تحتفظ المعمرة الفلسطينية زينب قحمان، من بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، بذكريات حياتها التي تجاوزت 111 سنة، وتحرص على أن تروي لأحفادها حكايات الماضي بشكل شبه يومي. يتجمع أقارب قحمان حولها لسماع القصص والحكايات حول شكل الحياة وطبيعتها قبل الاحتلال وبعده، وحجم الصعوبات التي كانت عليها مقارنة بالعصر الحالي.
تبدو تجاعيد وجه المعمرة الفلسطينية ويديها شاهدة على ما عايشته، وعلى قسوة الحياة، وساعات العمل الطويلة التي تبدأ عند الفجر، وتنتهي عند مغيب الشمس، وإلى جانب الحكايات، لا تزال ذاكرتها ممتلئة بكثير من الأشعار والأمثال الشعبية التي توارثتها عن أمها وجداتها، والتي يشتهر بها كبار السن الفلسطينيون.
تشير البطاقة الشخصية للسيدة زينب قحمان إلى أنها من مواليد عام 1912، وهي الفترة التي بدأ بها تسجيل سنوات الميلاد، وهي تحظي باهتمام أقاربها وأحفادها الذين يتجاوز عددهم 150 شخصا، فقد أنجبت 7 من الأبناء، 4 ذكور و3 إناث، وهي تسرد الحكايات يومياً بصحبة نجلها البالغ 85 سنة، كما تتواصل عبر الهاتف مع نجلها الأصغر المقيم في الإمارات.
وتقول الجدة قحمان لـ "العربي الجديد"، إن "الحياة قديماً كانت قاسية للغاية مقارنة بالوقت الراهن، وكان الجميع رجالاً ونساءً يعملون في مجال الزراعة من أجل توفير لقمة العيش"، وتؤكد أنها شاركت على مدار سنوات طويلة في زراعة القمح والشعير في أرض عائلتها، وبعد جمع المحصول كانت تتوجه به نحو مدينة بيت حانون لتحويله إلى دقيق بمطحنة وحيدة كانت هناك.
وأضافت: "لم تكن عملية البيع والشراء رائجة مثلما هو الحال اليوم، وكانت المحاصيل والأراضي مصدرا أساسيا لرزق أغلب العائلات، والتي يعمل جميعها في مجال الزراعة. كنا نغادر منازلنا بعد صلاة الفجر نحو الأراضي في يوم عمل جديد، وكانت الحياة صعبة، غير أن الجميع كانوا يتشاركون في إنجاز العمل اليومي، والنساء إلى جانب الرجال".
ومن بين حكاياتها أن البنية التحتية في مدن قطاع غزة كانت محدودة للغاية، إذ كان في كل مدينة مطحنة وحيدة، ومخبز واحد، وكانوا يعتمدون في الإنارة على السراج الذي يعمل بفتيل من القماش المغموس بالزيت.
وعن شكل البيوت قديما، تبين قحمان أن "المنازل كانت من الطين، وتصطف إلى جانب بعضها البعض، ولا وجود لخدمات مثل المياه والكهرباء، ثم تطورت المنازل لتدمج الحجارة بألواح الصفيح، ثم تطورت مجددا إلى الشكل الحالي".
ومن بين الذكريات التي تحتفظ بها المعمرة الفلسطينية ما جرى خلال حقبة الاحتلال البريطاني لفلسطين، والاحتلال الإسرائيلي، وتشير إلى أن البريطانيين كانوا يتواجدون في مناطق مفتوحة في بيت لاهيا بعيداً عن منازل المواطنين، أما حقبة الاحتلال الإسرائيلي فكانت مختلفة نتيجة لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948، وتوجه كثير منهم نحو غزة نتيجة للمجازر التي كانت ترتكب في القرى والمدن حينها، في حين كان القطاع خاليا من الأحداث الدامية مقارنة بباقي المناطق.
ومن المواقف العالقة في ذاكرة قحمان، قيام أحد أبنائها في خمسينيات القرن الماضي بنقل الأسلحة والقنابل إلى الفدائيين من أجل مواجهة الاحتلال، قبل أن يغتال الاحتلال أحد الفدائيين المشاركين في عملية النقل، ويقوم بسجن نجلها.