31 أكتوبر 2024
ملك الزلزال السياسي
لم يكن 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 في المغرب يوماً عادياً، عندما قرر الملك محمد السادس إعفاء وزراء ومسؤولين رفيعين، ومعاقبة وزراء تحملوا مسؤوليات في الحكومة السابقة، بسبب تقصيرهم في تحمل مسؤولياتهم تجاه مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، وعدم انخراطهم في تنفيذ المشاريع المبرمجة في هذا المشروع الذي أعطى انطلاقته الملك نفسه عام 2015. واستناداً إلى التقرير الذي تضمن نتائج التحقيقات والتحرّيات بخصوص ما حدث في الحسيمة من اختلالات، والذي قدمه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، إدريس جطو، بحضور العاهل المغربي، فإن ما حدث وُصف زلزالاً سياسياً غير مسبوق هو الأول من نوعه، منذ أمسك الملك محمد السادس زمام قيادة بلده في عام 1999.
اهتز الحقل السياسي وشعرت مختلف مكوناته بارتدادات الزلزال، وتحولت بوصلة اهتمامات الصحف والمواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعية لتركز على قرار الملك العقابي، والذي شملت آثاره حرمان وزراء من تحمل أي مسؤولية ومهمة في أي مؤسسة عمومية في المستقبل، ما يعني تسويد سيرتهم وصورتهم أمام الرأي العام. وقد رأت الفئات الشعبية، بكل عفوية وتلقائية، في ما أقدم عليه الملك حكماً عادلاً ومنصفاً، وضربة سيف لن يطعن أحد في مصداقيتها ومشروعيتها، لأنها توخت ترسيخ العدل وكشف المستور، خصوصاً أن الشارع المغربي، بشتى أطيافه ومكوناته، وكذا نشطاء وجمعيات حقوقية ومدنية وحركات سياسية، كثفوا من مطالبهم القاضية بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الدستور المغربي، إلى درجة أن هناك من اقترح اعتبار 24 أكتوبر من كل عام يوماً وطنياً للمحاسبة.
ويكشف ما ينشر يومياً في مواقع التواصل الاجتماعي عن موجة غضب عارم واستياء تجاه
أداء مسؤولين كبار ترسخت في أذهانهم ثقافة الإفلات من العقاب، وأنهم يعتبرون أنفسهم خارج منطق المحاسبة، ما دامت تربطهم خيوط متشابكة وعلاقات معقدة مع جزء من دوائر صناعة القرار، غير أن الملك محمد السادس قلب المعادلة، وأطاح معتقدات هؤلاء وأوهامهم، على الرغم من أنهم كانوا يُصنفون ضمن خانة خدام الدولة الذين يحظون بثقة خاصة، فخطب الملك تحولت، منذ سنوات، إلى رسائل إنذارية، وبات حديث النخب السياسية والمحللين عن طور جديد من الخطب المطبوعة بالنقد اللاذع، والتي أسست تدريجياً لقرارات معينة، ومهدت للحظةٍ سياسيةٍ أرادها الملك أن تكون ترجمة لقطيعة مع ممارسات مؤسساتية وسياسية غير مقبولة، لحظة شفافة وصريحة وبعيدة عن النفاق ولغة والتجميل. وهذا ما عبّر عنه بوضوح في الخطاب الذي ألقاه، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري في البرلمان، أمام ممثلي الشعب، عندما دعا الجميع إلى التحلي بالموضوعية، وتسمية الأمور بمسمياتها من دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة، أو إحداث زلزال سياسي.
وشكلت هذه الكلمة البؤرة المركزية التي استقطبت أنظار الفاعلين السياسيين، والمسؤولين في الحكومة وفي مختلف المؤسسات العمومية، وكذا وسائل الإعلام، حيث خصصت صحف ومنابر ملفات لتحليل دلالات النبرة الغاضبة للملك وأبعادها، ومحاولة الاقتراب والإمساك بخيوط المعنى الحقيقي لما أراده في خطابه، علماً أنه سبق أن وجه انتقادات قوية وصريحة للنخب الإدارية والحزبية والمسؤولين في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة عيد الجلوس، عندما قال "التطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة، فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسياً وإعلامياً، من المكاسب المحققة، أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه". كما انتقد، في الخطاب نفسه، المنظومة الإدارية المغربية، والاختلالات التي تشوب خدماتها وعلاقاتها مع المواطن، خصوصاً في غياب الفعالية والاجتهاد والابتكار، واعتبر أن من بين المشكلات التي تعيق تقدم المغرب ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات. وأمام هذا الوضع، من الحق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة، فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين تدفع مواطنين كثيرين، الشباب خصوصاً، إلى العزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم، بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل.
وإذا أصبح ملك المغرب غير مقتنع بالطريقة التي تُمارس بها السياسة في بلده، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟ الملاحظ أن ما تضمنته خطب الملك، أخيراً، كان له علاقة مباشرة مع الكيفية التي تعامل بها بعض المسؤولين مع الاحتجاجات التي اندلعت في منطقة الحسيمة منذ حوالى سنة، ومع المنهجية التي اتبعت في التعاطي مع المشاريع التي برمجت في مخطط "الحسيمة منارة المتوسط"، وهي منهجية اتسمت بالتقصير وغياب التنسيق، وهو ما توقف عنده تقرير المجلس الأعلى للحسابات، علماً أن ما أفرزته الاحتجاجات
الاجتماعية في منطقة الريف من أوضاع متوترة وأجواء محتقنة ومواجهات مفتوحة على مدى شهور بين المتظاهرين وقوات الأمن، في فترة زمنية اتصفت بصعوباتٍ في تشكيل الحكومة، أظهرت بالملموس ضعف نظام الوساطة السياسية وممثلي السكان، الأمر الذي فتح المنطقة على المجهول، خصوصاً بعد اعتقال من كانوا يعرفون بأنهم قيادة الحراك الشعبي في الحسيمة. وفي غياب أي حل، ومع انسداد الآفاق، ظهر اللجوء إلى المؤسسة الملكية خياراً وحيداً وأوحد لتهدئة الأوضاع. ولما اقتنع الملك بهذه المعطيات، لم يتردد في جلد الأحزاب وإماطة اللثام عن هدفها الحقيقي من مزاولة السياسة، والمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. وتأسيساً على ذلك، يعتبر الملك محمد السادس أن "تدبير الشأن العام ينبغي أن يظل بعيداً عن المصالح الشخصية والحزبية، وعن الخطابات الشعبوية، وعن استعمال مصطلحاتٍ غريبة تسيء للعمل السياسي، إلا أننا لاحظنا تفضيل أغلب الفاعلين منطق الربح والخسارة للحفاظ على رصيدهم السياسي أو تعزيزه على حساب الوطن، وتفاقم الأوضاع. إن تراجع الأحزاب السياسية، وممثليها، عن القيام بدورها، عن قصد وسبق إصرار أحياناً، وبسبب انعدام المصداقية والغيرة الوطنية أحياناً أخرى، قد زاد من تأزيم الأوضاع".
كانت مساحة تداعيات الزلزال السياسي الذي فعله الملك محمد السادس في إجراءات عقابية في حق مسؤولين كبار، بناء على ما يمنحه الدستور من اختصاصات وصلاحيات، أوسع، حيث وصلت إلى بناية محكمة الاستئناف في الدار البيضاء التي كانت تنعقد فيها جلسة لمحاكمة أبرز وجوه حراك الريف، حيث رددت عائلات المعتقلين شعارات تأييد لقرار الملك، لأنها رأت فيه إنصافاً لأبنائها، وتبرئة ضمنية لهم من التهم التي نُسبت إليهم. وتعكس هذه المشاعر حالة من التفاؤل، لأن هناك من يرى في هذا الزلزال مقدمة لغفران عظيم، وصفح جميل، من خلال استعمال الملك صلاحياته الدستورية بإصدار عفو عن معتقلي الحسيمة، لإنهاء فصل أسود ومؤلم، ضرب في مقتل سنواتٍ من الجهود التي بذلت لإرساء مصالحة بين منطقة الريف والسلطة المركزية. بل يرى من يرى أنه لولا خروج سكان الحسيمة إلى الشارع، قصد التظاهر والاحتجاج، على خلفية مقتل بائع السمك، محسن فكري، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، لما انتبهت الدولة إلى الاختلالات والنقائص والأعطاب التي تطاول مشاريع يشرف الملك شخصياً على إعطاء انطلاقتها، بل هناك من خلص إلى أن إعفاء وزراء، وسحب الثقة منهم، وتأديبهم أخلاقياً، تقابله براءة تلقائية لعشرات المعتقلين. مع اعتبار أن خطوة في هذا الاتجاه سترسخ أجواء الثقة والاستقرار والطمأنينة، وستؤكد أن سكان الريف وحدويون ومؤيدون اختيارات الملك محمد السادس وقراراته.
اهتز الحقل السياسي وشعرت مختلف مكوناته بارتدادات الزلزال، وتحولت بوصلة اهتمامات الصحف والمواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعية لتركز على قرار الملك العقابي، والذي شملت آثاره حرمان وزراء من تحمل أي مسؤولية ومهمة في أي مؤسسة عمومية في المستقبل، ما يعني تسويد سيرتهم وصورتهم أمام الرأي العام. وقد رأت الفئات الشعبية، بكل عفوية وتلقائية، في ما أقدم عليه الملك حكماً عادلاً ومنصفاً، وضربة سيف لن يطعن أحد في مصداقيتها ومشروعيتها، لأنها توخت ترسيخ العدل وكشف المستور، خصوصاً أن الشارع المغربي، بشتى أطيافه ومكوناته، وكذا نشطاء وجمعيات حقوقية ومدنية وحركات سياسية، كثفوا من مطالبهم القاضية بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الدستور المغربي، إلى درجة أن هناك من اقترح اعتبار 24 أكتوبر من كل عام يوماً وطنياً للمحاسبة.
ويكشف ما ينشر يومياً في مواقع التواصل الاجتماعي عن موجة غضب عارم واستياء تجاه
وشكلت هذه الكلمة البؤرة المركزية التي استقطبت أنظار الفاعلين السياسيين، والمسؤولين في الحكومة وفي مختلف المؤسسات العمومية، وكذا وسائل الإعلام، حيث خصصت صحف ومنابر ملفات لتحليل دلالات النبرة الغاضبة للملك وأبعادها، ومحاولة الاقتراب والإمساك بخيوط المعنى الحقيقي لما أراده في خطابه، علماً أنه سبق أن وجه انتقادات قوية وصريحة للنخب الإدارية والحزبية والمسؤولين في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة عيد الجلوس، عندما قال "التطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب، على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة، فعندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون، إلى الواجهة، للاستفادة سياسياً وإعلامياً، من المكاسب المحققة، أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه". كما انتقد، في الخطاب نفسه، المنظومة الإدارية المغربية، والاختلالات التي تشوب خدماتها وعلاقاتها مع المواطن، خصوصاً في غياب الفعالية والاجتهاد والابتكار، واعتبر أن من بين المشكلات التي تعيق تقدم المغرب ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات. وأمام هذا الوضع، من الحق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة، فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين تدفع مواطنين كثيرين، الشباب خصوصاً، إلى العزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم، بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل.
وإذا أصبح ملك المغرب غير مقتنع بالطريقة التي تُمارس بها السياسة في بلده، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟ الملاحظ أن ما تضمنته خطب الملك، أخيراً، كان له علاقة مباشرة مع الكيفية التي تعامل بها بعض المسؤولين مع الاحتجاجات التي اندلعت في منطقة الحسيمة منذ حوالى سنة، ومع المنهجية التي اتبعت في التعاطي مع المشاريع التي برمجت في مخطط "الحسيمة منارة المتوسط"، وهي منهجية اتسمت بالتقصير وغياب التنسيق، وهو ما توقف عنده تقرير المجلس الأعلى للحسابات، علماً أن ما أفرزته الاحتجاجات
كانت مساحة تداعيات الزلزال السياسي الذي فعله الملك محمد السادس في إجراءات عقابية في حق مسؤولين كبار، بناء على ما يمنحه الدستور من اختصاصات وصلاحيات، أوسع، حيث وصلت إلى بناية محكمة الاستئناف في الدار البيضاء التي كانت تنعقد فيها جلسة لمحاكمة أبرز وجوه حراك الريف، حيث رددت عائلات المعتقلين شعارات تأييد لقرار الملك، لأنها رأت فيه إنصافاً لأبنائها، وتبرئة ضمنية لهم من التهم التي نُسبت إليهم. وتعكس هذه المشاعر حالة من التفاؤل، لأن هناك من يرى في هذا الزلزال مقدمة لغفران عظيم، وصفح جميل، من خلال استعمال الملك صلاحياته الدستورية بإصدار عفو عن معتقلي الحسيمة، لإنهاء فصل أسود ومؤلم، ضرب في مقتل سنواتٍ من الجهود التي بذلت لإرساء مصالحة بين منطقة الريف والسلطة المركزية. بل يرى من يرى أنه لولا خروج سكان الحسيمة إلى الشارع، قصد التظاهر والاحتجاج، على خلفية مقتل بائع السمك، محسن فكري، في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، لما انتبهت الدولة إلى الاختلالات والنقائص والأعطاب التي تطاول مشاريع يشرف الملك شخصياً على إعطاء انطلاقتها، بل هناك من خلص إلى أن إعفاء وزراء، وسحب الثقة منهم، وتأديبهم أخلاقياً، تقابله براءة تلقائية لعشرات المعتقلين. مع اعتبار أن خطوة في هذا الاتجاه سترسخ أجواء الثقة والاستقرار والطمأنينة، وستؤكد أن سكان الريف وحدويون ومؤيدون اختيارات الملك محمد السادس وقراراته.