ملك الأردن في موسكو: دورٌ أم مهمة بالإنابة؟

04 أكتوبر 2014
بوتين وعبد الله: الأمن أوّلاً (سيرغي ايلينتسكي/فرانس برس)
+ الخط -

أنهى الملك الأردني، عبد الله الثاني، يوم أمس الخميس زيارة عمل إلى موسكو، بدعوة من الرئيس، فلاديمير بوتين. اللقاء، من وجهة نظر عامة، تناول العلاقات الثنائية بين البلدين، ولا سيما جوانب التعاون التقني الطاقي منها والزراعي، على خلفية حظر بعض المنتجات الأوروبية في روسيا، وكذلك وضع منطقة الشرق الأوسط على خلفية المواجهات مع "الدولة الإسلامية" (داعش).

تطرح الزيارة أسئلة حول دور الأردن في المنطقة حالياً، وحاجته إلى تنسيق أمني ـ عسكري مع موسكو على خلفية تهديدات "داعش" وحاجة موسكو إلى ضمان الأمن في محيط مشروعها الطاقي الكبير في المملكة.

ثمة من يرى أن الملك الأردني يمكن أن يكون قد جاء إلى موسكو مكلفاً من الرياض، وربما من غيرها، لتنسيق الموقف حول مصير نظام الرئيس السوري بشار الأسد ودور روسيا على خلفية الحرب المعلنة على "الدولة الإسلامية"، التي لم يخفِ الكرملين مخاوفه من آليات إقرارها واشتغالها وأهدافها.

معلوم أنّ المملكة الأردنية لا تملك من الموارد ما يغطي حاجات مواطنيها، وبالتالي فهي تنتهج سياسة تحاول إرضاء الجميع، وبريطانيا والسعودية على رأس القائمة. فلا مصدر عيش لسكانها سوى سياسة محسوبة بدقة تلعبها لمصلحة الأقوياء الممولين والضامنين لاستقرار النظام الحاكم.

لماذا التكتم؟

اللافت أن بياناً ختامياً أو تعليقاً رسمياً لم يصدر عن الزيارة بعد انتهائها. فقد اكتفى مكتب الكرملين الصحافي بما كان أعلنه عشيتها، عن أن "المباحثات ستشمل مسائل التعاون الثنائي، بما في ذلك إنجاز المشاريع المشتركة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والزراعة على أرض المملكة بالتعاون مع الشركات الروسية". وكانت تقديرات الخبراء قد أشارت إلى أن اللقاء سيتخلله تبادل الآراء حول مشكلات المنطقة، ولا سيما في سورية، وكذلك تسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لما للمملكة من علاقات مع إسرائيل، ولا شيء يقال عن علاقات الكرملين بتل أبيب التي تتعزز يوما بعد يوم.

يعلّق الأستاذ المساعد في معهد موسكو للعلاقات الدولية، نيقولاي سوركوف، خلال حديث مع "العربي الجديد"، على الزيارة، بالقول إنه "انطلاقاً من غياب أي إعلان عن مضمون المباحثات بين الرئيس والملك، يمكن التفكير بأنها تناولت مسائل الأمن قبل أي شيء آخر، ذلك أن الملك عبد الله وصل إلى موسكو في لحظة بالغة التعقيد بالنسبة لبلده. الأردن يشكل هدفاً لتوسع الدولة الإسلامية، وبالتالي فالمملكة يمكن أن تحتاج إلى أسلحة جديدة لجيشها، وموسكو تقدم الأسلحة للعراق، بتخفيضات وشروط تسهيلية. وربما يكون الملك الأردني قد طلب الشيء نفسه. وهنا يمكن عقد صفقة على غرار تلك التي عقدت مع مصر؛ موسكو تزود بالأسلحة والرياض تدفع. وفي الوقت نفسه، فإن موسكو قلقة جداً من نجاحات الإسلاميين المتطرفين في العراق وسورية. وبالتالي فهي صاحبة مصلحة في تعزيز الأنظمة المعتدلة، من طبيعة النظام الأردني".  

محطة نووية

يذكر أن بوتين وعبد الله الثاني التقيا سنة 2013، وتباحثا حينها في مسائل التعاون العسكري التقني ومشاركة روسيا في بناء محطة الطاقة النووية لتوليد الكهرباء في المملكة، وتطوير البنية التحتية والتعاون في مجال استخراج الثروات الطبيعية.

ويشار إلى أن المملكة الأردنية تنفق وفق تقديرات منشورة أكثر من 20 في المائة من موازنتها لتأمين الطاقة الكهربائية لمستهلكيها في البلاد. ولذلك فبناء أول محطة نووية في محافظة الزرقاء يقع في مقدمة أولوياتها، علماً بأن روسيا فازت السنة الماضية بمسابقة لبناء هذه المحطة النووية التي ستبلغ استطاعتها ألفي ميغاواط، ما سيحقق للأردن فائضاً من الكهرباء يمكنه تصديره إلى البلدان المجاورة كسورية والعراق.
ويقدّر حجم الاستثمار هنا بعشرة مليارات دولار، وهو المشروع الأكبر في تاريخ العلاقات بين البلدين. لكنّ ذلك كله يحتاج إلى الحماية في ظل التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة مع توسع "الدولة الإسلامية" على الرغم من الحرب عليها. فهل تشارك موسكو مباشرة في حماية مشاريعها المستقبلية فترسل جنودها إلى هناك باتفاق مع المملكة، أم تكتفي بتقديم أسلحة نوعية سبق أن أثبتت فعاليتها في الشيشان؟

في هذا الشأن، يقول سوركوف إن "شركة "روس آتوم" ستبني أول محطة نووية في العالم العربي في الأردن، وبالتالي فهي بحاجة إلى ضمان أمن المشروع". فهل تدخل روسيا التحالف الدولي ضد "داعش" بصورة مواربة عبر نافذة الأردن أم أن ذلك مستبعد؟
ولما كانت المسألة على علاقة مباشرة بمستقبل سورية ومصير الأسد، يرى سوركوف أنه "لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن الملك الأردني معروف بقدرته على إقامة علاقات طيبة مع روسيا والغرب ودول الخليج في الوقت نفسه. وبالتالي، فهو يمكن أن يلعب دور الوسيط بين موسكو والرياض لحل بعض المشاكل الحادة، مثل مصير الأسد".

الملك الأردني قال في موسكو ما يرضي الكرملين، فقد عبّر عن أن العالم يجب أن يدرك أنه لا يمكن تحقيق انفراج جدي في هذه المنطقة (الشرق الأوسط) من دون روسيا، وأن الأخيرة تؤدي دوراً هاماً في التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل وفي المسألة السورية.

وكانت وسائل الإعلام قد نقلت عن القيادة الأردنية تأكيداتها أنها لن تشارك في توجيه ضربات إلى الأراضي السورية، فيما ترى روسيا أنّ المملكة تتساهل وربما تساعد في تمرير المتطرفين إلى سورية، إضافة إلى مرور التسليح السعودي لبعض الفصائل المتشددة عبر أراضيها وحدودها مع سورية، ناهيك عما يشاع في روسيا عن تأهيل عسكري لمقاتلين ضد الأسد على الأراضي الأردنية قبل إرسالهم إلى سورية. فهل يتغير الأمر في الأيام المقبلة، أم أن إرضاء موسكو لا يعني شيئاً مقابل إرضاء الرياض والغرب؟

المساهمون