعارضة لها".
ويبيّن الغوطاني أن "النظام فتح مياه الصرف الصحي المقبلة من العاصمة دمشق على وادي عين ترما، فاضطر مقاتلو المعارضة للتراجع والتمترس في نقاط رباط جديدة"، لافتاً إلى أن "قوات النظام تضغط فجراً للسيطرة على نقاط، ولكن قوات المعارضة تستعيد ما خسرته في ساعات النهار".
ويشير الغوطاني إلى أن "قوات النظام تحاول التقدم باتجاه منطقة عين ترما داخل الغوطة الشرقية، في خرق واضح لاتفاق التهدئة"، موضحاً بأن "القصف الجوي والمدفعي يشمل مناطق داخل الغوطة الشرقية، وهو ما يؤدي إلى مقتل مدنيين"، منوّهاً إلى أن "قوات النظام تحاول السيطرة على عين ترما لفصل حي جوبر عن الغوطة الشرقية لدمشق".
من جانبه، أكد المكتب الإعلامي لفيلق "الرحمن" التابع للجيش السوري الحر، استعادة نقاط عدة في جبهة عين ترما بالغوطة الشرقية، إثر عملية عسكرية معاكسة"، مشيراً إلى أن "النظام استقدم تعزيزات عسكرية إضافية إلى المنطقة".
في درعا، جنوب البلاد، أعلنت غرفة عمليات "البنيان المرصوص" التي تضم فصائل تابعة للمعارضة السورية، مقتل مجموعة من مقاتلي "الفرقة الرابعة" التابعة لقوات النظام، شرقي مخيم درعا. وأوضحت الغرفة في بيان أن "الفصائل استهدفت مبنى كانت تتحصن به عناصر تابعة للفرقة الرابعة، في قطاع خط النار شرقي مخيم درعا؛ ما أسفر عن مقتل كامل المجموعة هناك".
في شرق البلاد، تخوض "قوات سورية الديمقراطية"، وقوات "النخبة السورية" معارك داخل مدينة الرقة مع مسلحي "داعش" في مسعى لانتزاع السيطرة على أحياء جديدة، تُضاف إلى الأحياء التي سيطروا عليها منذ السادس من الشهر الحالي، إثر انطلاق معركة السيطرة على المدينة. وذكرت مصادر في "قوات سورية الديمقراطية" أن "اشتباكات عنيفة تدور في حيي حطين واليرموك في الجهة الغربية لمدينة الرقة".
ولم تشهد بقية الجبهات اختراقات مهمة، بفعل تقدم القوات المهاجمة بحذر بسبب الألغام، والأنفاق وعمليات القنص، والمفخخات التي يعتمد عليها التنظيم في الحد من خسائره في أهم معاقله في سورية. إلى ذلك، تحدثت تقارير محلية عن انتشار عدد من الأمراض الخطيرة داخل المدينة مثل السل في ظل تردي الوضع الصحي والطبي، مشيرة إلى "انتشار أمراض اللشمانيا والحصبة والسل بين الأطفال". وأكدت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أن "طيران التحالف الدولي دمّر كل مستشفيات الرقة، وهو ما أسهم في تردي الوضع الإنساني لعشرات آلاف المدنيين في المدينة".