في خبر مفاجئ، وبطريقة إعلامية لافتة ومركزة، أرادت على ما يبدو أن توحي من خلالها أنها اصطادت صيداً ثميناً، أعلنت وزارة الاستخبارات الإيرانية، السبت الماضي، اعتقال المعارض الإيراني، جمشيد شارمهد، زعيم "جمعية مملكة إيران" المعارضة، أو ما تعرف باسم "تندر"، والذي كان يقيم في الولايات المتحدة الأميركية، مشيرة إلى أن الجمعية نفذت "عمليات إرهابية" في إيران، وسعت إلى تنفيذ عمليات أخرى، تم إحباطها، بحسب الوزارة.
وفي مقطع مصور، بثه التلفزيون الإيراني، عن شارمهد، بعيد اعتقاله، ظهر مضطرباً ومرتبكاً، وحين سأله شخص لم يظهر في الفيلم عن العمليات التي نفذتها جمعيته، أشار إلى تفجير حسينية شيراز عام 2008.
سيرة ذاتية
شارمهد من مواليد عام 1955 في طهران، من عائلة إيرانية ألمانية. وهاجر في ثمانينيات القرن الماضي إلى ألمانيا، وأنهى دراساته الجامعية هناك، قبل أن ينتقل عام 2003 إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعرف في مدينة لوس أنجليس على "جمعية مملكة إيران" المعارضة وانضم إليها.
وبدأ شارمهد نشاطه في الجمعية بالعمل في فضائيتها بعنوان "YourTV"، وبعد عام أطلق موقع "تندر" التابع لها. وبعد اختفاء الزعيم السابق للجمعية، فرود فولادوند، في تركيا، تولى قيادتها وأسس إذاعة "تندر" للترويج لأفكارها.
تقدم الجمعية نفسها على أنها "مؤسسة سياسية تسعى لإسقاط الجمهورية الإسلامية المنبثقة عن الثورة الإسلامية"
وفي بيان نشرتها الجمعية، تعليقاً على اعتقال زعيمها، اعتبرته "أسطورة عاقلة قل نظيره في الكون"، مشيرة إلى أن "جمعية مملكة إيران ـ تندر ستواصل نضالها حتى في غياب القائد".
وخلال عام 2010، ذكرت وسائل إعلام أميركية وأخرى تابعة للمعارضة الإيرانية، أن الحكومة الإيرانية كانت بصدد اغتيال شارمهد عام 2010، إذ نشرت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، تقريراً، عام 2010، تحدثت فيه عن اعتقال أميركي من أصل إيراني يدعى محمد رضا صادق نيا في الولايات المتحدة الأميركية على خلفية محاولته تأجير أميركي لاغتيال شارمهد مقابل دفع 32 ألف دولار له، لكن المواطن الأميركي أخبر الشرطة التي قامت من جهتها باعتقال صادق نيا، بحسب الوكالة.
وأضافت الوكالة الأميركية أن المحكمة أفرجت عن صادق نيا، في صيف 2010، وسمحت له بمغادرة الأراضي الأميركية لعيادة والده المريض في إيران، بشرط العودة إليها في الخريف، لكنه لم يعد إليها.
جمعية مملكة إيران
تأسست "جمعية مملكة إيران" أو ما يعرف بـ"تندر"، ومقرها ولاية كاليفورنيا الأميركية، عام 2004 على يد مواطن إيراني يدعى فتح الله منوجهري المعروف بـ"فرود فولادوند"، الذي أعلن أن هدفه من تأسيسها هو إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وأسس قناة "Your TV" المعارضة، لنشر أفكار ومواقف الجمعية.
وخلال العام 2006، اختفى فجأة مؤسس الجمعية، فولادوند برفقة قياديين آخرين فيها، هما إلكسندر ولي زادة (مواطن إيراني أميركي) وناظم إشميث (مواطن إيراني ألماني)، في محافظة هكاري التركية، ولم يتضح بعد مصيرهم، لكن وسائل إعلام إيرانية معارضة نقلت عن نجله قوله إنه اختطف ونقل إلى داخل إيران. وثمة تقارير أخرى تشير إلى أنه متواجد في إسرائيل. كما أن منظمة العفو الدولية اتهمت رجال الأمن الإيرانيين بخطف هؤلاء الثلاثة ونقلهم إلى داخل إيران.
وعلى موقعها الإعلامي، تقدم الجمعية نفسها على أنها "مؤسسة سياسية تسعى لإسقاط الجمهورية الإسلامية المنبثقة من الثورة الإسلامية"، مشيرة إلى أن "قيادة هذه الجمعية السرية تتكون من 11 شخصا ويعتبر الدكتور فرود فولادوند مؤسسها ووجهها المعروف"، ناشرة مسودة دستور تتضمن أفكارها وتصورها بشأن مستقبل إيران.
وتعلن الجمعية صراحة معاداتها للإسلام وسعيها لإحياء الملكية التي كانت تحكم إيران، لتجلب مهاجمتها الإسلام والمعتقدات الدينية للإيرانيين، وتبنيها الخيار المسلح في تحقيق أهدافها، انتقادات لها في أوساط المعارضة الإيرانية في الخارج. ولم يكن للجمعية وزن سياسي، مهم بين مختلف أطياف المعارضة الإيرانية، إلا أن توجهاتها المتشددة والمتطرفة وتبنيها عمليات مسلحة داخل إيران جعلتها محل اهتمام.
وتختلف الجمعية عن بقية التيارات الملكية الإيرانية، مؤكدة أن الملكية التي تدعو لها ليست امتدادا للعهد الملكي البهلوي الذي كان يحكم إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وهي على خلاف شديد مع رضا بهلوي ولي العهد الإيراني السابق، الذي "لا يستحق أن يتولى أي منصب حكومي أو نضالي أو وطني، ونشاطاته خلال العقود الثلاثة الماضية كانت مثيرة للفرقة وغير كاف وضد المصالح الإيرانية"، بحسب ما جاء على موقع "تندر" التابع للجمعية. ويبدو أن جذور خلافات الجمعية مع بهلوي تعود إلى رفض الأخير التعاون معها.
وأعلنت "جمعية مملكة إيران" في مسودة دستورها أنها "لن تهدأ حتى يتربع أفضل ابن لإيران، فتى أو فتاة، على الكرسي الملكي"، مشيرة على موقعها إلى أن "طريق حرية وشموخ إيران تمر على جثة 1400 عام من الإسلام الشيطاني ونشر الثقافة الإيرانية".
وأكدت أن جمعية المملكة "من خلال تدبير خطة حركة تندر في خمس مراحل تسعى إلى إسقاط هذا النظام بالعنف وهي تعمل حاليا على تنفيذها".
عمليات الجمعية
تعتبر طهران أن "جمعية مملكة إيران" "هي الوحيدة بين التيارات الملكية، التي كانت عنيفة جدا"، بحسب قول وزير الاستخبارات الإيراني، محمود علوي، كما أوردته وكالة "تسنيم" الإيرانية، يوم الإثنين الماضي، مضيفا أن "معظم التيارات الملكية تسعى إلى إثبات ذاتها ببيانات وشعارات".
وأكد الوزير أن شارمهد "كان يسعى إلى إثبات قدرته من خلال تنفيذ عمليات إرهابية"، مشيرا إلى أن الجمعية حاولت تنفيذ "27 عملية إرهابية في إيران، لكن رجال الأمن أحبطوها".
ومن أهم العمليات التي نفذتها "تندر"، وتبنتها، هو تفجير شيراز عام 2008، الذي خلف 14 قتيلا و215 جريحا.
ورغم أن وزارة الاستخبارات الإيرانية، أعلنت بعيد التفجير أنه لم يكن ناتجا عن "عملية تخريبية"، لكنها عادت وأكدت ذلك، كاشفة أنها اعتقلت "العناصر المتورطة في التفجير".
وفي المقابل، حينها، نفت المتحدثة باسم "تندر"، رزيتا منطقي، وقوف الجمعية خلف التفجير، قائلة إن المعتقلين "لم يكونوا على صلة بالجمعية"، لكن شارمهد أقرّ بذلك لاحقا في برنامج متلفز، قائلا إنه لا ينكر تورط الجمعية في تفجير "حسينية شيراز"، داعيا إلى القيام بعمليات اغتيال في إيران.
ويوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، عقدت السلطة القضائية في طهران جلسة محاكمة لثلاثة متهمين بتهمة التورط في التفجير، قبل أن يتم إعدامهم يوم 10 إبريل/نيسان 2009، وهم محسن إسلاميان، وعلي أصغر بشتر، وروزبه يحيى زادة.
وفي بيانها بشأن اعتقال زعيم "تندر"، اتهمت وزارة الاستخبارات الإيرانية، الجمعية بأنها بعد تفجير حسينية شيراز خططت لـ"تنفيذ عدة عمليات كبيرة خلال الأعوام الأخيرة، منها تفجير سد سيوند في شيراز وتفجير قنابل سينانيد وتفجير قبر الإمام الخميني خلال احتفال عام"، إلا أن الوزارة أكدت في الوقت ذاته أن رجالها "أحبطوا هذه العمليات".
وبعد اغتيال العالم النووي الإيراني، علي محمدي، يوم 12 يناير/ كانون الثاني 2010 في طهران، وجهت وكالة "فارس" الإيرانية، أصابع الاتهام لـ"جمعية مملكة إيران"، إلا أنها نفت تورطها في الاغتيال، وذلك قبل أن تتهم طهران إسرائيل بالوقوف وراءه.
ومن العمليات الأخرى المنسوبة للجمعية، وفقا لما أوردته وكالة "إرنا" الإيرانية، الأحد الماضي، الانفجار مقابل بيت خطيب صلاة الجمعة في مدينة "نهاوند" غربي إيران عام 2009، و"محاولات فاشلة" أخرى مثل السعي لتنفيذ "عملية بيولوجية" في معرض الكتاب الدولي في طهران، و"عملية إرهابية ضد القنصلية الروسية" في مدينة رشت شمالي إيران، و"تفجير مخازن وخطوط نقل النفط في ميناء غناوة" شرقي إيران، وزرع قنابل في ضريح السيدة معصومة في مدينة قم، وسط البلاد، والبرلمان الإيراني. وأشارت "إرنا" إلى أن الأمن الإيراني أفشل هذه العمليات.
إلى ذلك، أورد موقع "تندر" أن الجمعية قامت بتنفيذ عمليات في إيران، مشيرا إلى قيامها يوم 14 يوليو/ تموز 2019 بتفجير حوزة "خاتم الأنبياء" الدينية في مدينة شيراز.
كما أن السلطات الإيرانية اتهمت "جمعية مملكة إيران" بالتدخل في الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2009 على خلفية الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية آنذاك، وإعلان فوز الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، لكن الجمعية نفت تدخلها في هذه الأحداث، مع تأكيدها اعتقال عدد من أعضائها ومحاكمتهم، بحسب وكالة "إيسنا" الإيرانية، في تقرير نشرته، الأحد الماضي.
وكانت السلطات الإيرانية قد أعلنت خلال احتجاجات عام 2009، اعتقال عدد من أعضاء الجمعية الملكية الإيرانية، لتحاكم خلال صيف العام نفسه، شخصين، هما محمد رضا علي زماني، وآرش رحماني بور، اتهمتهما بالانتماء للجمعية، وقامت بإعدامهما بحكم قضائي، يوم 28 يناير/كانون الثاني 2010.
وحينها، أوردت قناة "بي بي سي" الفارسية، نقلا عن المتحدثة باسم الجمعية، رزيتا منطقي، نفيها انتماء المتهمين لها.
منازلة أمنية
وجاء توقيت العملية الاستخباراتية الإيرانية "المعقدة" في خضم التوترات المتصاعدة بين طهران وواشنطن، والمواجهة المفتوحة بين الطرفين على مختلف الأصعدة، سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا. وعليه حاولت طهران منذ اللحظة الأولى من الإعلان عن نبأ اعتقال شارمهد، توظيف ذلك في سياق صراعها القديم الحديث مع واشنطن، لتسجيل نقاط أمنية على حساب الأخيرة، وقد بدا ذلك واضحا في بيان وزارة الاستخبارات الإيرانية، الذي أكد أنها "في عملية معقدة وناجحة تمكنت من القبض على زعيم مجموعة تندر الإرهابية"، التي قالت إنها "كانت تدير من أميركا عمليات مسلحة وتخريبية في داخل إيران".
وفي السياق، جاءت تصريحات وزير الأمن الإيراني، محمود علوي، في مقابلة مع التلفزيون الإيراني، يوم الإثنين، تعليقا على اعتقال شارمهد، حيث اتهم أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية بتوفير "الحماية الجادة"، قائلا إن رجال الأمن الإيرانيين "نجحوا في تجاوز الغطاء الأمني" الذي وفرته، بحسب قوله، هذه الأجهزة لشارمهد واعتقاله.
إلى ذلك، استغل المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، اعتقال شارمهد لمهاجمة الولايات المتحدة، قائلا إن الإدارة الأميركية "بينما تعلن أنها بجانب الشعب الإيراني لكنها تؤوي إرهابيين معروفين وأناسا تبنوا مسؤولية عدة عمليات إرهابية داخل إيران وأياديهم ملطخة بدماء المواطنين الإيرانيين الأبرياء"، متهما واشنطن بـ"تقديم كافة أنواع الدعم لهم".
ومن هذا المنطق، أعلن موسوي احتجاج بلاده "الشديد" على سياسات الولايات المتحدة، داعيا إياها إلى "تحمل مسؤولية دعم هذه المجموعة الإرهابية ومجموعات أخرى وجناة يقودون عمليات تخريبية ومسلحة وإرهابية ضد الشعب الإيراني من داخل أميركا".
والخارجية الأميركية من جهتها، علقت على احتجاز شارمهد، الأحد الماضي، لتعلن أنها "على علم بالمعلومات المرتبطة بشارمهد"، داعية إيران إلى "التزام أكبر قدر ممكن من الشفافية واحترام المعايير القانونية الدولية"، ومتهمة إياها بأن لديها "خبرة طويلة في احتجاز مواطنين إيرانيين وأجانب على أساس تهم خاطئة".
استفهام وغموض
البيان الذي أذاعت فيه وزارة الاستخبارات الإيرانية، نبأ اعتقال شارمهد، لم يشر إلى مكان اعتقاله أو كيف تم ذلك، مكتفيا بالقول إن الاعتقال حصل "في عملية معقدة"، وهو ما أثار تساؤلات وتكهنات بشأن طريقة استدراج زعيم "جمعية مملكة إيران"، ومكان اعتقاله. وعليه، انشغلت شبكات التواصل ووسائل الإعلام الإيرانية، الداخلية والمعارضة، بتفكيك "اللغز"، وسط توقعات بأن العملية نفذت في دولة جارة لإيران، مرجحة حصول ذلك في تركيا على غرار ما حصل لزعيم الجمعية السابق. إلا أن صحيفة "جوان" المحافظة، أشارت في تقرير لها، يوم الأحد الماضي، إلى أن "المعلومات التي وصلتها تشير إلى أن شارمهد قد اعتقل يوم الجمعة الماضي (4 أغسطس/ آب 2020) على يد رجال الأمن الإيرانيين في دولة طاجيكستان".
من جهتها نفت وزارة الأمن الإيرانية، بـ"شدة"، في بيان جديد، يوم الإثنين الماضي، "صحة أي تكهنات في وسائل الإعلام حول طريقة القبض على شارمهد"، وما وصفته بـ"مزاعم بعض وسائل الإعلام" حول اعتقاله في طاجيكستان.
كما نفى وزير الداخلية الطاجيكي، رمضا رحيم زادة، اعتقال شارمهد على أراضي بلاده، وفقا لما أوردته وكالة "إيسنا" الإيرانية.
وبينما كان الجدل والتكهنات مستمرة بشأن مكان اعتقال شارمهد، خرج وزير الأمن الإيراني، محمود علوي، بتصريحات متلفزة، مساء السبت الماضي، ليقول إنه حصل داخل إيران، قائلا إن "الأميركيين لم يصدقوا بعد أن جمشيد شارمهد قد قبض عليه داخل إيران"، مضيفا أنهم "يتصورون أنه لايزال خارج البلاد وأن الصور التي نشرناها سجلت في الخارج".
وأكد علوي أن "هذا الرجل كان تحت حماية جادة من جهازي استخبارات أميركا وإسرائيل، وهم يستبعدون أن وزارة استخبارات الجمهورية الإسلامية قد تمكنت من تجاوز غطائهم الأمني واعتقاله في عملية معقدة داخل أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
ولم يقدم علوي مزيدا من التفاصيل ولم يشرح كيف تمكن رجاله من استدراج شارمهد إلى داخل الأراضي الإيرانية، وهو كان يعلم أنه مستهدف وهدف للاعتقال لتصريحاته الإعلامية النارية ضد الثورة الإسلامية، والداعية إلى العمليات المسلحة داخل إيران.
رواية العائلة
أما أبناء شارمهد من جهتهم، فقالوا لوسائل إعلام غربية أو ناطقة بالفارسية خارج إيران، إن نظام تحديد الموقع (GPS) على هاتف والدهم النقال يظهر أنه سافر من ألمانيا إلى دبي ومن هناك إلى ولاية البريمي في سلطنة عمان. ونقلت وكالة "أسوشييتد برس" نقلا عن شايان شارمهد، ابن المعتقل شارمهد، أن هاتفه النقال قد أغلق وهو كان في ميناء صحار الذي يقع خارج مضيق هرمز في الجزء الشمالي من سلطنة عمان.
وأكد أنه سافر لدبي لينطلق من هناك إلى الهند لإنجاز بعض أعماله، وكان يوم 24 من الشهر السابق، في دبي، وفي اليوم التالي كان في صحار، "بينما لم تكن زيارته إلى البريمي وصحار على جدول أعمال رحلته بتاتا".
وأوردت "أسوشييتد برس" أن السلطات الغربية "على قناعة بأن إيران تقوم بعمليات استخباراتية في دبي وتراقب مئات الآلاف من الإيرانيين الذين يعيشون في هذه المدينة".
استدراج المعارضين
وعملية استدراج واعتقال شارمهد، ليست الأولى ولا الأخيرة للأمن الإيراني، وهي الثانية منذ عام تقريبا، حيث تذكّر باعتقال مماثل للمعارض الإيراني روح الله زم، صاحب موقع "آمد نيوز" الشهير، يوم 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، من قبل جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني، الذي أطلق نفس التسمية التي أطلقتها وزارة الاستخبارات الإيرانية على اعتقال شارمهد، إذ اعتبر أنه "تم في عملية معقدة". وكان زم يقيم في فرنسا وتحت حماية أمنية شديدة من الشرطة الفرنسية بحسب قوله، وأثار اعتقاله استغرابا في أوساط داخلية والمعارضة الإيرانية في الخارج. ولم يكشف "الحرس الثوري" الإيراني، عن طريقة اعتقال زم ومكان ذلك، مما أثار تساؤلات حينها، وسط تكهنات بأنه تم استدراجه إلى العراق أو دولة جارة أخرى. علما بأن معظم عمليات استدراج واعتقال المعارضين وقعت في أراضي دول مجاورة لإيران، سواء تم ذلك بتعاون مع هذه الدول، وفقا لاتفاقيات أمنية مشتركة، أو من دون ذلك.
واللافت أنه قبل يوم من إعلان "الحرس الثوري" اعتقال زم، كان موقع "ميدل إيست آي" قد كشف أن مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، قام بزيارة سرية لإيران، بغية خفض التوتر. وبعد ذلك، أشارت تصريحات إيرانية رسمية إلى زيارة وفود إماراتية وتطورات إيجابية في العلاقات مع أبوظبي. وليس واضحا بعد إن كانت زيارة بن زايد لها علاقة باعتقال زم، وأن الأخير هل تم اعتقاله في دبي أو في مكان آخر في دولة أخرى. وكان اعتقال زم يمثل صيدا أمنيا ثمينا لإيران، لكونه كان يدير قناة "آمد نيوز" والموقع الإلكتروني بالعنوان نفسه، حيث كان للقناة تأثير كبير في إشعال احتجاجات في إيران، وتوجيه المتظاهرين، وكان يصل عدد أعضائها إلى أكثر من مليون، قبل أن يسيطر عليها "الحرس الثوري".
ورصد "العربي الجديد" أنه سبقت العمليتين المذكورتين، عمليات استدراج واعتقال أخرى لمعارضين في الخارج، خلال العقود الماضية، أشهرها اعتقال وزارة الأمن الإيرانية، عبد المالك ريغي مؤسس جماعة "جند الله" المسلحة المعارضة، التي تعمل على الحدود الإيرانية الباكستانية، يوم 23 فبراير/ شباط 2010، والتي غيرت اسمها لاحقا إلى جماعة "جيش العدل".
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن ريغي كان على متن طائرة بوينغ 737 تابعة للخطوط الجوية القيرغيزية، متوجها من دبي إلى عاصمة جمهورية قيرغيزستان بيشكك، لكن في الأجواء الإيرانية اعترضت ثلاث مقاتلات إيرانية مسارها وأجبرتها على الهبوط في مطار ميناء "بندر عباس" جنوبي إيران، ثم قام رجال الأمن باعتقال ريغي وإنزاله من الطائرة.
ومن العمليات الأخرى اعتقال علي توسلي وهو من قادة منظمة "فدائيان خلق أكثريت" (فدائيي الشعب)، عام 1995، بعد وصوله إلى العاصمة الأذربيجانية، باكو، في زيارة، لكن تم اعتقاله واقتيد إلى داخل إيران وسجن لسنوات.
وأثارت عمليات الاستدراج الأخيرة، (شارمهد وزم) مخاوف في أوساط المعارضين الإيرانيين في الخارج، من احتمال أن يكون أي واحد منهم هدفا مستقبليا للاستدراج والاعتقال من قبل الاستخبارات الإيرانية، وهو ما أكده أيضا وزير الاستخبارات الإيراني للتلفزيون الإيراني، قائلا إن "القبض على زعيم تندر ليس أول عملية معقدة للوزارة ولن تكون الأخيرة"، قائلا إن رجال الأمن الإيرانيين "قد نفذوا مثل هذه العمليات من قبل واليوم ليس مناسبا للكشف عنها".
تعليقات إعلامية
وفي تعليقها على اعتقال شارمهد، حاولت وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية في خارج إيران، سواء التابعة للمعارضة الإيرانية أو دول أجنبية، التقليل من شأن العملية وفي الوقت ذاته من أهمية "جمعية مملكة إيران"، لكن بعضها أبدت استغرابا من نجاح قوات الأمن الإيرانية في استدراجه واعتقاله.
إلى ذلك، وفيما حاولت بعض هذه الوسائل الإعلامية، إبراز الوجه الإعلامي لشارمهد، من خلال التركيز على صفته مديرا لإذاعة "تندر"، اعتبر موقع "إنديبندنت فارسي" في تقرير له، نشره الأحد الماضي، أن شارمهد "أحدث ضحية للمعركة بين وزارة الاستخبارات (الإيرانية) وجمعية مملكة إيران منذ 13 عاما"، محاولا تصوير اعتقاله على أنه "جاء في سياق التنافس بين جهازي الاستخبارات" في إيران، أي وزارة الاستخبارات التابعة للحكومة وجهاز استخبارات "الحرس الثوري"، حيث قال الموقع إن عملية اعتقال شارمهد من قبل الوزارة جاءت بعد اعتقال مماثل لمؤسس موقع "آمد نيوز" من قبل استخبارات "الحرس".
وفي المقابل، وجهت مواقع ووكالات أنباء إيرانية، شبه رسمية، اتهامات لقناة "بي بي سي" الفارسية، وقناة "إيران إينترنشنال" ومقرها لندن، بـ"تحريف الحقائق"، معتبرة أنهما تحولتا إلى "منبر للإرهابيين"، حسب ما جاء في تقرير لوكالة "تسنيم" الإيرانية، نشرته الثلاثاء الماضي.