مفاوضات تشكيل البرلمان المصري الجديد: المقعد لمن يدفع أكثر

04 سبتمبر 2020
امرأة تقترع في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة (فرانس برس)
+ الخط -

تحوَّل المشهد السياسي في مصر إلى سوق تباع فيه المقاعد النيابية لمن يدفع أكثر، من الراغبين في الوصول إلى مجلس النواب، من دون الحاجة لأصوات الناخبين، أو التواجد الحقيقي في الشارع في ما يتعلق بالأحزاب، التي باتت مجرد لافتات معلقة على المباني فقط، وذلك في ظلّ سيطرة كاملة من جانب الأجهزة الأمنية لناحية إدارة المشهد السياسي والإعلامي المصري برمّته.
ومع انتهاء آخر الفصول التشريعية لمجلس النواب المصري الحالي، والموافقة على قانون تقسيم الدوائر الجديد، بدأ ممثلو الأجهزة الأمنية في عقد اجتماعات مع الراغبين في الترشح للانتخابات المقبلة المقررة نهاية العام الحالي، في جلسات يسيطر عليها الحديث عن القيمة المالية التي ستدفع من جانب هؤلاء، ومن ثمّ المفاصلة من قبلهم لتخفيض تلك القيمة التي تتجاوز الأصفار الستة.

وبحسب مصدر من داخل أحد الأحزاب الذي يشارك في مشاورات تشكيل المجلس الجديد، ويفاوض بشأن عدد المقاعد المحددة له، فإنّ "هناك خلافات كبيرة بشأن حصص كل حزب". وقال المصدر لـ"العربي الجديد": "المشهد أكثر تعقيداً مما كان عليه عند تشكيل مجلس الشيوخ، فهذه المرة ترغب الأجهزة المشرفة على الانتخابات في تطعيم القوائم بأعداد محدودة للغاية من المرشحين الحزبيين، في مقابل التوسّع لصالح المرشحين من رجال الأعمال وأصحاب الملايين الذين سيتحمّلون التكلفة الفعلية للانتخابات".


ترغب الأجهزة المشرفة على الانتخابات في تطعيم القوائم بأعداد محدودة للغاية من المرشحين الحزبيين

من جانبه، قال أحد المرشحين المحتملين في إحدى الدوائر بمحافظة سوهاج لـ"العربي الجديد": "خلال الأيام الماضية، التقيت عدداً من المسؤولين في عدد من الأحزاب، ومسؤولاً أمنياً رفيعاً في المحافظة بشكل منفصل، بحثاً عن مقعد في القائمة المزمع تشكيلها من جانب حزب مستقبل وطن، الذي بات هو الحزب الوطني الجديد (في إشارة للحزب الوطني الذي كان يهيمن على الحياة السياسية إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي قامت ضده ثورة 25 يناير). وأضاف: "كنت أظنّ أن الأمر يدور في فلك أرقام لا تتجاوز مليوني جنيه (126 ألف دولار)، قبل أن أفاجأ بأرقام خيالية، لا تقل عن العشرة ملايين جنيه، على اعتبار أنّ من سيتم اختياره لن يكون بحاجة للعملية الانتخابية، إذ سيكون فوزه بالمقعد مضموناً". ولفت المصدر إلى أنّ "أحد رجال الأعمال المعروفين، والمعروف بين أبناء دائرته جيداً بتجارته في الآثار، توصل إلى اتفاق مع المسؤول الأمني على دخول القائمة المرتقبة، مقابل 28 مليون جنيه".

من جهته، قال مصدر من أبناء العائلات أصحاب الحصص الثابتة في المجالس النيابية بإحدى محافظات الدلتا، لـ"العربي الجديد": "من المتعارف عليه أنّ عائلتنا لها مقعد ثابت، ويتم تدويره بين فروع العائلة، هذه المرة فوجئنا بأنّ هناك أرقاماً ضخمة مطلوبة من ممثل فرع العائلة الذي حان دوره، وهو ما أدى إلى تنازلنا عن المقعد لصالح فرع آخر ينتمي له أحد رجال الأعمال في المحافظة، الذي وافق على دفع 17 مليون جنيه مقابل دخول القائمة".

وأشار المصدر إلى أنه "حتى الكوتا المخصصة للشباب، باتت محجوزة لأبناء رجال الأعمال الكبار، الذين يملكون الأموال اللازمة لدفع ثمن المقعد"، مؤكداً أنّ الأمر "غير مقتصر على المقاعد المخصصة للقائمة، فهناك مفاوضات أيضاً تجرى على المقاعد الفردية، تحت اسم حزب مستقبل وطن"، والذي بات تمثيله كفيلاً بالفوز بالمقعد. وأشار المصدر نفسه إلى أنّ "أسعار المقاعد الفردية أقل بعض الشيء من الأسعار المحددة لمقعد القائمة، على اعتبار أنه ربما تكون هناك منافسة من جانب مرشحين رفضوا دفع تلك المبالغ الكبيرة، على اعتبار أنهم يملكون تواجداً قوياً في دوائرهم، بالإضافة إلى ظهير عائلي وشعبي".


الكوتا المخصصة للشباب، باتت محجوزة لأبناء رجال الأعمال الكبار

وكان مجلس النواب قد وافق في جلسته العامة، في الثامن عشر من أغسطس/آب الماضي، على مشروع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب، المقدّم من ائتلاف "دعم مصر". وجاء في مشروع القانون، أنّ مصر تقسّم إلى 143 دائرة انتخابية تخصص للانتخاب بالنظام الفردي، كما تقسم إلى أربع دوائر انتخابية تخصص للانتخاب بنظام القوائم. وحصلت العاصمة القاهرة بموجب مشروع القانون على أعلى عدد مقاعد، وهو 31 مقعداً، بينما حصلت الإسكندرية على 16 مقعداً وبورسعيد على مقعدين. ووفقاً للقانون، يتم تمثيل محافظة الإسماعيلية بـ5 مقاعد، والسويس بمقعدين، والقليوبية بـ16 مقعداً. كما يتم تمثيل الشرقية بـ21 مقعداً، والدقهلية بعدد المقاعد نفسه (21)، بينما تحصل دمياط على 4 مقاعد وكفر الشيخ على 10 مقاعد.

ويتم تمثيل محافظة الغربية بـ14 مقعداً، والمنوفية بـ11 مقعداً والبحيرة بـ18 مقعداً، فيما تحصل الجيزة على 25 مقعداً، والفيوم على 10 مقاعد، في حين يتم تمثيل بني سويف بـ8 مقاعد، والمنيا بـ16 مقعداً، وأسيوط بـ12 مقعداً. ووفقاً للقانون أيضاً، يتم تمثيل سوهاج بـ14 مقعداً، وقنا بـ9 مقاعد، والأقصر بـ3 مقاعد، وأسوان بـ5 مقاعد، ومطروح بمقعدين، والأمر نفسه بالنسبة لمحافظة الوادي الجديد (مقعدين)، والبحر الأحمر بـ3 مقاعد. أما شمال سيناء، فيتم تمثيلها بمقعدين وجنوب سيناء بمقعدين كذلك. أما بالنسبة للقوائم، فقُسمت على أربع دوائر؛ الدائرة الأولى، وهي دائرة قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا ومقرها مديرية أمن القاهرة، وتضم القاهرة (31 مقعداً)، والقليوبية (14 مقعداً) والدقهلية (17 مقعداً) والمنوفية (13 مقعداً) والغربية (16 مقعداً) وكفر الشيخ (9 مقاعد)، وذلك بمجموع 100 مقعد.


هناك مفاوضات أيضاً تجرى على المقاعد الفردية

الدائرة الثانية، وهي دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد، مقرها مديرية أمن الجيزة، وتشمل الجيزة (23 مقعداً)، والفيوم (9 مقاعد) وبني سويف (8 مقاعد) والمنيا (14 مقعداً) وأسيوط (11 مقعداً) والوادي الجديد (مقعدان) وسوهاج (13 مقعداً) وقنا (9 مقاعد) والأقصر (4 مقاعد) وأسوان (4 مقاعد) والبحر الأحمر (3 مقاعد)، وذلك بمجموع 100 مقعد.

الدائرة الثالثة تضم قوائم قطاع شرق الدلتا ومقرها مديرية أمن الشرقية، وتضم الشرقية (21 مقعداً) ودمياط (6 مقاعد) وبورسعيد (مقعدين) والإسماعيلية (4 مقاعد) والسويس (مقعدين) وشمال سيناء (مقعدين) وجنوب سيناء (مقعدين)، وذلك بمجموع 42 مقعداً. أما الدائرة الرابعة، وهي قطاع غرب الدلتا ومقرها مديرية أمن الإسكندرية، فتضم الإسكندرية (18 مقعداً)، والبحيرة (20 مقعداً) ومطروح (4 مقاعد) بمجموع 42 مقعداً، ليكون عدد مقاعد القوائم 284.

وفي الوقت الذي يجري فيه العمل على هندسة شكل البرلمان المقبل، عاد الحديث مجدداً بشأن تنامي نفوذ محمود السيسي، القيادي في جهاز المخابرات العامة، ونجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بشكلٍ فتح باب التساؤلات حول الهدف من وراء ذلك، وما إذا كان تفكيراً مبكراً في التوريث، أم أنها محاولة من والده لتأمين ظهره وزرع الدوائر القريبة منه بأشخاص يضمن ولاءهم. وناقشت "العربي الجديد" مع عدد من المصادر المقربة من دوائر صناعة القرار هذا الأمر، خصوصاً في ظلّ الحديث عن تحركات واسعة تتم تحت إشراف السيسي الابن لهندسة مجلس النواب الجديد، بعد انتهاء آخر الفصول التشريعية لمجلس النواب الحالي.

وقال مصدر سياسي انخرط أخيراً في مشاورات سياسية بشأن ترتيبات مجلس النواب المقبل: "أظن أنّ الحديث عن ملف توريث جديد على المدى القريب أمر مستبعد تماماً"، موضحاً أنّ "ما يتم من توسيع لصلاحيات ونفوذ نجل الرئيس، هو أمر متعلّق بالأمن والسلامة الشخصية لوالده، في ظلّ حالة من عدم الثقة بجميع من حوله، تسيطر على السيسي الأب باعتباره رجل مخابرات سابقاً، وكذا بسبب قلقه من الكثير من الأطراف الإقليمية، بما فيها أطراف تربطه بها علاقات وطيدة".


ما يحصل من توسيع لصلاحيات ونفوذ محمود السيسي، متعلّق بالأمن والسلامة الشخصية لوالده

وأضاف المصدر: "الرئيس يسعى لتأمين الدوائر القريبة والأجهزة الحساسة برجال موثوقين"، مشيراً إلى أنّ "هذه الدوائر لا بدّ أن يقوم بالإشراف على عملها شخص يثق به الرئيس بشكل أعمى، وهو ما جعله لا يفكر سوى بنجله الأكبر، خصوصاً مع إدراكه أنّ أيّ شخص مهما كانت ثقته به، من الممكن أن يتغير ويتآمر ضده في لحظة ما وتحت ضغوط ليست مستبعدة في أي مرحلة من المراحل".

من جهته، أكد مصدر خاص آخر تحدث لـ"العربي الجديد"، أنّ "فكرة التوريث غير واردة حالياً، لكنها في الوقت ذاته ليست مستبعدة، وأفضل توصيف لها أنها مؤجلة لأسباب عدة، في مقدمتها صقل نجله بالخبرات والكفاءة اللازمة، وبدراسة كافة ملفات الدولة، وتكوين دوائر مصالح تدين له بالولاء، والأهم من ذلك توفير الظهير العسكري اللازم له، عبر تمكينه من ملفات ذات علاقة بالجيش وذلك تحت أعين وبصر والده بشكل يضمن عدم معارضته، أو رفضه من جانب قيادات الجيش الكبرى"، على حدّ تعبير المصدر الذي شدّد كذلك على أنّ "فكرة التوريث تداعب أفكار الرئيس منذ توليه منصبه".

وأشار المصدر إلى أنه "من الممكن القول إنّ السيسي درس جيداً مشاريع التوريث كافة في المنطقة، وتعلّم منها، ووقف على الأخطاء التي وقع فيها الرؤساء السابقون في عدد من البلدان العربية". وشدد على أنّ "أهم ما تعلمه الرئيس هو تأمين الظهير العسكري والمباركة العسكرية لنجله، وهو ما يؤمن بأنه سيأتي مع الوقت خلال فترة توليه للحكم، على عكس جمال مبارك نجل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الذي كانت ترفضه الدوائر العسكرية، وهو ما يختلف في حالة نجل السيسي، الذي يعدّ من أصحاب الخلفية العسكرية، ثمّ انتقل لجهاز المخابرات العامة، ليكتسب على المدى البعيد نفوذاً كبيراً يصعب معه الوقوف أمامه أو منعه من الوصول لمقعد رئيس الدولة بعد ذلك".

وقال مصدر ثالث لـ"العربي الجديد"، إنّ "نجل الرئيس في الوقت الراهن، عاد بقوة ليضع يده على الملفات الداخلية الأهم، وهي الإعلام والسياسة، كما أنه يتدخل بتوصيات من رئيس جهاز المخابرات العامة الحالي اللواء عباس كامل، في الملفات الخارجية الأهم والتي تضمن له على المدى البعيد تكوين شبكة علاقات دولية، تسهّل له بعد ذلك تحيّن اللحظة الحاسمة لاكتساب اعتراف دولي به، ومباركة الخطوة المرتقبة".

وكشف المصدر أنّ نجل الرئيس بات مشاركاً بأشكال مختلفة، في مراحل اتخاذ القرارات المتعلقة بعدد من الملفات الملتهبة إقليمياً. فهو حاضر بشكل رئيسي في ملف سيناء، والعلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، وملف الفصائل الفلسطينية، كما أنه بات مشاركاً بشكل استشاري في ملف ليبيا والقبائل الليبية. كذلك، فهو حاضر في ملف العلاقات مع أميركا والتسليح، وكذا ملف سدّ النهضة، والعلاقات مع السودان، وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث إلا لشخص واحد فقط وهو رئيس الجهاز، وما دون ذلك، فإن لكل شخص ملفا يعمل عليه ومتخصص فيه.


نجل الرئيس بات مشاركاً بأشكال مختلفة، في مراحل اتخاذ القرارات المتعلقة بعدد من الملفات الملتهبة إقليمياً

واستطرد المصدر بالقول إنّ "ما تمّ على مدار عامين في جهاز المخابرات العامة عبر النزول بأعمار قيادات الصف الأول، لم يكن له سوى معنى وحيد، وهو تهيئة الساحة لنجل الرئيس حتى يكون تدرجه يبدو وكأنه منطقي"، مشيراً إلى أنّ "هذا الأمر يبدو جلياً في حالة أيمن عبد البديع، وكيل الجهاز ونائب رئيسه، والذي يعدّ صغير السن نسبياً مقارنةً بأقرانه الذين تولوا هذا الموقع".

وأوضح المصدر أنه "على الرغم من خطورة تظاهرات 20 سبتمبر/أيلول 2019، بعدما كادت أن تعصف بآمال وطموحات السيسي الأب والابن، إلا أنها ساعدت الرئيس بعد ذلك على إعادة ترتيب أوراقه، وتموضعه داخل أجهزة الدولة، بعدما كشفت له أن عدداً من الدوائر يجب التعامل معها بشكل مختلف لتحييد موقفها من نجله في الوقت الحالي، لحين تمكنه في لحظة مقبلة من التخلص منها".

وشدد المصدر على أنّ "نجل الرئيس يتم إعداده لأحد موقعين على مدى زمني بعيد، وهما إما خلافة رئيس المخابرات الحالي عباس كامل في موقعه، وإما تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، وهو الموقع الخالي حالياً، إذ ما زال السيسي على خطى الرئيس المخلوع حسني مبارك، لناحية عدم تكليف أي شخصية حتى ولو بشكل ديكوري لهذا المنصب، خشية المؤامرات، في ظلّ ما يتمتع به هذا الموقع من شرعية ونفوذ". ولفت المصدر إلى دور محمود السيسي "بتشكيل النخبة السياسية الجديدة وأحزاب المعارضة، عبر ما يعرف بتنسيقية شباب الأحزاب، إذ سيكون أعضاؤها في مرحلة لاحقة هم أساس الأحزاب"، مؤكداً أنّ "المشهد جارية تهيئته بشكل كامل وهو مخطط بإحكام شديد هذه المرة لتلافي سلبيات الماضي".