تبدأ فصائل المعارضة السورية المسلّحة في محافظة إدلب، أقوى معاركها على الإطلاق بهدف السيطرة على مدينة إدلب، وبالتالي طرد قوات النظام من محافظة إدلب بالكامل، لتكون المحافظة الثانية بعد الرقة الخارجة عن سيطرة النظام كمركز محافظة وريف، وتشترك معظم فصائل المعارضة في المحافظة بهذه المعركة التي تُعتبر حاسمة بالنسبة لها، وأهمها "جبهة النصرة"، حركة "أحرار الشام"، "جيش الشام"، و"صقور الشام"، بالإضافة إلى مؤازرة بعض الفصائل من خارج المحافظة كـ"جيش الإسلام".
وتسعى فصائل المعارضة منذ سنوات لاقتحام مدينة إدلب، إلا أن محاولاتها كانت عبارة عن عمليات محدودة معظمها كانت تبوء بالفشل وتتسبب بالمزيد من القصف على السكان المدنيين في المناطق التي تنفذ منها العمليات. وقام بأولى العمليات لواء "شهداء إدلب" في بداية عام 2013، حين وصلت عناصر اللواء إلى الأحياء الشمالية من المدينة إلا أن اندفاعهم تسبب بمقتل أكثر من ستين عنصراً من اللواء وفشل العملية.
وكان آخر تلك العمليات، العملية التي قامت بها "جبهة النصرة" نهاية العام الماضي، واقتحمت خلالها قصر المحافظ من خلال انغماسيين مع عملية محدودة عزت الجبهة سبب فشلها إلى "جبهة ثوار سورية" التي اتهمتها "النصرة" بأنها ضربتها من الخلف واتخذت من هذا الأمر ذريعة للقضاء عليها.
وتبدو المعركة الحالية مختلفة عن المحاولات السابقة سواء لناحية الحشد الكبير في هذه المعركة أو لناحية العتاد الثقيل المستخدم، إذ تشهد المناطق المحيطة بمدينة إدلب انتشاراً غير مسبوق لعناصر المعارضة وتمركزاً لدبابات وعربات مدرعة ومنصات لإطلاق الصواريخ، تقابلها استعدادات كبيرة داخل مدينة إدلب من قبل قوات النظام التي راحت تدعم حواجزها بأعداد إضافية من الدبابات وببعض الدشم العسكرية، فيما طيرانها المروحي يقوم بضربات استباقية بشكل يومي لتلك المناطق، من خلال قصفها بالصواريخ والبراميل المتفجرة، تخللها إلقاء برميلين متفجرين يحتويان على غاز الكلور السام فوق مدينة سرمين، ما تسبب بمقتل عائلة كاملة اختناقاً (ثلاثة أطفال وأبوهم وأمهم)، وبرميل آخر على بلدة قميناس تسبب بعشرات الإصابات بضيق التنفس من دون أن يؤدي إلى وفيات.
ويؤكد مصدر خاص من "غرفة العمليات المشتركة" الخاصة بالمعركة، لـ"العربي الجديد"، أن هذه المعركة تهدف إلى السيطرة على مدينة إدلب وعزل مدينة الفوعة الموالية تمهيداً للسيطرة عليها، موضحاً أنها ستكون من أهم المعارك وأكبرها في محافظة إدلب منذ بداية الثورة، وأن المعارضين في حال نجاحهم بالسيطرة على مدينة إدلب ومعسكر المسطومة القريب منها، فإنهم سيقطعون خطوط الإمداد بالكامل عن كل المواقع العسكرية المتبقية للنظام في المحافظة عدا مدينة جسر الشغور (الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً غرب إدلب)، والقريبة من خط إمداد الساحل.
ويكشف مصدر من "جبهة النصرة" لـ"العربي الجديد"، أن هذه المعركة ستُدار من خلال غرفة عمليات مشتركة تضم جميع الفصائل، موضحاً أنه تم إنشاء ثلاث غرف عمليات، اثنتان منها وهميتان وواحدة حقيقية، وأن إحدى هذه الغرف موجودة في مدينة سرمين التي تم استهدافها أمس الأول بالكيماوي، والتي من الممكن أن يكون وجودها، أحد أسباب استهداف المدينة.
ويشير المصدر إلى أن "النصرة" تُشارك بالعدد الأكبر من المقاتلين، إذ تدفع بنحو ثلاثة آلاف مقاتل في هذه المعركة بالإضافة إلى مشاركتها بعناصر انغماسية، من أجل فتح ثغرات في خطوط النظام، وأنه تم تقسيم محاور القتال بين الجبهات، إذ تتولى "النصرة" محاور غرب المدينة وبروما في الشمال الغربي، فيما تتولى حركة "أحرار الشام" المحاور شرق المدينة من طرف مدينة بنش، و"جيش الشام" شرق إدلب من طرف مدينة سرمين وتتولى "صقور الشام" محاور الجبهة الجنوبية.
اقرأ أيضاً: مجزرة كلور للنظام السوري: استباق معركة إدلب
واللافت في تسليح فصائل المعارضة، تزويد كافة العناصر المشاركة بالمعركة بكمامات حديثة مضادة للغازات السامة، تحسباً لاستخدام النظام الغازات السامة المحرّمة دولياً، وهو ما يدل على امتلاك فصائل المعارضة معدات عسكرية ووسائل حماية أكثر من السابق.
وفي حال نجاح المعارضة في السيطرة على مدينة إدلب ومعسكر المسطومة المحاذي لها والذي يضم مركز قيادة جيش النظام في المحافظة، يكون النظام السوري قد انتهى فعلياً من محافظة إدلب، عدا مدينة جسر الشغور، لأن المواقع المتبقية له في المحافظة ستسقط تلقائياً بسبب انقطاع خطوط الإمداد عنها، والبقاء على خطوط الإمداد الجوي التي لا تفيد كثيراً في حالة هذه المواقع، إذ يتبقى للنظام خمسة مواقع يتواجد فيها هي معمل القرميد ومطار أبو الظهور ومدينتا أريحا والفوعة وبلدة كفريا.
إلا أن وضع مدينة الفوعة وبلدة كفريا الشيعيتين والمواليتين للنظام واللتين تحتويان على أعداد كبيرة من عناصر "حزب الله" اللبناني والحرس الثوري الإيراني، قد يتحول إلى وضع أشبه بوضع نبل والزهراء المحاصرتين، إذ من المرجح أن تستميت إيران بالدفاع عنهما ومنعهما من السقوط، أو حتى منع مدينة إدلب التي تحميهما من الوقوع تحت سيطرة المعارضة، وبالتالي فهناك احتمال أن تشهد المنطقة استعمال النظام لمختلف الأسلحة المحرمة دولياً، وعلى رأسها السلاح الكيماوي لمنع سقوط المدينة.
ويرى المحلل العسكري الاستراتيجي العميد الركن أحمد رحال، أن الموازين العسكرية حالياً في إدلب لصالح المعارضة، كما أن "جبهة النصرة" وحركة "أحرار الشام" وتوابعهما متفرغون في إدلب منذ تحرير وادي الضيف ومعسكر الحامدية.
ويقول رحال لـ"العربي الجديد"، إن تحرير إدلب يعني تضييق الخناق على النظام في حلب، ويمهد لتحرير حلب وفتح جبهة حماة بسبب وجود عدد كبير من المقاتلين على جبهة إدلب يشكلون دعماً كبيراً لجبهتي حلب وحماة في حال تحرير المدينة، كما أن تحرير إدلب يعني فقدان النظام لكل الشمال.
وعن مصير بلدتي الفوعة وكفريا في حال تم تحرير المدينة، يشير رحال إلى احتمالين، إما أن ينسحبوا مع قوات النظام أو أن يتم ترحيلهم إلى بلدتي نبل والزهراء.
وشهدت المناطق المحيطة بمدينة إدلب والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة، حركة نزوح كبيرة للمدنيين، وخصوصاً بعد الضربة الكيماوية على مدينة سرمين، إذ يكشف ناشطون من مدينة بنش لـ"العربي الجديد" أن المدينة شهدت نزوح عدد كبير من العائلات باتجاه الريف الشمالي للمحافظة إلى المدن والبلدات الحدودية مع تركيا، بالتوازي مع حشود غير مسبوقة للمقاتلين والآليات العسكرية والمدرعات، موضحين أن طيران النظام لم يتوقف طوال اليومين الماضيين من التحليق فوق المدينة والذي تخلله قصف بالبراميل المتفجرة، أدى إلى سقوط عدد من الضحايا.
وفي مدينة إدلب التي تسيطر عليها قوات النظام، يؤكد مصدر من داخل المدينة لـ"العربي الجديد"، أن إدلب التي تشهد إغلاق جميع المنافذ المؤدية إليها عدا طريق إدلب اللاذقية، سادتها حالة استنفار لعناصر الجيش والشبيحة وتدعيم للحواجز المحيطة بالمدينة بعدد من الدبابات، كما شهدت حالة نزوح للمدنيين باتجاه اللاذقية.
ويقول المصدر إن الكثير من سكان مدينة إدلب الذين يمتلكون مدخرات مالية عمدوا لإيداعها في البنوك الموجودة في المدينة ونزحوا إلى اللاذقية كي يستلموها من هناك، مضيفاً أن حالة من الهلع تسود بين صفوف الشبيحة الذين باتوا يخافون من انسحاب الجيش باتجاه مدينة جسر الشغور وتركهم لمصيرهم أمام فصائل المعارضة.