تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى العربية. "لدي خطوط حمراء في ما يتعلّق بمواقف الكاتب من الاحتلال الإسرائيلي مثلاً، وهو برأيي موقف إنساني وليس سياسيّاً فحسب"، تقول المترجمة الفلسطينية غدير أبو سنينة لـ"العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
بدأَت صدفةً عام 2010، حينما كنت في "مهرجان غرناطة الدولي للشعر" في نيكاراغوا. استمعتُ إلى قصيدة للشاعر الإكوادوري أوغستو رودريغس وأحببتها. قرّرت ترجمتها وإرسالها للشعراء العرب الذين كانوا في المهرجان ولم يفهموا القصيدة. ثم توالت الترجمات بعد كسر الحاجز الأول.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها، وماذا تترجمين الآن؟
من المفارقة أنني ترجمت قصائد الشاعر أوغستو رودريغس في بداية محاولاتي للترجمة، وتأخّر صدور الترجمة حتى الآن، إذ سيُنشر ديوانه المترجَم قريباً عن "دار البلد للنشر والثقافة"، كما سيُنشر ديوان الشاعر النيكاراغوي فرانسيسكو دي أسيس فرناندس عن "دار الآن ناشرون وموزّعون". أترجم الآن ديوان الشاعر التشيلي راؤول وزريتا "قبالة الجنّة".
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
الاهتمام بالترجمة هو اهتمام فردي في العالم العربي أكثر منه مؤسّساتيا، مع وجود بعض المؤسّسات التي تُعنى بهذا الحقل، لكن اختيار المترجمين يقوم على الصُدف والعلاقات الشخصية. قد يستهوي المترجم عمل فيترجمه ثم لا يجد من ينشر له. فضلاً عن ذلك، فالمقابل المادي محدود، وأحياناً معدوم.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
أنا أصرّ على وجود محرّر يعمل على الترجمات بعد إنهائها، لكن على المترجم الحذر من عرض ترجماته على أكثر من محرّر، فلكلٍّ ذوقه وأسلوبه، ما سيشتّت النص إن تعدّد المحرّرون. عادةً ما أراجع الترجمات مع المحرّر المسؤول عن الصفحة التي سأنشر فيها، وهو نفسه من أراجع معه ترجمات الدواوين الأخرى. من المفترض - برأيي - مراجعة النصوص المترجمة قبل النشر معاً، كي لا يغيّر المحرّر من أسلوب الكاتب نفسه، وهو أمر يعيه المترجم أكثر.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
لم أختلف مع أيّ ناشر في شيء والحمد لله. أحظى بعلاقات جيّدة مع ناشري الكتب التي ترجمتها. كنّا نتناقش في كل التفاصيل ونتوصّل معاً للنتائج. أما بالنسبة إلى العناوين، فكلّها كانت من اختياري، ولم يكن هناك أي اعتراض من الناشر بشأنها.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقّفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
معظم من ترجمتُ لهم شعراء أحياء وتربطني بهم علاقات صداقة عزّزتها ترجمة أعمالهم. عُرضت عليَّ مرّة ترجمة شعر يحمل قيَماً وطنية عالية، لكنني وجدته رديئاً ورفضت ترجمته، لأنه برأيي ليس شعراً. لدي خطوط حمراء فيما يتعلّق بمواقف الكاتب من الاحتلال الإسرائيلي مثلاً، وهو موقف إنساني وليس موقفاً سياسيّاً فحسب. بالتأكيد لن أترجم أعمال كاتب مطبّع مع الاحتلال الصهيوني حتى لو كان شاعراً جيّداً، فهناك بدائل كثيرة. في المقابل، أرفض ترجمة أعمال كتّاب لهم مواقف مشرّفة لكن كتاباتهم رديئة، وهذا يعني أنها أساساً غير قابلة للترجمة.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
كثيرا ما أتواصل مع من أترجم لهم للاستفسار عن بعض الأمور التي استعصت عليَّ ترجمتها. معظم ترجماتي لشعراء أحياء، وهذا يسهّل التواصل معهم. وأنا أوافق الشاعر والمترجم الأرجنتيني إزكيل زايدينويرغ الذي قال لي مرّةً إن الترجمة لشعراء أحياء لها ميزة قدرتك على سؤالهم مباشرة، لكن الترجمة للشعراء الراحلين تمنحك الحرية لترجمة النص كما فهمه المترجم، بغض النظر إن كان فهمه دقيقاً أم لا.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
أعتقد أنها مشتبكة وتمنعني أحياناً من الاستمرار في كتابة نصوصي الخاصة، إذ كثيراً ما أبدأ النص فتبدأ أصوات كثيرة بالخروج في محاولة فرض نفسها على نصوصي. أعتقد أنّني متأثّرة بما أُترجم إلى حدٍّ كبير.
■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
أدعمها وأدعم القائمين عليها والذين حصلوا فيها على تكريمات مختلفة. وأتمنى أن تكون أكثر تنوُّعاً.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
ينقصها البحث أكثر والتواصل مع مختلف المترجمين، فكل مؤسّسة - على حد علمي - تتواصل مع عدد محدود من المترجمين فقط، ولا تحاول التوسُّع أو التعرُّف على عوالم الترجمة الأخرى. كما تعاني الترجمة المؤسّساتية من حصرها في مركزيات محدّدة وخصوصاً المركزية الأوروبية، فمعيار الكاتب الجيّد يخضع لوصوله لأوروبا أو الولايات المتحدة، كما أن الكاتب المترجَم للإنكليزية، على وجه الخصوص، هو من سيحظى بترجمة إلى لغات أخرى أيضاً.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
أفضّل اختيار النصوص بنفسي. هذه هي القاعدة الأهم. أما العادات فليست هناك عادات محدّدة. المطلوب هو أن أحظى بوقت كافٍ ومزاج جيّد وحماسة للترجمة. أحيانا أبدأ بترجمة نصوص وأتوقّف إن شعرت بالملل وأعود إليها بعد فترة بروح جديدة.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
ليس هناك كتاب ندمتُ على ترجمته، بل نصوصٌ ترجمتها بناء على طلب أصحابها، وخجلت من الرفض رغم أنني غير معجبة بها. في كل الأحوال، كانت تحظى بالحد الأدنى من الشعر أو هكذا واسيت نفسي.
■ ما الذي تتمنّينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
أتمنّى أن تكون هناك مؤسّسة لترجمة الأعمال من مختلف القارّات. واحدة متخصّصة بأميركا اللاتينية، وأخرى بالشرق الأقصى والأدنى وهكذا، وأن تغطّي كافة الحقول، وأن تُقدّر المؤسساتُ جهود المترجم.
بطاقة
صحافية ومترجمة فلسطينية من مواليد الأردن عام 1980. حاصلة على الماجستير في اللغة الإسبانية وآدابها وبكالوريوس في اللغة الفرنسية. هاجرت عام 2004 إلى نيكاراغوا التي تقيم فيها حتى اليوم. ترجمت نصوصاً لمئات الشعراء من أميركا اللاتينية والعالم الهسباني، كما ترجمت عدة شعراء عرب إلى الإسبانية. ونالت ككاتبة "جائزة ابن بطوطة" لأدب الرحلة عن كتابها "إخوتي المزيَّنون بالريش" (2016). من إصداراتها: "مختارات شعراء عرب من أصول أميركولاتينية" (2017)، و"كتاب الحرف الحزينة" (2016) لميغيل مالذوناذو، و"نشيد المورو" مختارات من العربية إلى الإسبانية لأربعة شعراء عرب (2015)، و"خان القوافل" (2014) وهي أنطولوجيا شعرية مكسيكية باللغتين العربية والإسبانية، و"طبول الرب" مختارات شعرية بالإسبانية للشاعر فخري رطروط (2017).