مكننة الوصفات الطبية تواجه "تشفيرها" في العراق

08 يناير 2019
الفساد ممتد إلى القطاع الطبي (علي السعدي/ فرانس برس)
+ الخط -

لطالما استغل أطباء عراقيون مرضاهم، عن طريق توجيههم إلى صيدليات بعينها لشراء الدواء، إذ لا يتمكن العاملون في غيرها من قراءة ما كتبه الطبيب في وصفته من أسماء. هذا "التشفير" في طريقه إلى الزوال قريباً.

يشعر عراقيون بأنّ واحدة من أبرز صور الابتزاز والاستغلال التي يتعرضون لها ستندثر، بعد قرار نقابة الأطباء الأخير، الذي يفرض على الأطباء كتابة الوصفات الطبية إلكترونياً على جهاز الكومبيوتر وطباعتها، وليس بخط اليد مثلما هو معتاد. السبب في المكننة جاء بعد زيادة السخط بين المواطنين تجاه عدد من الأطباء، من بينهم اختصاصيون بارزون وأصحاب عهد بعيد بالمهنة، ممن يعتمدون "تشفير" الوصفات الطبية، ما يجعلها غير مفهومة سوى لصيادلة محددين، ما يجبر المريض على شراء دوائه من صيدلية واحدة، فبقية الصيادلة لن يستطيعوا فهم ما كتب في الوصفة.

بعد مناشدات لمواطنين عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، خرجت نقابة الأطباء العراقيين في بيان، قررت فيه إلزام الأطباء بطباعة الوصفة الطبية وعدم كتابتها بخط اليد، ومنعت في البيان الصيدليات من صرفها إذا كانت غير مطبوعة، مشيرة إلى أنّ القرار جاء بسبب كثرة الشكاوى الواردة بشأن صعوبة قراءة الوصفة المكتوبة بخط اليد، مبينة أنّ سريان مفعول هذا القرار سيبدأ في الأول من مارس/ آذار المقبل.




وعلى الرغم من كونه يؤكد الفساد، فإنّ أطباء أعربوا عن رضاهم بهذا القرار، إذ يشير الدكتور عبد الله النداوي، اختصاصي الأمراض الباطنية، إلى أنّ القرار "يضع حداً لفساد بعض الأطباء والصيادلة"، مبيناً لـ"العربي الجديد" ضرورة إصدار قرارات عديدة "تُفرض بالقوة على الكادر الصحي عموماً، لتمنع الانحدار في القطاع الطبي وفي سمعة كوادره". يضيف: "ما يؤسف له هو أنّ مجموعة من ضعاف النفوس أساءوا إلى مهنة الطب الإنسانية. ليس من المعقول ألّا أجيد أنا الطبيب المتخصص الذي مرّ على عملي في الطب ستة عشر عاماً قراءة وصفة طبية كتبها طبيب يمارس اختصاصي نفسه". وما يحصل بحسب النداوي أنّ "بعض الأطباء يستثمر مهنته بافتتاح صيدلية قرب عيادته الخاصة، ويكتب وصفته برموز لا يعلمها إلّا صاحب هذه الصيدلية، لذلك يعجز المريض عن الحصول على الدواء من صيدلية أخرى، وفي بعض الأحيان يكون سعر الدواء أغلى في هذه الصيدليات من غيرها".

بدورهم، فإنّ العديد من الصيادلة يعترفون بوجود "فساد" يمارس من قبل بعض الصيادلة الذين يتفقون مع أطباء لأجل الكسب المادي، مؤكدين أنّ هناك حاجة لا فقط لفرض كتابة الوصفة الطبية بجهاز الكمبيوتر، بل أيضاً لإعادة تطبيق القوانين التي كانت سائدة في البلاد في سنوات سابقة. يقول الصيدلي فراس التميمي لـ"العربي الجديد" إنّ "صيدليات اليوم أشبه بمتاجر يحاول أصحابها كسب أكبر عدد من الزبائن"، موضحاً أنّ "الرقابة الضعيفة على استيراد الأدوية من دول منشأ مختلفة، ساهمت بسعي العديد من الصيادلة إلى الربح على حساب المواطن". يستطرد: "هناك اليوم عدة أنواع لدواء واحد وبأسعار مختلفة. الصيادلة يعلمون جيداً أنّ من بينها أدوية سيئة المنشأ لكنّها زهيدة الثمن. لو كانت هناك مراقبة صارمة لما حصل كلّ هذا الذي أجده إساءة بحق المهنة وغشاً للمواطن". لذلك، يقول التميمي: "الاتفاق بين الصيدلي والطبيب وتشفير الوصفة الطبية، على الرغم من خطورته، أقل سوءاً بالمقارنة مع انتشار أدوية مشكوك في صناعتها بسبب مناشئها غير المعترف بمكانتها، بل وصل الأمر إلى حدّ انتشار أدوية منتهية الصلاحية في الصيدليات، وهذه كارثة كبرى".

في الشارع، هناك إجماع على التدهور في هذا القطاع المهم. يقول علي الصالحي لـ"العربي الجديد" إنّ قرار نقابة الأطباء يمثل "بصيص ضوء" على هذا الصعيد. الصالحي الذي تقاعد قبل عامين من عمله في إحدى الشركات التابعة لوزارة الصحة، يقول إنّه كان اطلاع على كمّ كبير من فضائح الفساد، وإنّه شارك في الإشراف على عدد غير قليل من المناقصات وعمليات الاستيراد التي وصفها بأنّها "غارقة في الفساد".



من جهتها، تقول إيناس مناجد، لـ"العربي الجديد" إنّ "الابتعاد عن الواجب الإنساني الذي تفرضه مهنة الطب مؤشر خطير على تدهورها"، مشددة على "ضرورة وضع حدّ للاستغلال البشع للمرضى". أما ثامرة الجوادي، فتأمل في "عودة قوة القانون لتفرض على الجميع من دون استثناء، وتطبق بصورة حقيقية على أرض الواقع لتقضي على العديد من المظاهر السلبية التي شهدتها بلادنا منذ سنوات"، معبرة في حديثها إلى "العربي الجديد" عن ثقتها بأنّ "الأيام المقبلة تبشر بخير. فهناك ارتفاع في صوت الرفض الشعبي لهيمنة المستغلين من السياسيين والأحزاب على مفاصل مختلفة من البلد. أعتقد أن القضاء على الفساد قريب، ومن المؤكد أنّ تشفير الوصفات الطبية جزء من هذا الفساد الكبير الذي يعاني منه العراق".
دلالات
المساهمون