24 سبتمبر 2020
ملهاة القرن ومزاد المنامة
شهدت المنامة، عاصمة مملكة البحرين، أخيرا، مزاداً فريداً من نوعه، حمل اسم "ورشة السلام من أجل الازدهار". وكما هو الحال فى المزادات، يتطلب الأمر توفر صالة للمزاد آمنة، وفى مكان ملائم، وهو ما وفره ملك البحرين، فى عاصمته المنامة، وشمله برعايته. وبطبيعة الحال، يلزم وجود من يدير المزاد، وهو ما نعرّفه بلقب "الدّلال" الذى يُعلن عن السلعة، والسعر، وهو الذي يعلن الفائز بالسلعة. وقد لعب ذلك الدور ببراعة المدعو جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ترامب ومستشاره، ومسؤول ملف تصفية القضية الفلسطينية. أهم عناصر اكتمال المزاد، السلعة المعروضة وصاحبها، والراغبون فى الاستحواذ على السلعة، والشهود على سلامة الإجراءات. وفى أحيان كثيرة، تحضر المزادات مجموعات من السماسرة والمتطفلين، لعلهم يحصلون على بعض الفتات، فى مقابل عدم إعاقة سير عملية المزايدة، فماذا عن كل أولئك، ومن منهم حضر ومن تخلف.
السلعة المطروحة في المزاد أرضٌ ومقدسات ووطن وشعب وهوية... الأرض تمتد من البحر إلى النهر، كانت مهبطاً للأنبياء، ومكاناً للمسجد الأقصى الذى بارك الله حوله، ومسرى لرسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، وأول قبلة للمسلمين. كانت تلك الأرض مهداً للسيد المسيح عليه السلام، ومكان قيامته، هي أرض أقام عليها إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، والأسباط، وقامت عليها مملكتا داود وسليمان عليهما السلام. تلك الأرض كانت منذ آلاف السنين، ولا تزال، وطناً لشعبٍ يحمل الهوية العربية الفلسطينية.
المثير في ذلك المزاد الفريد من نوعه أن صاحب الحق في السلعة المطروحة، وهو الشعب
الفلسطيني، غائب عن المزاد، وهو في الأصل يتمسّك بحقه فى الأرض والمقدسات والوطن والهوية، ويقدّم الشهداء من أجل الحفاظ على ذلك الحق. والأكثر إثارة أن المشتري الوحيد للسلعة غير موجود أيضاً في جلسات المزاد الغريب، فهو يستحوذ بالفعل على الأرض والمقدّسات، ويحاصر الشعب، ويُضيع الهوية، وأنشأ كياناً على تلك الأرض، هو الدولة الإسرائيلية، وذلك كله قسراً بقوة الاحتلال المسلح.
إذا كان الأمر كذلك، لا صاحب الحق موجود، ولا مُغتصب الحق موجود، فى ذلك المزاد، وإذا كان "الدلال" كوشنر أعلن، وهو يفتتح المزاد، أنه ليس فيه ما تعرف "بصفقة القرن"، ولكنها يمكن أن تكون "فرصة القرن". وافتتح المزاد بمبلغ مقطوع، خمسين مليار دولار، نصفها يُخصص لتحسين ظروف المعيشة والحياة "لسكان " الضفة الغربية وقطاع غزة، والباقى يخصص جزءٌ منه لمشروعات تنمية وبنية أساسية فى شمال سيناء المصرية، خصوصا المناطق المتاخمة لقطاع غزة، والتي يمكن أن تخدم سكان القطاع، مثل شبكات الكهرباء والميناء، والمطار، وغير ذلك. ويخصص جزء للأردن وآخر للبنان، وهما دولتان تستضيفان النسبة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين المطالبين بحق العودة، وتلك الاستثمارات ستخصص لاستيعاب هؤلاء واحتوائهم فى مشروعاتها، بالإضافة إلى إقامة روابط بنية أساسية بين الضفة الغربية والأردن، خصوصا الكهرباء. وفي أثناء كل تلك المشروعات الاستثمارية الضخمة، تمت الإشارة إلى مشروع ربط سكان قطاع غزة وسكّان الضفة الغربية بممر بري وخط سكة حديد.
الملاحظة الرئيسية في ذلك كله أن الحديث يتركّز على مصطلح "السكان"، لا حديث عن أرض، ولا مقدسات، ولا وطن، ولا حتى شعب، وهوية، فقط مجرّد سكان فى بعض "المناطق"، مطلوب تحسين ظروفهم المعيشية، أو بتعبير أدق، مطلوب تحسين شروط احتلال أرضهم ومقدساتهم، والأهم التخلي عن هويتهم وقضيتهم.
في اليوم الموعود، 25 يونيو/ حزيران 2019، وفي قاعة المزاد في المنامة، حضر من كان مطلوبا حضورهم بالضبط، وهم فريقان: الأول، من يملكون التمويل لتغطية مبلغ الخمسين مليار دولار على مراحل تنفيذ المشروع. وهؤلاء مجموعتان، الأولى من الدول "الثرية" التى تملك المال، وتحتاج الحماية الأميركية، طبقاً لتوصيف ترامب نفسه. والثانية من المستثمرين أصحاب رؤوس الأموال، الباحثين عن الفرص. الفريق الثاني، أولئك الذين ينتظرون تلقي الاستثمارات، وربما الهبات، في مقابل ما سيقدمونه من خدمات للمشروع عبر أراضيهم، وبحكم جوارهم الاستراتيجى للأرض، والمقدسات، والشعب صاحب الحق.
افتتح جاريد كوشنر المزاد، وهو يقف فى زهو خادع على منصة عالية، والجميع يترقب ما سيقول. كان العرض واضحاً، وبسيطاً، إفعلوا المطلوب منكم، وسيحصل كل منكم على ما يريد، والمطلوب منكم ليس أمرا عسيرا، إنه "شرعنة ما هو قائم على الأرض فعلاً"، وما
أعلن ترامب اعترافه به رسمياً، وهو أرض فلسطين التاريخية هي دولة إسرائيل، وهى الوطن القومى لليهود، والقدس عاصمة أبدية لها، ولإسرائيل السيادة على هضبة الجولان السورية، وأجزاء رئيسية من الضفة الغربية وغور الأردن، وليس هناك ما يسمى حل الدولتين، ولا الدولة الفلسطينية، وإنما هناك "مجموعات من السكان في أجزاء من الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، يمكن تحسين أوضاعهم المعيشية والحياتية. والأهم قبول تلك الدولة قوة إقليمية فاعلة، وجارة متعاونة، وصديقة. أما ما ستحصلون عليه ، فهو تأمين عروشكم، وطائراتكم، ويخوتكم الفاخرة، وكراسى حكمكم، ورفاهية حياتكم، وأمانكم.
تلك خلاصة ما عرضه كوشنر في مزاده، وما قال إنها "فرصة القرن"، فهل هي حقاً فرصة القرن، أم أنها في حقيقة الأمر "ملهاة القرن". وللمفارقة في يوم المزاد نفسه، كان هناك اجتماع لا يقل عنه أهميةً في القدس المحتلة، ضم نتنياهو ومستشاري الأمن القومي في أميركا وروسيا وإسرائيل، بحث مستقبل المنطقة.
السلعة المطروحة في المزاد أرضٌ ومقدسات ووطن وشعب وهوية... الأرض تمتد من البحر إلى النهر، كانت مهبطاً للأنبياء، ومكاناً للمسجد الأقصى الذى بارك الله حوله، ومسرى لرسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، وأول قبلة للمسلمين. كانت تلك الأرض مهداً للسيد المسيح عليه السلام، ومكان قيامته، هي أرض أقام عليها إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، والأسباط، وقامت عليها مملكتا داود وسليمان عليهما السلام. تلك الأرض كانت منذ آلاف السنين، ولا تزال، وطناً لشعبٍ يحمل الهوية العربية الفلسطينية.
المثير في ذلك المزاد الفريد من نوعه أن صاحب الحق في السلعة المطروحة، وهو الشعب
إذا كان الأمر كذلك، لا صاحب الحق موجود، ولا مُغتصب الحق موجود، فى ذلك المزاد، وإذا كان "الدلال" كوشنر أعلن، وهو يفتتح المزاد، أنه ليس فيه ما تعرف "بصفقة القرن"، ولكنها يمكن أن تكون "فرصة القرن". وافتتح المزاد بمبلغ مقطوع، خمسين مليار دولار، نصفها يُخصص لتحسين ظروف المعيشة والحياة "لسكان " الضفة الغربية وقطاع غزة، والباقى يخصص جزءٌ منه لمشروعات تنمية وبنية أساسية فى شمال سيناء المصرية، خصوصا المناطق المتاخمة لقطاع غزة، والتي يمكن أن تخدم سكان القطاع، مثل شبكات الكهرباء والميناء، والمطار، وغير ذلك. ويخصص جزء للأردن وآخر للبنان، وهما دولتان تستضيفان النسبة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين المطالبين بحق العودة، وتلك الاستثمارات ستخصص لاستيعاب هؤلاء واحتوائهم فى مشروعاتها، بالإضافة إلى إقامة روابط بنية أساسية بين الضفة الغربية والأردن، خصوصا الكهرباء. وفي أثناء كل تلك المشروعات الاستثمارية الضخمة، تمت الإشارة إلى مشروع ربط سكان قطاع غزة وسكّان الضفة الغربية بممر بري وخط سكة حديد.
الملاحظة الرئيسية في ذلك كله أن الحديث يتركّز على مصطلح "السكان"، لا حديث عن أرض، ولا مقدسات، ولا وطن، ولا حتى شعب، وهوية، فقط مجرّد سكان فى بعض "المناطق"، مطلوب تحسين ظروفهم المعيشية، أو بتعبير أدق، مطلوب تحسين شروط احتلال أرضهم ومقدساتهم، والأهم التخلي عن هويتهم وقضيتهم.
في اليوم الموعود، 25 يونيو/ حزيران 2019، وفي قاعة المزاد في المنامة، حضر من كان مطلوبا حضورهم بالضبط، وهم فريقان: الأول، من يملكون التمويل لتغطية مبلغ الخمسين مليار دولار على مراحل تنفيذ المشروع. وهؤلاء مجموعتان، الأولى من الدول "الثرية" التى تملك المال، وتحتاج الحماية الأميركية، طبقاً لتوصيف ترامب نفسه. والثانية من المستثمرين أصحاب رؤوس الأموال، الباحثين عن الفرص. الفريق الثاني، أولئك الذين ينتظرون تلقي الاستثمارات، وربما الهبات، في مقابل ما سيقدمونه من خدمات للمشروع عبر أراضيهم، وبحكم جوارهم الاستراتيجى للأرض، والمقدسات، والشعب صاحب الحق.
افتتح جاريد كوشنر المزاد، وهو يقف فى زهو خادع على منصة عالية، والجميع يترقب ما سيقول. كان العرض واضحاً، وبسيطاً، إفعلوا المطلوب منكم، وسيحصل كل منكم على ما يريد، والمطلوب منكم ليس أمرا عسيرا، إنه "شرعنة ما هو قائم على الأرض فعلاً"، وما
تلك خلاصة ما عرضه كوشنر في مزاده، وما قال إنها "فرصة القرن"، فهل هي حقاً فرصة القرن، أم أنها في حقيقة الأمر "ملهاة القرن". وللمفارقة في يوم المزاد نفسه، كان هناك اجتماع لا يقل عنه أهميةً في القدس المحتلة، ضم نتنياهو ومستشاري الأمن القومي في أميركا وروسيا وإسرائيل، بحث مستقبل المنطقة.