ملفات حارقة على مكتب السبسي

10 يوليو 2018

السبسي في قرطاج.. الرئاسة ليست وظيفة مريحة (20/3/2018/فرانس برس)

+ الخط -

رئاسة الدولة مهنة شاقة ومرهقة، على الرغم من كل الإغراءات التي تحيط بها. وقد تصبح أكثر إزعاجا، عندما تمارس هذه الوظيفة في أجواء انتقالية معقدة، ومتأثرة بقوى متدافعة ومتباينة، في مصالحها ورؤاها وحساباتها ومشاريعها.

يجد الرئيس التونسي، الباجي السبسي، نفسه اليوم أمام ثلاثة ملفات حارقة، عليه حسمهما خلال هذه الصائفة، إذ لم يعد في الإمكان تأجيل البت فيها ومعالجتها بحذر ومسؤولية كثيرين، على الرغم مما يتعرّض له شخصيا من ضغوط نفسية وسياسية.

يتعلق الملف الأول بأوضاع الحزب الذي أسسه، ليحقق التوازن السياسي مع حركة النهضة، لكنه يزداد يوما بعد يوم تفكّكا وضعفا. ويخشى أن يُصاب بانهيار كامل في الانتخابات البرلمانية التي ستنظم بعد سنة وشهرين. وتجري حاليا محاولات للإعلان عن "جبهةٍ" تضم المجموعات التي انشقت عن حزب نداء تونس، وشكلت أحزابا صغيرة. هل سيكون هذا حلا للصمود فوق أرضٍ متحرّكة، وفي أجواء تسيطر عليها الأنانيات الفردية والحسابات الشخصية. الرئيس السبسي متخوفٌ على مصير حزبه من الانقراض والتحلل في المرحلة المقبلة.

في السياق نفسه، هل سيتم الإبقاء على يوسف الشاهد رئيسا للحكومة؟. لم يحسم السبسي أمره، هل سيحتفظ به أم سينحاز إلى نجله، حافظ السبسي، ويتوجه إلى البرلمان لسحب الثقة من الشاهد؟. لا يزال التردّد سيد الموقف في قصر قرطاج، لكن اللقاء الذي جمع السبسي وزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، أخيرا، دفع، فيما يبدو، في اتجاه الحفاظ على استمرارية الشاهد إلى شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل، مع احتمال مطالبته بعدم الترشح في الرئاسيات المقبل.

الملف الثاني الذي على الرئيس التونسي حسمه قريبا يتعلق بقراره النهائي الخاص بالانتخابات الرئاسية. هل ينوي الترشح لعهدة ثانية، أم سيترك المجال للمنافسة الحرة؟. هذا سؤال محوري، لأنه سيحدد المشهد السياسي المقبل لتونس. ولكل إجابة سيناريوهات مختلفة، ففي حال إصرار السبسي على البقاء، على الرغم من عامل السن، سينجر عنه أحداثٌ ليس من السهل التكهن بنتائجها. أما إذا قرّر السبسي بوضوح أنه لن يترشّح مجددا، فسيفتح هذا القرار المجال واسعا أمام حركية سياسية مختلفة، وسيدخل البلاد في مرحلة جديدة، ستكون فيها حركة النهضة اللاعب الرئيسي، إذا لم تحصل مفاجآت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، فالتغييرات الحاصلة في المواقع والأدوار داخل حزب نداء تونس، خلال الأسابيع الماضية، وجعلت نجله يفقد ثقة مقرّبين منه، يعتبرها مطلعون أنها جاءت نتيجة مؤشرات توحي بأن السبسي ينوي فعلا عدم الترشح من جديد للرئاسيات المقبلة.

يتعلق الملف الثالث بتقرير "الحريات الفردية والمساواة" الذي دار بشأنه جدل حاد أخيرا، ورفضته الأوساط المحافظة بكل قوة. وعلى الرغم من أن التقرير لم يتجاوز مستوى الأفكار والمقترحات المعروضة على رئيس الجمهورية، باعتباره صاحب المبادرة في تأسيس اللجنة التي صاغته، ولا تملك أي صبغة تنفيذية، إلا أن ردود الفعل الأولى كانت سلبيةً وحادة من أئمة المساجد وأساتذة الجامعة الزيتونية. ونظرا إلى أجواء الحيرة التي ترتبت عن ذلك، خصوصا بعد أن اختلط اليقين بالإشاعة وترويج أخبار زائفة عن محتويات التقرير، اتجهت الأنظار نحو الرئيس السبسي، لكي يتدخل ويرفع الالتباس، ويحدّد مصير هذه المبادرة التي على الرغم من طابعها الإصلاحي، إلا أن بعضهم يخشون من أن تتحول إلى عامل انقسام بين المواطنين.

في هذه الأجواء الصيفية المضطربة، هاجمت كتيبة عقبة بن نافع الإرهابية دوريةً للحرس الوطني، فسقط ست شهداء. ملف الجماعات الإرهابية لم يغلق في تونس، على الرغم من النجاحات الأمنية التي تحققت خلال الثلاث سنوات الماضية، إلا أن هذه العملية المباغتة أعادت المخاوف، وفرضت تعديل الخطط الخاصة بحماية المناطق الحدودية المعرّضة أكثر من غيرها للضربات المفاجئة التي تهدف إلى كسر معنويات الجنود والأمنيين، تمهيدا لاستعادة المبادرة، والقيام بعمليات أكثر خطورة داخل المدن.

بسبب كل هذه الملفات الحارقة وغيرها، يتأكد مرة أخرى أن تكون رئيسا لبلدٍ يتجه نحو الديمقراطية في توقيت سيء ليس وظيفة مريحة.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس