معرض "ما وراء الجمال"، آثار فرعونية في لندن

08 فبراير 2016
مومياء من معرض "ما وراء الجمال" (بإذن من المعرض)
+ الخط -
لا تزال كنوز مصر القديمة تبهر علماء الآثار، وتعرض في أهمّ مدن العالم، لذلك تستهلّ العاصمة البريطانية لندن عامها الجديد، بمعرض "ما وراء الجمال" تحوّل الجسد في مصر القديمة"، يُعرّف بجزء بسيط من الآثار الفرعونية الباهرة على مر السنين، ويركّز في جانب منه على التحنيط. فتحنيط الموتى في مصر القديمة يعدّ حالة استثنائية، ميّزت الفراعنة في الحضارات القديمة، كما أبهرت الناس في كلّ زمان ومكان.

تلك الأدوات الصغيرة وأسرارها

وينفرد معرض الشتاء هذا العام، بتقديم مجموعات غير عادية من كنوز وكتّان القرن التاسع عشر من متاحف كامبريدج التي قدّمها في العام الماضي، إلى جانب مجموعة رائعة من معرض "ما وراء الجمال" الحالي، الذي يسنح للزوّار متعة التعرّف على الأدوات الشخصية التي كانت تودع إلى جانب الكفن، ويعود تاريخها إلى عام 3,500 قبل الميلاد وعام 400 ميلادي، مثل المجوهرات والمرايا ودبابيس الشعر وزجاجات العطر والماكياج، التي تعكس الحياة اليومية، وتظهر التبدّل المستمر في الأساليب.

ولعلّ مجرّد النظر إلى تلك القطع الفنية، يحرّك مخيّلات كثيرين منّا، فنتصوّر حياة المصريين القدامى. إذ إن تلك القطع والأدوات، تختزن قصصًا، وتدعو الزائر إلى التساؤل عن سرّ اهتمام المصريين الكبير في تحويل هيئتهم أو تحنيط موتاهم، وكيف أثّرت الأدوات التي تركوها خلفهم على تصوّرات الناس واعتقاداتهم اليوم.

يفسّر عديد من علماء الآثار والخبراء شغف الفراعنة بأمور عدة، منها اهتمامهم ببناء المقابر العملاقة وتحنيط أمواتهم، وإيمانهم بالحياة بعد الموت، وأنّ الإنسان إنّما يحيا مرحلة مؤقتة على الأرض لينتقل بعدها إلى عالم الخلود، ولاعتقادهم بأنّ الحفاظ على الجسد أمر ضروري في الحياة الأبدية للوصول إلى العالم الآخر بمظهر لائق، لذلك قاموا بعملية تحنيط موتاهم. وتجدر الإشارة إلى أنّ التحنيط كان موجوداُ في جميع أنحاء العالم آنذاك، لكن ارتبطت طريقته بقدماء المصريين لذلك فهو ينسب إليهم.

وتقول الدكتورة مارغريت سيربيكو، العالمة في المصريّات وأحد القيّمين على المعرض، إنّ الرّغبة في اكتناه أسرار تلك القطع الرائعة الموجودة في المتاحف وجدت منذ أمد طويل، وهي مشروع يحثّ على رفع مستوى الوعي بتلك المجموعة المصرية القديمة التي يقارب عددها الـ 200 قطعة والمتواجدة في بريطانيا. وتابعت أنّها لطالما "أذهلتها العديد من التحف الفنيّة في تلك المجموعة، وتمنّت لو يراها أناس أكثر". كما لفتت إلى أنّ المعرض هو فرصة رائعة للاحتفال بتلك المجموعات الأثرية وتقديرها وإبداء اهتمامنا في المحافظة عليها للمستقبل.

اقرأ أيضًا: مصر وكنوزها المغمورة

مكان المعرض

يبقى للمبنى حيث يقام المعرض تاريخه، وقد يشكّل للكثير من الزوّار فرصة استكشاف أحد المباني التاريخية أو أواخر الجواهر المعمارية الفيكتورية، التي بناها ويليام والدورف آستور، الذي هاجر إلى بريطانيا عام 1891 وكان أحد أغنى أثرياء العالم، ولم يدّخر شيئاً حين بدأ العمل على بناء "تو تمبل بليس" في عام 1892. أمّا اليوم فتملك المكان وتديره مؤسّسة خيرية "ذي بولدوغ تراست" (The Bulldog Trust). تقول ماري روز، الرئيس التنفيذي للمؤسّسة، عن المعرض "إنّها فرصة استثنائية لعرض المجموعات المصرية المذهلة المتواجدة في مختلف متاحف بريطانيا".

كذلك، قال جون أورنا أورنستين، مدير المتاحف ومجالس الفنون في بريطانيا، إنّ متاحف بريطانيا هي موطن لأروع المجموعات الموجودة في العالم، ويطمحون من خلال استثماراتهم أن يستمتع الناس بتلك المجموعات على مدى السنوات القادمة. وأضاف أنّ معرض "ما وراء الجمال" هو فرصة مثيرة ليرى الناس عددا من أروع الآثار المصرية في مكان واحد، وللكشف عن أسرارها عن طريق الأنشطة الإبداعية المناسبة لجميع الأعمار مثل رواية القصص والرقص إلى المحاضرات والموسيقى.

أسرار التحنيط

وتجدر الإشارة، إلى أنّ المصريين القدامى كانوا يدفنون موتاهم في حفر صغيرة في الصحراء، وكانت أجسامهم تجف بسرعة نتيجة الحرارة، ما أدّى بالتالي إلى خلق "مومياوات" طبيعية. بيد أنّهم أرادوا حماية موتاهم من الحيوانات البرية في وقت لاحق، فوضعوها في توابيت، لكنّهم لاحظوا أنّ الأجساد تتحلّل حين لا تتعرّض لحرارة رمال الصحراء الجافة، فتوصّلوا بعد قرون من الزمن إلى عملية التحنيط للحفاظ على هيئة الجسم. وكانت عملية التحنيط صناعة رائجة في مصر القديمة، وبمستويات خدمة تختلف بين الأثرياء والفقراء، وكان أهل المتوفى يستدعون مصففي الشعر وخبراء التجميل لتحسين هيئته ومنحه مظهراً نابضاً بالحياة.

واللافت أنّهم كانوا يتركون القلب داخل الجسم، لإيمانهم بأنّه مركز الذكاء والإحساس وأنّ الإنسان سيحتاجه في الحياة الأخرى، وبعد مرور أربعين يوما كانوا يغسلون الجسم مرّة أخرى من مياه النيل، ويدهنون البشرة بالزيوت لتبقى مرنة، ويلفونه بعد ذلك بالكتّان. كما كانوا يضعون بين طبقات الكتّان حلية صغيرة لحماية صاحبها من الأرواح الشريرة في العالم السفلي.
تمتّع المصريون القدامى بمهارات عالية في التحنيط، لكن على الرغم من ذلك سبقهم في فنّ الحفاظ على الجسم سكّان أميركا الجنوبية، الذين يعتبرون الأقدم في ممارسة عملية التحنيط، التي انتشرت بينهم قبل ألفي عام من المومياوات المصرية، وبرهن علماء الآثار على ذلك بأنّ تاريخ أقدم مومياء مصرية عثر عليها يعود إلى 3000 قبل الميلاد، بينما أقدم مومياء من صحراء أتاكاما تعود لنحو 7020 قبل الميلاد.
المساهمون