لم تغب مدينة طرابلس شمالي لبنان عن الواقع الثقافي العام في لبنان، وإن غيّبت الحرب الأهلية اللبنانية أبرز دور السينما فيها كالـ"روكسي"، "كولورادو"، "لو كابيتول"، و"ريفولي" التي استقبلت رواد الفن السابع في عاصمة الشمال اللبناني حتى اندلاع الحرب.
أقفلت الدور أبوابها على وقع جولات القتال المتعددة التي شهدتها المدينة، ولم تفتح بعد انتهائها. ثم فرضت الأحداث الأمنية وجولات الاشتباكات المتكررة بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة التي استمرت بين أعوام 2011 و2014 جواً مشحوناً، غيّب الثقافة والفن. اختزلت نشرات الأخبار وعناوين الصحف المدينة الكبيرة بالمنطقتين المذكورتين فظهرت بوجه عبوس، لا يتابع سوى الاشتباكات والتفجيرات التي ضربت المدينة عام 2013.
كادت هذه الأحداث أن تطيح محاولة جمعية "مهرجان طرابلس للأفلام" لإطلاق مهرجان للأفلام خاص بالمدينة. فتم تأخير موعد النسخة الأولى من المهرجان إلى ربيع 2014 "حتى يتسنّى للمدينة تجاوز التفجيرات التي استهدفت مسجدي السلام والتقوى في أغسطس/آب 2013"، كما يشير منظم المهرجان إلياس خلاط في حديثه إلى "العربي الجديد".
يشرف خلاط اليوم على إطلاق النسخة الثانية من المهرجان نهاية شهر أبريل/نيسان المقبل، بعد استكمال التحضيرات الفنية واللوجستية اللازمة "لاستكمال حملة المقاومة الثقافية التي سنحتل بها العالم!". هكذا يصف خلاط المهرجان الذي استقبل 178 فيلماً من 40 بلداً عربياً وأجنبياً للتنافس ضمن خمسة فئات هي: أفلام الأنيميْشن القصيرة، الروائية القصيرة، الروائية الطويلة، الوثائقية القصيرة، والوثائقية الطويلة، على جائزة "السعفة وورقة الليمون". قبلت لجنة الاختيار 39 فيلماً، (6 روائي طويل، 19 روائي قصير، 5 وثائقي طويل، 4 وثائقي قصير، و5 أنيميْشن).
وسجّل المهرجان هذا العام تضاعف عدد الأفلام التي تقدمت للمشاركة، يشير خلاط. "استقبلنا هذه السنة 178 طلب مشاركة، بينما استقبلنا العام الماضي 54 طلباً، كما استحدثنا فئة الأفلام الروائية الطويلة في دائرة التنافس أسوة بباقي المهرجات العالمية. وقد ساهم وضع مدينة طرابلس الأمني والسياسي إضافة إلى حداثة المهرجان في جذب عدد من المخرجين الشباب الذين وجدوا في المهرجان فكرة اكزوتيكية حمّستهم للمشاركة".
يلفت خلاط إلى مضاعفة ميزانية المهرجان "التي لم تكف هذا العام لتغطية تكاليف استقبال المخرجين المشاركين، فاقتصرت دعوات الحضور على المخرجين المقيمين في دول الجوار". وقد حالت الأوضاع الأمنية العام الماضي دون إمكانية توجيه دعوات لمخرجي الأفلام في المهرجان الأول. كما منعت الأحداث الأمنية المخرجين اللبنانيين من تصوير أعمالهم في شوارعها، فابتعدت المدينة عن الخريطة الثقافية والفنية اللبنانية.
شكّل عدد الأفلام الكبير عائقاً في المرحلة الأولى من الإعداد، "وضاعفت البنية التحتية السيئة في طرابلس تحديداً ولبنان عموماً المشكلة، إذ حال بطء خدمة الإنترنت وضعف خدمة البريد دون وصول عدد من الأفلام قبل تاريخ توقّف الاستقبال. كما يقتصر عدد صالات العرض على اثنتين في مركز الصفدي الثقافي وفي مركز العزم، وذلك بسبب عدم توافر صالات السينما المؤهلة لاستضافة مهرجانات أفلام".
ويعمل المنظمون على توزيع ساعات العرض بين فقرات صباحية ومسائية "في محاولة لاستقطاب شرائح متعددة من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات وكبار السن"، بحسب خلاط. ولتحقيق هذا الهدف، يؤمن المهرجان مواصلات لنقل طلاب الجامعات من المدن اللبنانية إلى طرابلس لحضور العروض بما يتناسب مع دوامات التدريس.
فريق عمل طرابلسي
شجّع عدد الحضور خلال العام الماضي فريق العمل في المهرجان على مواصلة الجهد لتطويره. ويشير خلاط إلى أنّه "رغم عدد الحضور القليل الذي لم يتجاوز الـ70 مشاهداً في كل عرض العام الماضي، إلّا أن فريق العمل لمس العطش الشديد الذي يعاني منه سكان المدينة للنشاطات الثقافية". ويتألف فريق العمل من عدد من الشخصيات الثقافية والفنية والإعلامية الطرابلسية التي تتولى تنظيم المهرجان، ويرأس المخرج الطرابلسي جورج نصر المهرجان فخرياً.
تتألف لجنة التحكيم من رئيس لجنة السينما في وزارة الثقافة اللبنانية عصام قلاوون، الأستاذ الجامعي حسام خياط، والناقد والمخرج جان رطل، ورئيس المركز الثقافي الفرنسي في المدينة إيتان لويس. ويحاول القيمون توسيع اللجان قبل المهرجان الآتي لتضم متخصصين لبنانيين من مختلف المناطق.
فيلمان للافتتاح والتكريم
ينطلق المهرجان في 30 أبريل/نيسان المقبل ويستمر لغاية 7 مايو/أيار، ويتخلل حفل الافتتاح عرض فيلم الأنيميْشن القصير Aubade، للمخرج الإيطالي كارارو مورو، والفيلم الروائي القصير Revotango للمخرج اللبناني إيلي كمال. كما يكرّم المهرجان في اليوم الثاني أبطال الفيلم الروائي اللبناني الطويل "يلّا عقبالكن"، من إخراج اللبناني إيلي خليفة.
وتحدّث "العربي الجديد" إلى المخرج إيلي كمال الذي أشار إلى أهمية مهرجان طرابلس للأفلام، "لأنّه، وكما كل نشاط ثقافي، ستثير الأفكار المطروحة مجموعة تساؤلات في أذهان الحاضرين، وتشكل هذه الأفكار مقدمة لتغيير الواقع المحيط بهم". ويأمل كمال أن ينجح المهرجان في "إعادة النفس الثقافي للمدينة العريقة بعيداً عن أجواء التطرف والتعصب".
يعالج كمال في فيلمه الذي شارك في عدة مهرجانات دولية قضية الثورات العربية، ويقدّمها في إطار راقص. يأمل المنظمون أن تستقر الأوضاع الأمنية واللوجستية في المدينة ليكتمل المهرجان شكلاً ومضموناً. ويخشى هؤلاء إرسال الجائزة بالبريد للفائزين بسبب الأحداث الأمنية والسياسية في المدينة.