معركة "الهلال النفطي": تخلٍ دولي عن حفتر أم "فركة أذن"؟

18 يونيو 2018
نفذ الهجوم على "الهلال النفطي" بعناية(عبد الله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
مثّل الهجوم على منطقة "الهلال النفطي"، الخميس الماضي، من قبل مسلحين يتبعون خصوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ضربة قاصمة لمشروع الأخير الطامح إلى السيطرة على أكبر قدر من مساحة ليبيا. وأهمية هذه الضربة خطط الهجوم، التي يبدو أنها أعدت بعناية، وكذلك ساحتها، التي اختير لها أن تكون في منطقة تمثل المنفذ الأول لوصول النفط الليبي المهم إلى أوروبا.

ومن خلال متابعة وقائع هجوم قوات إبراهيم الجضران، رئيس حرس المنشأت النفطية السابق، على منطقة الهلال النفطي، يبدو جلياً أن حفتر خسر المعركة، ولو نسبياً أو مؤقتاً، بفقدانه أهم استراتيجيات حربه المراهِنة على الهجوم الجوي، كسبيل لتقدم قواته على الارض.

فالقاعدة الجوية الوحيدة في وسط البلاد، أي قاعدة راس لانوف، التي كانت طائرات حفتر تنطلق منها في معاركه السابقة، هي تحت سيطرة قوات الجضران، أما الثانية، وهي الكبرى، فقاعدة القرضابية في سرت، وتقع تحت سيطرة قوات "البنيان المرصوص".

وتستخدم قوات حفتر الآلة الإعلامية حالياً لاظهار قوتها من خلال الإعلان عن حملة جوية مكثفة على مواقع الجضران، لكن الواقع على الأرض لا يبدو أنه يصدقها، فـ19 غارة جوية لا يمكن أن تحتملها منطقة الهلال النفطي التي تتوفر على عشرات خزانات النفط الخام المشتعلة، لاسيما أن قوات الجضران تتمركز داخل الموانئ وبالقرب من الخزانات.

إذن، فإن خصوم حفتر لا يبدو أنهم في غرب البلاد فقط، فطول فترات حروبه راكمت الكثير من الخلافات، وبالتالي خصوماً أكثر، تمددوا ليصلوا الى عمق أراضي سيطرته شرق البلاد. ومن المنطقي ألا يكون الجضران وحيداً في هذه المعركة التي اختير لها توقيت مناسب في ظلّ الخلافات السياسية المشتعلة بين دول كبرى، تتصارع على قيادة الملف الليبي وانتزاع مصالحها من خلاله.

فبعد فشل مبادرة باريس بإعلان حفتر، ومن ورائه القاهرة، رفضاً ضمنياً لها، بالاتجاه لإشعال جبهة جديدة شرق البلاد وتحديداً في درنة، يبدو أن المواقف المعلنة من قبل عواصم كبرى حيال أحداث "الهلال النفطي" تعكس خلافات مبطنة، وعلى أقلّ تقدير، تراجعاً كبيراً في تأييد باريس لحليفها حفتر.

واقتصرت المواقف الدولية المعلنة من قبل عواصم أوروبية على شجب التصعيد العسكري في منطقة "الهلال"، والمطالبة بتجنيب النفط ويلات الحرب، بل بعضها تأخر نسبياً عن متابعة الحدث. ويمكن التكهن بالقول إن تلك العواصم، وفي مقدمها باريس، ترى في هذا الهجوم "فركة أذن لحفتر"، الذي فقد كل مواقعه التي يمكن أن تنطلق منها طائراته وسط البلاد، وبالتالي عجزه عن استرداد سيطرته على المنطقة دون مساعدة أجنبية.

وحتى القاهرة، التي ساعدت حفتر جوياً في استرداد منطقة "الهلال" في مارس/آذار من العام الماضي، فإنها تشارك حالياً بقوة في معارك درنة، ولا يمكنها دعم قوات حفتر بغطاء جوي في معارك أخرى، بالإضافة إلى أن منطقة الهلال تحتاج ضوءاً أخضر دولياً لدخول مصر أو الإمارات فيها، ناهيك عن ضعف قوات حفتر على الارض التي لا يمكنها تغطية ساحتين في الوقت ذاته.

وتشير معركة الهلال الى استشراف سيناريوهين مستقبليين:

الأول، هو تخلي دول كبرى، وعلى رأسها فرنسا، عن مشروع دعم حفتر. فالتواصل الدبلوماسي بات مكثفاً في الآونة الأخيرة بين باريس وطرابلس، التي تتواجد فيها حكومة الوفاق، الخصم الغير مباشر لحفتر. وآخر هذا التواصل هو زيارة السفيرة الفرنسية بريجيت كرومي، الأسبوع الماضي، لفايز السراج، رئيس الحكومة في طرابلس.

وذهبت فرنسا أبعد من ذلك، إذ أعلن عضو مجلس الدولة عن مصراتة، أبو القاسم قزيط، أمس الأول السبت، أن باريس دعت مصراتة (خصم حفتر الأكبر) الى تشكيل لجنة مكونة من نواب مصراتة وسياسييها لزيارة العاصمة الفرنسية للمرة الأولى، والاطلاع على الجهود السياسية من أجل حلّ الأزمة الليبية. وغير خفي أن فقدان حفتر لاكبر حلفائه في أوروبا يعد انكساراً كبيراً لمشروعه العسكري، بعدما بردت العلاقة بينه وبين موسكو، التي يبدو أنها تراجعت عن حماسها السابق له والتفتت إلى بناء علاقات مع حكومة طرابلس.

أما الاحتمال الثاني، فهو "لفت نظرٍ" لحفتر، ومن ورائه شركاؤه العرب في القاهرة وأبو ظبي، وإرجاعهم الى "بيت الطاعة"، مجبرين للقبول بالتسويات السياسية، كالاتفاق السياسي أو مبادرة باريس، أو القبول بمقترحات تمّ تسريبها مؤخراً عن وجود حكومة ائتلاف وطني، وربما أيضاً قبوله بوجود بديل عسكري عنه لقيادة المؤسسة العسكرية، لاسيما بعد تعرضه لمرض كاد أن يودي بحياته، وبالتالي عدم القدرة على استمرار المراهنة عليه شخصياً.

في كل الأحوال، شكّل الهجوم على منطقة الهلال النفطي- الورقة الرابحة والأهم بالنسبة لحفتر دولياً - ضربة لمشروع اللواء المتقاعد وحلفائه بشكل واضح، وبالتالي فإن تغيراً في الوضع السياسي أصبح أمراً مرجحاً خلال الفترة المقبلة.

المساهمون