مع زميلنا عماد حجّاج

27 اغسطس 2020
+ الخط -

اتهام الادعاء العام في الأردن الزميل عماد حجّاج بالإساءة إلى صفو العلاقات مع دولةٍ شقيقة مفاجئٌ لنا في "العربي الجديد"، كما إحالته إلى محكمة أمن الدولة، مع توقيفه، بعد أن اعترضته دورية شرطة في الشارع. وأول أسباب المفاجأة والاستهجان، أنه ليس متوقّعا، في أي حال، أن تتعكّر العلاقات الصافية بين الأردن والإمارات بسبب رسم كاريكاتيري ناقدٍ ساخر. ولا يصدر استغرابنا هذا القرار فقط عن قناعتنا بأن الإجراء، الأمني الطابع، الذي سلكته السلطات الأردنية مع الزميل حجّاج، يضرب حرية التعبير عن الرأي التي يكفلها الدستور الأردني، وإنما أيضا لأنه قرارٌ سيخصم بلا شك من سمعة الأردن، على المستوى الحقوقي، ومن رصيده، وهو ما لا نتمنّاه أبدا له، وما لا يرضينا. وقناعتنا المؤكّدة، كما غيرنا، أن الإجراء المعلن من الادعاء العام مسيّس، ولم يأخذ بالشفافية التي كنا نأملها، سيما وأن الدولة الأردنية أنجزت لنفسها رصيدا طيبا في مساحات المكاشفة والانفتاح الإعلامي، ومنجزا حسنا في حال حقوق الإنسان.
وبشأن الزميل حجّاج الذي نعتزّ بالتضامن الواسع معه، الذي أبداه زملاء كثيرون من أهل الصحافة والإعلام والثقافة في الأردن، وكذا في غير بلد عربي وأجنبي، لمّا انتسب إلى "العربي الجديد"، رئيسا لقسم الكاريكاتير، منذ تأسيسها موقعا إلكترونيا وصحيفة في مطالع العام 2014، أراد مساحة أرحب لريشته الساخرة، الناقمة، الساخطة، والتي نجحت في أن تكون، منذ نحو أزيد من عقدين، واحدةً من عناوين الاحتجاج الشعبي، في الأردن، ثم عربيا، بالكاريكاتير، باعتباره فنّا أولا وأخيرا، على كل ما هو مضادّ لكرامة الإنسان العربي، ولحقوقه وحرّيته وإنسانيته، بالموازاة مع انشغالٍ بقضايا الأمة، وفي المقدّمة منها فلسطين، فظلت رسوم حجّاج، منذ بواكيره الأولى، قبيل التحاقه بصحيفة الرأي الأردنية في 1992، لا يلتبس فيها القُطري، المحلي الأردني، بالعربي العام، وإنما يتآخيان ويترابطان. ولا نتجاوز في القول، هنا، إن جمهور منبرنا، في موعده اليومي، طوال السنوات الست الماضية، مع رسم عماد حجّاج أقام صداقةً، بل صحبةً، مع زميلنا المشهود له بيسر التباسط معه. ونظنّها، هذه الصحبة، موصولةً بالمحبة الواسعة التي يزجيها الأردنيون لفنانهم الذي واظب، بروحٍ باسمة، التعبير عن ضيقهم من هذا القرار الحكومي وذاك، وعن تبرّمهم في غير شأن يتصل بعيشهم اليومي، وحياتهم وتفاصيلها. وظل حجّاج في هذا كله فنانا شعبيا، من دون أن يتسامح مع شروط الرسم، باعتباره جنسا إبداعيا، كما غيره من فنون الفرجة. وقبل هذا وبعده، دأب على مزاولته قناعته بأن أولى مهمّات الفنان أن يحتج.. ولا شطط في الزعم إن عماد حجّاج، منذ أولى رسوماته في صحيفة أردنية أسبوعية وصولا إلى رسمه أمس في "العربي الجديد"، حافظ على خياره هذا، واستحقّ أن يوصف بأنه واحدٌ من أعلام ثقافة الاحتجاج في الفضاء الإعلامي العربي. ولعل واحدةً مما نعتز به أنه أتيح له، في رئاسته قسم الكاريكاتير، استضاف، لدينا، موقعا وصحيفة، أعمالا كاريكاتيرية لرسّامين عرب وأجانب، بينهم مشاهير محترفون، أضافوا الكثير إلى رصيدنا، جماليا وثقافيا وفنيا.  
وأن تعترض دورية شرطة زميلنا، وتقتاده إلى مركز احتجاز أمني، كما لو أنه أقدم على جريمةٍ، لا سمح الله، فإننا نقدر أن هذا لا يستقيم مع الإجراءات التي تكفل أصول التقاضي والشكاية. ولا نفتئت، في "العربي الجديد" على أحد، ومع كل احترامٍ لمؤسسات الدولة الأردنية، عندما نُشهر هنا أن ما تردّد عن شكوى من وزير الداخلية الأردني على الفنان المعروف إنما هي ذات غرض سياسي، بالنظر إلى اقترانها برسمٍ معين ينتقد تطبيع دولة الإمارات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وإننا نعجب من أن زميلنا رسم أكثر من مرّة، في "العربي الجديد"، وفي غيرها سابقا، رسومات ناقدة وساخرة من رؤساء حكومات أردنية، ومسؤولين أردنيين، ولم يحدُث أن بحثت عنه سيارة شرطة في الشوارع، ليتم توقيفه تاليا. وحدث مئات المرّات أن رسم زميلنا ما انتقد به مسؤولين عربا عديدين، لكن السلطات الأردنية لم تأخذه إلى الادّعاء العام.
ولأن هذا هو الحال في شأن ما استجدّ مع زميلنا، الفائز مرّتين بجائزة الصحافة العربية التي يرعاها نادي دبي للصحافة، فإننا نرجّح، إلى حد التأكيد، أن سلطات دولة الإمارات مارست ضغوطا على الحكومة الأردنية، بغرض معاقبة حجّاج الذي كان من طبيعيّ الأمور، وانسجاما مع موقفه ومبادئه وسيرته المهنية، أن يناهض، بكل ألوان السخرية والحنق والغضب، ممارسات التطبيع الشائنة التي ترتكبها أبوظبي، قبل الإعلان الرسمي أخيرا عن التحالف بينها وبين إسرائيل وبعده. وإذا كان الظن لدى من نشطوا في الفضاء الرقمي، منذ أيام، في التحريض ضد حجّاج، أن هذا سيثنيه عن خياره الوطني، وعن انحيازه الجمالي إلى الحق والعدالة، وإلى فلسطين والأردن والأمة، فإنهم واهمون. ونجدنا مضطرّين، هنا، في هذا الموضع، إلى التأشير إلى ما تردّد عن تدخل إماراتي جرى في اتصالاتٍ رسمية بشأن "ريتويت" قام به الأمير علي بن الحسين. والبادي، في هذا التدخل إن صح، وكذا في الضغوط بشأن حجّاج، والأرجح أنها صحيحة، أن أبوظبي تتمادى، والأدْعى أن يُطلب منها أن ترعوي. 
حدث في العام 2002 أن صحيفة الرأي الأردنية أنهت خدمات عماد حجّاج، بعد نحو عشر سنوات من عمله فيها رسام الكاريكاتير الأول، بعد احتجاج شركةٍ على رسمٍ نشره يخصّها. وكانت تلك واحدة من وقائع تتالت لاحقا معه بخصوص الرقابة على إبداعاته، في غير منبر. وليست منسيةً هجمة منظمتين صهيونيتين في نيويورك عليه في العام 2012.. أما لمّا أرسى أشرعته في "العربي الجديد" فإنما ليحرز المساحة التي أرادها والتي نريدها لنا.
    

دلالات
المساهمون