يصف كثيرون جولة الحوار النوويّة، التي تستضيفها جنيف منذ يوم الجمعة الماضي، على مستوى معاوني وزراء خارجية إيران والولايات المتحدة الأميركية، بـ"الثقيلة". وفي حين جرت الاجتماعات الثنائية السابقة بين وزيري خارجية إيران محمد جواد ظريف، ونظيره الأميركي جون كيري، اللذين وصلا إلى جنيف، أمس الأحد، إلا أنّه كان لوصول مستشار الرئيس الإيراني حسين فريدون، ورئيس هيئة الطاقة الذريّة الإيرانيّة، علي أكبر صالحي، إلى المكان ذاته، وقع آخر.
تدرك طهران أنّ المدة التي حدّدها اتفاق جنيف المؤقّت، والموقّع بين إيران والسداسيّة الدوليّة، بعدما تم تمديده مرتين، توشك على النفاد، إذ سبق وأعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنّ الأجندة الزمنيّة تستدعي التوصل إلى اتفاق سياسي خلال شهر مارس/آذار المقبل، ليبدأ بعدها البحث في التفاصيل الفنيّة والتقنية، ليصار إلى الإعلان عن الاتفاق الشامل مطلع شهر يوليو/تموز المقبل، وهو التاريخ الذي سيُعدّ اتفاق جنيف لاغياً بحلوله.
ويعني انضمام فريدون وصالحي إلى الوفد المفاوض، الذي يترأسه وزير الخارجية الإيرانية، في موازاة وصول وزير الطاقة الأميركي ارنست مونيز إلى جنيف، دخول المحادثات مرحلة أكثر جديّة. وبدأ الطرفان الإيراني والأميركي البحث حول التفاصيل التقنيّة والفنيّة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة التوصل إلى اتفاق سياسي. لكنّه يعني أن إيران تعطي محادثاتها منحى أكثر جدية، وهو ما ينقل صعوبة الأوضاع خلف أبواب جنيف المغلقة.
إقرأ أيضاً: صالحي ينضمّ للمحادثات النووية مع أميركا في جنيف
ولم يتردّد ظريف في القول لقناة "خبر" الإيرانية، إنّ المفاوضات بلغت مرحلة "حسّاسة وجديّة"، ما قد يتطلّب اتخاذ قرارات سياسيّة على أعلى المستويات، ويستدعي وجود شخصية من الرئاسة الإيرانية أولاً، ووجود صالحي المعني بتفاصيل الملف النووي الإيراني أكثر من غيره، ثانياً.
ولم يسبق لصالحي أن لعب هذا الدور، خلال تسلّمه حقيبة الخارجية، في عهد الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد، ولم يتدخّل في المحادثات النووية مع الغرب، بقيادة الأمين العام لمجلس الأمن القومي، سعيد جليلي، الذي كان يُعرف بمواقفه المتشددة إزاء الغرب، لكنه اليوم موجود في جنيف بصفته عضواً وخبيراً في التفاصيل الفنية لبرنامج طهران النووي.
خلاف فني وتقني
وفي وقت يُعدّ فيه الخلاف الرئيسي بين إيران ودول السداسية، فنياً وتقنياً، إلى جانب الخلاف السياسي، يبدو أنّ وجود صالحي بات ضرورياً، بعدما أثبتت إيران للعالم أنّها غيّرت خطاب سياستها الخارجية بعد ثماني سنوات من التشدّد خلال حكم نجاد. وجاء تسليم الملف النووي إلى الخارجيّة الإيرانيّة، مع تولي حسن روحاني الرئاسة قبل أكثر من عام، بهدف خلق تصوّر، مفاده أنّ إيران تتبنّى الخطاب الدبلوماسي المعتدل وتريد التوصل إلى اتفاق، وهو ما حدث خلال الأشهر الماضية.
إقرأ أيضاً: طهران: تقرير"الذرية" الجديد "مكرر"
ويتعلّق الخلاف الراهن، وفق ظريف، بعدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها إيران ويصرّ الغرب على تخفيضها أو تعطيل قسم كبير منها، فضلاً عن الخلاف على نسبة تخصيب اليورانيوم وكميته وآلية عمل مفاعل آراك، المُصمّم ليعمل بالماء الثقيل، ما يعني قدرته على إنتاج البلوتونيوم.
وتسمح كميات صغيرة من هذه المادة لإيران بامتلاك سلاح نووي كما يقول الغرب. وهنا تبرز نقطة الخلاف، إذ تصّر دول الغرب على تبديل قلب المفاعل ليعمل بالماء الخفيف، ويستدعي ذلك، بطبيعة الحال، وجود صالحي كما قال ظريف. وفي هذا السياق، يرجّح محللون أنّ إيران ترغب في إعطاء بعد آخر لمحادثاتها هذه، مستندين إلى إشارة نائب وزير الخارجية الإيرانية، وعضو الوفد المفاوض، عباس عراقجي، إلى أنّ بلاده تبحث عن التجديد وإعطاء المفاوضات منحى أكثر جديّة.
اتفاق شامل
ويتزامن الحديث عن التجديد مع تكرار تصريحات إيرانية تؤكد ضرورة توقيع اتفاق شامل ودقيق ومن مرحلة واحدة، وهو ما أعرب عنه المرشد الأعلى علي خامنئي أخيراً، والذي لم يرفض التفاوض النووي الثنائي مع الولايات المتحدة علناً، لكنّه جزم بعدم قبول أي اتفاق ما لم يتحل بتلك المواصفات الشاملة والدقيقة.
ورغم الانتقادات الحادة الموجهة من قبل المحافظين المتشددين في الداخل الإيراني للوفد المفاوض الذي يكرر اجتماعاته مع الوفد الأميركي، إلا أنّ هؤلاء انشغلوا أخيراً بتصريحات المرشد، وأكدوا عليها، رغم تكرارهم لعدم وثوقهم في الغرب عموماً، والولايات المتحدة تحديداً.
وفي سياق متّصل، يشدّد عضو الهيئة الرئاسية في البرلمان الإيراني، محمد دهقان، على أنّ التمديد مرفوض، وأي اتفاق مرحلي يعني عدم إلغاء العقوبات، كما يعني تعليق التخصيب بنسبة عالية في المقابل، ما يعني إيقاف عجلة التطور العلمي والنووي للبلاد، واستمرار إرهاق الاقتصاد، حسب رأيه.
ويعمل الطرف الأميركي جاهداً على تحقيق هذه الأمور، وفق ما نقلته وكالة أنباء "مهر" الإيرانية عن دهقان، الذي يرى أنّ "واشنطن تفضل المماطلة والوصول إلى أهدافها المعادية لإيران، بدلاً من توقيع اتفاق شامل يحلّ هذه الأزمة".
من جهته، يعتبر المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية، حسين نقوي، أنّ الشرط الأساس للتوصّل إلى اتفاق هو امتلاك إرادة سياسيّة حقيقيّة، معتبراً أنّ الغرب لا يتحلى بهذا الأمر. ويبدي عدم تفاؤله من السياسة الغربيّة إزاء إيران، لافتاً إلى أنّ بلاده تحدثت بوضوح عن شروطها وخطوطها الحمراء، ولن ترضى إلا باتفاق شامل وواضح المعالم، يلغي العقوبات ويسمح باحتفاظ إيران بحقوقها النووية المشروعة.
وتبدو المهمة صعبة على الوفد المفاوض، الذي قرر اتباع سياسة الاجتماعات الثنائية مع ممثلي السداسية، وخصوصاً الوفد الأميركي. تدرك طهران أنّ واشنطن لاعب أساسي على طاولة الحوار النووي، وتستطيع لعب دور إذا ما حاولت طهران تقليل التوتر معها.
في المقابل، تفيد المعطيات الحالية بمدى تعقيد الوضع على الطاولة، وبات أمام الوفد المفاوض خيار تكثيف الاجتماعات وإعطائها طابعاً أكثر جدية. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق، تكون إيران بهذه الحالة قد قامت بما عليها، على الأقل أمام المجتمع الدولي، وهو ما تهدف إليه السياسة الخارجية الإيرانية الحالية.