تواجه الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 إبريل/نيسان المقبل في الجزائر، حملة مقاطعة سياسية مبكرة من قبل أحزاب وقوى معارضة تعتبر أنّ ظروف الشفافية الانتخابية غير متوفرة، وتضع الاستحقاق الرئاسي ضمن سياق استمرارية النظام الحاكم، بسبب توجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للترشّح لولاية رئاسية خامسة، ناهيك عن المخاوف من ارتفاع نسبة العزوف عن التصويت كما في الاستحقاقات الانتخابية التي أجريت في الجزائر في السنوات الأخيرة.
وأعلنت أربعة أحزاب سياسية وتكتل معارض في الجزائر، مقاطعتها المبكرة للانتخابات الرئاسية المقبلة ورفضها المشاركة فيها، حتى قبل أن تتضّح المعطيات كافة المتعلّقة بهذا الاستحقاق، وترشّح بوتفليقة من عدمه، وكذلك استكمال الخريطة النهائية للمرشحين للرئاسة. ولم ينتظر حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم حزب سياسي معارض في الجزائر، طويلاً، إذ قرّر بشكل استباقي مقاطعة الانتخابات وعدم تقديم أو مساندة أي مرشّح رئاسي، بسبب ما اعتبره "عدم توفّر شروط إجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة وشفافة، على بعد ثلاثة أشهر من الاستحقاق الانتخابي الرئاسي". ورأى الحزب في بيان أصدره يوم الجمعة الماضي، أنّ "المشاركة في هذه الانتخابات تعطي مصداقية لواجهة ديمقراطية مزيفة"، معتبراً أنّ "الانتخابات مغلقة ومحسومة مسبقاً لصالح مرشح النظام، وتهدف إلى الإبقاء على نظام متسلّط وقامع للحريات".
وهذه ليست المرة الأولى التي تقرر فيها "جبهة القوى الاشتراكية" عدم المشاركة في انتخابات الرئاسة، فقد سبق لها مقاطعة انتخابات 2004 و2009 و2014. لكنها هذه المرّة توجهت أيضاً بنداء إلى الناخبين الجزائريين، حثّتهم فيه على عدم الذهاب إلى مكاتب التصويت يوم 18 إبريل المقبل، لأن "الإدلاء بأصواتهم لن يغير شيئاً، فالنتائج الرسمية لا تمثّل إطلاقاً المستوى الحقيقي للمشاركة، التي ستُستهدف فقط بفعالية وبشكل مكثّف وسلمي، لإدامة نظام استبدادي".
وقبل "جبهة القوى الاشتراكية"، كانت "جبهة العدالة والتنمية" (حزب إسلامي) التي يقودها المرشح الرئاسي السابق، عبد الله جاب الله، قد أعلنت أنها غير معنية بالانتخابات المقبلة. وقال جاب الله في مؤتمر صحافي إنه لا يرى "أي جدوى من المشاركة في هذا الاستحقاق، طالما أنه لم يتم إحداث إصلاح جوهري في نظام الانتخابات من خلال إسناد مسألة تنظيم الانتخابات إلى هيئة مستقلة تتميّز بالنزاهة والاستقلالية". ويعتقد جاب الله أنّ الانتخابات في الجزائر "لا تحل أي مشكلة سياسية، بسبب طبيعتها التي تتحكم فيها أجهزة السلطة".
كذلك، أعلنت لويزة حنون، زعيمة حزب "العمال" اليساري، أحد أبرز أحزاب المعارضة، يوم الجمعة الماضي، أنها ترفض الترشّح والمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قائلةً إنّ "الانتخابات الرئاسية ليست هي الأولوية بالنسبة لي، الأولوية هي تحرير البلاد من النظام الذي جعل الجزائر بلا دماء، ويرفض إعطاء الكلمة للشعب". وأضافت "أعتقد أنّ الأولوية هي وضع تدابير سياسية واجتماعية واقتصادية كحسن نية عن إرادة قوية للتغيير".
اقــرأ أيضاً
ويتوافق هذا الموقف مع موقف تكتل "حركة مواطنة" المدني المعارض، والذي قال أخيراً: "تحتفظ حركة مواطنة بحقها في دعوة المواطنين إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، للتعبير الفعلي والمباشر عن رفضهم الاستيلاء على سيادتهم". وطالب التكتل الذي يضم أحزاباً وشخصيات معارضة بينها حزب "جيل جديد" و"الاتحاد من أجل التغيير" و"الاتحاد الديمقراطي" و"حزب الوطن"، بالإضافة إلى رئيس الحكومة السابق أحمد ببيتور، ورئيس رابطة حقوق الإنسان صالح دبوز، ومجموعة من الناشطين والصحافيين المستقلين، طالب المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة بسحب ترشيحاتهم في حال أعلن بوتفليقة ترشحه، و"عدم إضفاء نوع من الشرعية على هذه العهدة الخامسة".
وبحسب مراقبين لتطورات الوضع والمعطيات السياسية في الجزائر، فإنّ قائمة المقاطعين للانتخابات الرئاسية لن تتوقّف على هذه القوى السياسية الأربع. فعدد من القوى والشخصيات الأخرى التي أعلنت ترشحها، أعلنت في الوقت نفسه، أنها قد تراجع موقفها باتجاه الانسحاب ومقاطعة الانتخابات، في حال أعلن بوتفليقة الترشح لولاية رئاسية خامسة، كون الانتخابات ستكون في هذه الحالة محسومة لصالحه، بفعل تدخّل وسائل وأجهزة الدولة. وهو الخيار الذي قد يتوجه إليه رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، بحسب كوادر في حزبه "طلائع الحريات".
ويعتبر محلّلون موقف المقاطعة، بأنه "خطوة لا تفسر بالضرورة موقفاً سياسياً"، لكن هذه المقاطعة بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر، مبروك كاحي، "خطوة استباقية الهدف منها هو الضغط على النظام، لكن الضغط في خيارات كهذه لم يعد مجدياً، فالسلطة في الجزائر تجاوزت مرحلة الضغوط". وأشار كاحي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "بعض الأحزاب السياسية تقاطع لأنها في الحقيقة لا تملك مرشحين حقيقيين، مثل جبهة القوى الاشتراكية"، منتقداً قرار هذه القوى التي تذهب في هذا الاتجاه "بدل أن تعمل على تغيير قواعد اللعبة السياسية". وأكّد أنّ "على المعارضة أن تجدد خياراتها ولغة خطابها، فالأجيال الناخبة تغيّرت".
وقد تشوش هذه المقاطعة السياسية على الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أنّ القوى المقاطعة لديها ثقلها وتأثيرها في المشهد الجزائري، فيما تطرح أسئلة لدى شركاء الجزائر حول دوافع المقاطعة، ومدى توفّر ضمانات شفافية الانتخابات. وإذا ما ترشّح بوتفليقة المريض والغائب عن المشهد، فإنّ السلطة ستجد حرجاً كبيراً في اقناع الناخبين بالذهاب إلى مكاتب التصويت.
لكن أكثر ما يقلق السلطة في الوقت الراهن، هو مستوى الإحباط الشعبي، خصوصاً في أوساط الشباب الذي يمثّل أكبر كتلة ناخبة، بسبب تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وعجز الحكومات المتتالية في عهد بوتفليقة عن تنفيذ وعودها بتحقيق الرفاه للجزائريين، وهو ما يفسر موجة الهجرة السرية للشباب وهجرة الكوادر والأطباء والنخب إلى خارج البلاد. وقد دفع ذلك وزارة الداخلية الجزائرية إلى إطلاق حملة مبكرة لتشجيع الشباب على التسجيل في القوائم الانتخابية، وحثهم على الانخراط في المشهد السياسي والمشاركة في الانتخابات المقبلة.
وتصبح مخاوف السلطة والعديد من المراقبين مشروعة في هذا السياق عند العودة إلى نسب التصويت في آخر الاستحقاقات الانتخابية منذ انتخابات الرئاسة عام 2014، وملاحظة الارتفاع الكبير في نسب المقاطعين، والعزوف عن التصويت. إذ قاطع 15 مليون ناخب، فيما صوّت مليون بأوراق بيضاء من مجموع 23 مليون ناخب في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في مايو/أيار 2017، أي بنسبة 37.09 في المائة. وفي آخر انتخابات رئاسية في إبريل 2014، لم تتجاوز نسبة التصويت 51.07 في المائة.