ساري ربايعة، شاب يبلغ من العمر 27 عامًا، هو واحدٌ من القليلين الذين يرفضون محدودية المجالات المتاحة أمامهم داخل قطاع غزّة رغم إعاقته، يُحاول المشاركة في كل الأنشطة المجتمعية والقضايا السياسية، حيث ينتمي ساري لبلدة بئر السبع المحتلّة في منطقة الكرامة بالقطاع، ويلقبه مغنُّو "الراب" في فلسطين بـ"الانفصام"، لأنه لا يتقيّد بأيّ نوع من الموسيقى.
بدايته معاناة مع المرض، كانت عندما أُصيب بثلاث طلقات في عامه السادس عشر، في كانون الثاني/ يناير عام 2006، لكن الطلقات اختارت أماكن أعجزته عن الحراك، الأولى إلى جانب عضلة القلب، أدّت إلى كسر في القفص الصدري، والثانية بالبطن تسببت في استئصال إحدى كليتيه كليًا، وجزء من الكلية الأخرى، أما الطلقة الثالثة فأدّت إلى كسر في فقرتين من العمود الفقري أصابه بالشلل وأقعده.
منذ عام 2006، لم يتوصّل الشاب ساري لأي نتيجة أو تحسن بسيط في رحلته العلاجية. "لأنه ليس ابن مسؤول ولا يملك الواسطة القويّة" كما يقول، وهو بحاجة لمبلغ 125 ألف يورو، بعد أن وافق الأطباء الألمان على إجراء عملية له، وتأكيدهم له على نجاحها بنسبة كبيرة، تمكّنه من العودة للمشي مجدّدًا، لكن بالطبع تدبّر هذا المبلغ مستحيل بالنسبة له، وفي كل مرّة كان يُرسل ملفّه الصحي إلى مكتب الرئاسة الفلسطينية يُقابل بالرفض، لارتفاع تكلفة العلاج.
قضى ساري بعد إصابته عامًا كاملا في عزلته، واكتشف قدراته بعد أن سمع أغاني "الراب" لأوّل مرّة سنة 2007، وبدأ بتعلّم كتابة كلماتها، حيث جذبه إليها "خروجها عن النمط التقليدي في الغناء، ومناقشتها الواقع بأسلوب نقدي".
كانت أغنية "طرح سياسة"، أولى الأغاني التي طرحها، تتطرّق إلى انتهاك الحرّيات من قبل الحكومة في غزة آنذاك، ويتحدّث عن المواطن المقموع والممنوع من حرية الرأي والتعبير.
غنّى ساري "سيمفونية وطن"، وتحدّث فيها عن الوضع الفلسطيني وانقسام الحكومات بين غزّة والضفة الغربية، وكيف أنهم جميعًا يقفون كطرف في مواجهة الاحتلال، وانعكاسات ذلك على المجتمع، خصوصًا النساء والأطفال الذين احترقوا بسبب الشموع وغياب الكهرباء في غزة، إضافة إلى تطرقه للمفاوضات غير المجدية. وتبعتها أغنية "أنا تايه"، التي عبّرت عن شخصية ساري، وهو يسائل فيها نفسه بأنه لا يعرف إلى أي جهة ينتمي، وما هي مكانته في المجتمع.
أما أغنية "القيادة بخير"، فكانت واحدة من الاغاني التي انتقد فيها الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون، خصوصًا من جانب التفضيل في الخدمات العامة، والتسهيلات التي يحصل عليها أبناء المسؤولين على حساب الفئة التي بحاجة لتلك الخدمات، وعرض فيها الواقع الذي يمرّ به وهو ينتظر العلاج في الخارج دون جدوى.
يقول ساري في حديث إلى "جيل": "لو أنا ابن وزير لما انتظرت 11 عامًا منذ إصابتي، لقد تعبت وتعذّبت خلال هذه السنوات، في هذه الحالة وصلت إلى حقيقة مؤسفة في مجتمعنا الفلسطيني، وهي أنه من لا يملك الواسطة لا يمكن أن يعيش في بلدي، والدليل واضح، فهل نجد ابن قيادي بحاجة لخدمة ما، أو يلتزم كأي مواطن في انتظار خدمته طبعًا لا، والجواب أيضًا موجود عند السياسيين والقيادات".
بعد أن كان طموح ساري إظهار قضية وطنه في كل الجوانب عبر أغاني "الراب"، الآن وبعد كل ما تعرّض له، تغير طموحه وتوجّهاته، حيث يضيف: "مع الوقت تغيّرت رؤيتي للواقع، حين وجدت أشخاصًا أعتبر أنهم تسبّبوا في انحدار الاهداف الوطنية لنا، وكيف وصلنا إلى حالة نفتقد فيها لأبسط الحقوق، هنا شعرت أن بلدي تحوّل لمستنقع أريد الخروج منه".
يعتمد ساري في تغطية تكاليف أعماله الغنائية، على راتبه الذي يحصل عليه من السلطة الفلسطينية، تحت مخصّصات رواتب الجرحى غير القادرين على العمل، ويقوم باستقطاع جزءٍ من راتبه كل شهر، حتى ينتج عملًا كل ثلاثة أشهر، ويقضي فترات فراغه في كتابة الأغاني.
شارك ساري في ديو مع مغني "راب" فرنسي اسمه مانز، في أغنية " les etres tombent" بالفرنسية والعربية، انتقد فيها ساري من جانب سياسي، الوضع الفلسطيني وتحدّث عن افتقاده للإيمان بالقضية الفلسطينية بفعل السياسيين والانقسام، أما مانز فتحدّث عن الحروب التي تصيب البلد والدمار والاستيطان وحقوق الإنسان على الأراضي الفلسطينية.
الحالة التي يعيشها ساري، تطرق لها فيلم وثائقي فرنسي يحاكي وضع الموسيقى في فلسطين، وحب بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة للموسيقى رغم كل التحديّات والعمل على تطويرها من منظورهم. فضلُا عن مشاركته في أغنية وفيديو كليب "اليوم بدنا نغني" مع فريق زقاق، وهي إحدى الأغاني التي لاقت رواجًا كبيرًا على الصعيد المحلّي والدولي باللغة العربية والإنكليزية، وجمعت مغني "الراب" في قطاع غزة.