معهد الدوحة يناقش نزع المركزية عن الدراسات الأميركية بعد الربيع العربي

08 يناير 2018
مؤتمر"نزع المركزية عن الدراسات الأميركية"بمعهد الدوحة (معتصم الناصر)
+ الخط -
انطلقت، اليوم الإثنين، بمعهد الدوحة للدراسات العليا، فعاليات مؤتمر بحثي بعنوان "من ميدان التحرير (القاهرة) إلى حديقة زوكوتي (نيويورك): الربيع العربي ونزع المركزية عن الدراسات الأميركية"؛ والذي يستمر حتى 11 يناير/كانون الثاني الجاري، بمشاركة 35 باحثا وأكاديميا من جامعات أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا وأفريقيا، وبحضور ممثلين عن جمعية الدراسات الأميركية.


وفي كلمة الافتتاح، أكد منسق المؤتمر أستاذ الدراسات الأميركية بمعهد الدوحة، عيد محمد، أن "الحضور المتنامي للولايات المتحدة على الصعيد الدولي يعزز ضرورة النظر خارج حدودها، ودراسة صورتها في أعين أولئك الذين يشهدون الأثر الكبير لقوتها الثقافية والاقتصادية على حياتهم، إذ يمكن أن يسهم ذلك في مساعدة الباحثين على فهم الداخل الأميركي، كون الولايات المتحدة نقطة التقاء المهاجرين من جميع أنحاء العالم، حيث تتلاقى الأفكار والثقافات التي أسهمت في تكوين الأميركيين، ولا تزال تؤثر فيهم".

وأضاف المنسق "لا بد من أن تتحول الولايات المتحدة من استثناء إلى متغير، وهو ما يستتبع طريقة جديدة للنظر إلى الأحداث الأميركية كمتغيرات في ظل التطورات الدولية. أحد الأمثلة على ذلك هو التراوح في تحديد الهوية الأميركية بين ربطها بمجموعة من القيم غير العرقية وبين استنادها إلى التاريخ الأوروبي".

وأشار منسق المؤتمر، إلى أنه "يمكن رؤية الخطاب حول الإدماج والإقصاء الإثني/العرقي كجزء من الخطاب المنتشر في مناطق مختلفة في أنحاء العالم، ومن ثم النظر في التعددية الثقافية المحلية في أميركا وارتباطاتها بالتنوع العالمي. علاوة على أن الهجرة إلى أميركا، والسياسات الجديدة لإدارة ترامب، تستتبع تفاعلات معقدة بين الهويات القومية؛ لذلك ترتكز عملية إعادة تشكيل حقل الدراسات الأميركية من داخل العالم العربي على إعادة تكوين صورة العرب والمسلمين في الفضاء العام الأميركي".

وشمل برنامج الجلسة الافتتاحية للمؤتمر محاضرة للمفكر العربي عزمي بشارة، رئيس مجلس الأمناء في معهد الدوحة للدراسات العليا، بعنوان "الحضور الطاغي لأميركا وغياب الدراسات الأميركية "، ألقاها نيابة عنه رئيس معهد الدوحة بالوكالة، ياسر سليمان معالي.

وأكد بشارة أنه "رغم سيطرة الولايات المتحدة على المشهد السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي في منطقتنا العربية، فإن الدراسات الأميركية لم تأخذ مكانتها المستحقة في أجندة البحث العربية"، مضيفا أن "ما يثيره هذا الحضور الأميركي الطاغي من هواجس وردود أفعال متضاربة، لا يبقى معها حيز لتحليل هادئ للسياسة الخارجية الأميركية مبني على فهم نقدي للسياسات الداخلية للولايات المتحدة ذاتها".

واستعرض محطات نشأة "الدراسات الأميركية" التي أخذت مكانتها في الدراسات الأكاديمية في ثلاثينيات القرن الماضي مع إدراج موضوع "الحضارة الأميركية" ضمن مقررات جامعة هارفرد. لكنها ظهرت قبل ذلك في كتابات باحثين ودارسين، أقدمها كتاب "الديمقراطية في أميركا" لأليكسيس دو توكفيل، في منتصف القرن التاسع عشر، في حين عرف التخصص اهتماما أكبر بعد الحرب العالمية الثانية وفي ظل الحرب الباردة.

ويرى بشارة أن "الولايات المتحدة تبقى الدولة صاحبة أهم أدوات الإنتاج وأكثرها تطورا؛ ليس لإنتاج السلع والتكنولوجيا فحسب، ولكن أيضا إنتاج الصور والمعاني والرموز الثقافية، ولفهم هذا الاستحواذ الأميركي على نحو نقدي تحليلي، وجب علينا البحث عن علاقات القوة والهيمنة السياسية والاقتصادية والأيديولوجية التي تقف وراءه".
وعرجت الكلمة على الانقسام الثقافي-السياسي الذي رافق فوز دونالد ترامب بالرئاسة، مشيرة إلى أهمية دراسة الولايات المتحدة من الداخل، في نطاق الثقافة السياسية الأميركية والصراعات الثقافية الداخلية التي هي أهم أكاديميا مما يسمى "صدام الحضارات".

وحول الاستقطاب الذي حدث في العالم العربي والعالم الثالث عموما تجاه الهيمنة الأميركية، يشير بشارة إلى أن "القوميين في العالم العربي وتركيا وإيران تعاملوا بنوع من الإيجابية في دراسة الولايات المتحدة، فرحبوا بنوع من الإعجاب بالمبادئ الأميركية بوصفها دولة الحريات. في المقابل، ترى النظرة السلبية تجاه الولايات المتحدة، أن ثمة إمبريالية أميركية نشأت بعد الحرب العالمية الثانية لتحل محل الاستعمار الفرنسي والإنكليزي في أفريقيا وآسيا".

ويتابع "أنتج هذا التوجه الذي مزج بين الشعور الوطني وأجواء الحرب الباردة، أدبيات مضادة لأميركا، خصوصا مع صعود الحركات الإسلامية في سبعينيات القرن العشرين، والذي بلغ ذروته مع شيطنة الثورة الإيرانية لأميركا، كما شكل تورط الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان بعد تفجيرات 2001، وكذا دورها في الثورات العربية لاحقا، علامات جديدة في إذكاء خطاب الكراهية ضدها".

وأشار بشارة إلى موجة داخلية جديدة من الدراسات الأميركية المعارضة لتوجهات الولايات المتحدة، والتي يمثلها على وجه الخصوص ناعوم تشومسكي، وغور فيدال، وريشارد فولك، وستانلي هوفمان وغيرهم. وقد أخذت بعض الدراسات الأميركية في المنطقة العربية هؤلاء كمرجعيات في نقد النموذج الأميركي، كما استخدم الإسلاميون أفكار هؤلاء لشحن الرأي العام ضد أميركا، على اعتبار أن مصداقية الباحثين الأميركيين أكبر.



وأوضح أن "الدراسات الأميركية" بأدبياتها وتراثها إنما تحيل إلى مجال بحثي متعدد التخصصات تشمل علم الاجتماع والدراسات الثقافية والأنثروبولوجيا وعلم السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والدراسات الإعلامية وغيرها، ولكنه ينبه إلى أن الغرب لم يشأ أن يصنف "الدراسات الأميركية" ضمن توجه "دراسات المناطق"، التي أنشأها الغرب نفسه لدراسة المجتمعات الأخرى بهدف التحكم والهيمنة، ولكنه يرفض تطبيق هذا المسعى على المجتمعات الغربية.

ويذهب عزمي بشارة إلى أن "الباحث غير الأميركي، سيفضل دراسة الولايات المتحدة بالطريقة ذاتها التي تدرس بها أميركا والغرب المجتمعات الأخرى، ولكن هذه الرغبة لدى الباحثين غير الأميركيين ستصطدم أساسا بعدم رغبة أنظمة الدول التي ينتمون إليها، ورفضها تمويل دراسة الولايات المتحدة ضمن نطاق دراسات المناطق لأنه ليس لديها أي طموح في تحقيق الأهداف التي نشأ من أجلها هذا النوع من الدراسات، فهذه الأنظمة تسعى إلى كسب رضى واشنطن عبر إثبات أنها حليف جيد يجب الحفاظ عليه وحمايته من المخاطر الداخلية والخارجية".

وضمت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر كلمات لكل من: رئيس معهد الدوحة بالوكالة، ياسر سليمان معالي، ورئيسة جمعية الدراسات الأميركية، كانديس تشو، وعميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بالمعهد، عبد الوهاب الأفندي، وعميد كلية إليوت للدراسات الدولية بجامعة جورج واشنطن، روبن بريغتي.
ويعقد المؤتمر غدا جلسة نقاشية بعنوان "المخيالات السياسية: قضايا الاستشراق"، تناقش أوراقاً بحثية حول "الاستشراق الأميركي" و"القرن الآسيوي"، تلقيها كانديس تشو، رئيسة جمعية الدراسات الأميركية، و"سِيَر الإسلاموفوبيا الأميركية العابرة للحدود الوطنية" لكارين فالتر، من جامعة جورج تاون قطر، وورقة بعنوان "ما وراء الحدود: أدبيات الترحال الأميركية حول منطقة المتوسط" لكريم بيجيت، من جامعة عبد الملك السعدي بالمغرب، و"العرب والولايات المتحدة: تصورات وتقييمات" لإسراء بطاينة، من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

كما تُعقد جلسة نقاشية بعنوان "الحدود وما وراءها: الخيال للدراسات الأميركية"، وجلسة بعنوان "قوة الولايات المتحدة: من أين وإلى أين؟".