في عيدهم تنهال عليهم معايدات الشكر: شكراً لأنك كنت أباً نموذجياً. شكراً لأنك منحت بناتك الحرية. شكراً لأنك أعطيت الأولاد نموذجاً يُحتذى به. شكراً لأنك كنت بجانبي كصخرة. هذه نماذج من المعايدات التي تلقاها بعض الرجال في عيد الأب. لست كارهة لهذا الدفق من المشاعر اللطيفة التي صارحت بها النساء أزواجهن في عيد الأب على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن، لفتني أن معظم معايدات الحب هذه جاءت من موقع وضعت فيه النساء أنفسهن "الأساس" في التربية، في حين أن الرجال "إكسسوار"، أو أقله طارئون على المهمة، وبالتالي يستحقون الشكر على الدور "الإضافي" الذي قاموا ويقومون به.
تتجسد في هذه المحادثات العفوية الإشكالية الأساسية، والتي تترجم بمنحيين؛ المنحى الأول، هو أن النساء يسعين جاهدات طيلة السنة أو حتى السنوات إلى رد الاعتبار لمسألة الرعاية الوالدية (والتي تترافق يداً بيد مع العمل المنزلي)، بحيث لا تكون "تحصيلاً حاصلاً" في توصيف المهام والأدوار الملصقة بهن والتي عليهن القيام بها. بمعنى آخر، فإن الرعاية الوالدية يجب أن تكون مسؤولية مشتركة ومناصفة بين الأم والأب. وعليه، فإن القيام بهذه المهمة باعتبارها جزءاً من الدور الأساسي الذي يتوجّب على الرجال كما على النساء القيام به، لا يجعل لأي من الطرفين منة على الآخر للقيام بها، أو دوراً يستحق الشكر عليه.
لا تزال النماذج كثيرة في مجتمعنا، حول الآباء الذين يختزلون "الوالدية" بانتزاع الحق في الحضانة عنوةً، أو يتذكرون دورهم بالتربية في مفاصل حياتية من دون أخرى ومن دون أن تكون مساراً متسقاً ويومياً. هؤلاء للأسف لا يزالون الأكثرية. أما الرجال الذين يمارسون دورهم بالوالدية بشكل عفوي ويضعونه ضمن سياق دورهم الطبيعي اليومي، فهؤلاء ما زالوا أفراداً، وبالتالي، لم يتم بعد نقل هذه الممارسات الفردية لتصبح عرفاً أو نمطاً اجتماعياً عادياً.
وهنا يأتي المنحى الثاني من الإشكالية. السبب الجذري الذي يكمن في تمكين النساء السياسي والاقتصادي هو في التقاسم بالأدوار الوالدية وكل ما يلحق بها من أدوار داخل المنزل أو الحيز الخاص. لا تزال النساء مضطرات إلى حمل أعباء مضاعفة، و"الركض على عشرين جبهة" ما يجعل دائماً المساومة تأتي على حساب المهنة أو النشاط السياسي - الاجتماعي، قاضياً على أي أمل لهن في الترقي الوظيفي أو في النشاط السياسي.
اقــرأ أيضاً
الوالدية ورعاية الأطفال هي ليست من ضمن التوصيف الوظيفي - المجتمعي الملحق بأدوار ومسؤوليات النساء. لنكسر الخرافة الملحقة بأن النساء أكثر حناناً أو أكثر قدرةً على القيام بمهام متعددة، وتالياً فإن الرعاية من واجبهن وحدهن. في عيد الآباء، لعله يأتي علينا الوقت الذي نحتفي فيه بشكل جمعي بحنان الآباء وبأنه "عيد الأعياد". حينها فقط، نأمل أن ينعاد علينا وعليهم.
*ناشطة نسوية
تتجسد في هذه المحادثات العفوية الإشكالية الأساسية، والتي تترجم بمنحيين؛ المنحى الأول، هو أن النساء يسعين جاهدات طيلة السنة أو حتى السنوات إلى رد الاعتبار لمسألة الرعاية الوالدية (والتي تترافق يداً بيد مع العمل المنزلي)، بحيث لا تكون "تحصيلاً حاصلاً" في توصيف المهام والأدوار الملصقة بهن والتي عليهن القيام بها. بمعنى آخر، فإن الرعاية الوالدية يجب أن تكون مسؤولية مشتركة ومناصفة بين الأم والأب. وعليه، فإن القيام بهذه المهمة باعتبارها جزءاً من الدور الأساسي الذي يتوجّب على الرجال كما على النساء القيام به، لا يجعل لأي من الطرفين منة على الآخر للقيام بها، أو دوراً يستحق الشكر عليه.
لا تزال النماذج كثيرة في مجتمعنا، حول الآباء الذين يختزلون "الوالدية" بانتزاع الحق في الحضانة عنوةً، أو يتذكرون دورهم بالتربية في مفاصل حياتية من دون أخرى ومن دون أن تكون مساراً متسقاً ويومياً. هؤلاء للأسف لا يزالون الأكثرية. أما الرجال الذين يمارسون دورهم بالوالدية بشكل عفوي ويضعونه ضمن سياق دورهم الطبيعي اليومي، فهؤلاء ما زالوا أفراداً، وبالتالي، لم يتم بعد نقل هذه الممارسات الفردية لتصبح عرفاً أو نمطاً اجتماعياً عادياً.
وهنا يأتي المنحى الثاني من الإشكالية. السبب الجذري الذي يكمن في تمكين النساء السياسي والاقتصادي هو في التقاسم بالأدوار الوالدية وكل ما يلحق بها من أدوار داخل المنزل أو الحيز الخاص. لا تزال النساء مضطرات إلى حمل أعباء مضاعفة، و"الركض على عشرين جبهة" ما يجعل دائماً المساومة تأتي على حساب المهنة أو النشاط السياسي - الاجتماعي، قاضياً على أي أمل لهن في الترقي الوظيفي أو في النشاط السياسي.
الوالدية ورعاية الأطفال هي ليست من ضمن التوصيف الوظيفي - المجتمعي الملحق بأدوار ومسؤوليات النساء. لنكسر الخرافة الملحقة بأن النساء أكثر حناناً أو أكثر قدرةً على القيام بمهام متعددة، وتالياً فإن الرعاية من واجبهن وحدهن. في عيد الآباء، لعله يأتي علينا الوقت الذي نحتفي فيه بشكل جمعي بحنان الآباء وبأنه "عيد الأعياد". حينها فقط، نأمل أن ينعاد علينا وعليهم.
*ناشطة نسوية