معبر باب الهوى: سقطت دولة البعث فأين الدولة الجديدة؟

20 نوفمبر 2014
شكّل المعبر منفذاً أساسيّاً لانتقال المدنيين إلى تركيا(كيم جنكو/الأناضول)
+ الخط -
في المحطة الأخيرة قبل الوصول إلى معبر باب الهوى السوري، تودّع بلدة الريحانيّة التركية الحدوديّة المغادرين، وقد اكتست حلة حمراء وتناثرت الأعلام التركيّة على جوانب الطرقات احتفالاً بالذكرى السنويّة لتأسيس الدولة التركيّة الحديثة. يصرّ الأتراك على تأكيد انتمائهم لدولتهم القومية، يفتخرون بها ويمجدونها. لكن لن يبتعد الزائر إلا كليومترات قليلة نحو الأراضيّ السوريّة حتى يُعايش النقيض، وخصوصاً إذا ما كان الغياب عن سورية قد امتد لسنوات.

لم تعد الصورة الكبيرة للرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، والحالي، بشار الأسد، ترحب بزائري "سورية الأسد" حاضرة. كذلك اختفى ذلك الشرطيّ اللئيم الذي ينتظر ليأخذ الرشوة (المعلوم) بدلاً من نبش الحقائب وسرقة ما يراه ثمنياً. جميع هذه المظاهر اختفت لتحل مكانها مظاهر أخرى تجسد الواقع السوريّ الحاليّ بكل مآسيه وآماله.

كل ما يُسمع في الأخبار من أسماء لفصائل مسلحة يحضر بمجرد المرور بمعبر باب الهوى. في أول الطريق سيارة محملة برشاش ترفع علم أحرار الشام والجبهة الإسلاميّة. على اليمين مقر صغير لصقور الشام يضم بضعة مقاتلين وضعوا بنادقهم جانباً، وتجمعوا لاحتساء الشاي وهم ينظرون إلى المارة القادمين.

يطلب أحدهم جواز السفر، بينما تظهر خلفه سيارة مغلقة طبع علم جيش الإسلام وشعاره على مقدمتها. في وسط الطريق علم لجيش المجاهدين، وآخر لكتائب نور الدين الزنكي التي انفصلت أخيراً عن الأول لأسباب غير معروفة.

ما عدا ذلك، يمكن رؤية كل خمسين متراً علماً لفصيل أو لحركة ومقاتلين متناثرين تابعين لفيلق الشام، أنصار الشام، حركة حزم. لن يلحظ أثر واضح لجبهة النصرة. فلا أعلام ولا حواجز ولا مقاتلين ظاهرين. أحد الأشخاص الذين اعتادوا الدخول والخروج يوميّاً، لدى سؤاله عنهم يؤكد وجودهم. ويشير بأصبعه إلى مقاتلين صغار السنّ يرتدون الأسود تحلقوا مع مقاتلين آخرين حول وجبة من الفطائر والمعجنات.

أما علم الثورة السورية فلا وجود له. والأخير لا يحضر إلا في شعارات بعض فصائل الجيش الحر الزائرة للمعبر.

كذلك لم تعد أقوال الرئيس السابق، حافظ الأسد، عن الوطنية والتقدمية والرياضة والإنسان العظيم في دولة البعث مكتوبة على الجدران. لقد استبدلت بآيات قرآنيّة وأحاديث نبويّة ذيلت باسم هذا الفصيل أو ذاك. كل الشواهد تؤكد أن دولة البعث سقطت هناك، لكن أين هي الدولة البديلة؟

يعدّ معبر باب الهوى نموذجاً يشرح سيرورة الكفاح المسلح في سوريّة وتحولاته. فمنذ تحريره في 19 يوليو/تموز2012، تنافست الفصائل المختلفة على الاستئثار بالسيطرة عليه.

شهد المعبر معارك مسلحة عدة، أولها بعد أيام قليلة من تحريره بين كتائب الفاروق من جهة والنصرة وعناصر في الأحرار من جهة أخرى. وثانيها أواخر عام 2013 بين هيئة الأركان السابقة وفصائل الجبهة الإسلامية، انتهت بسيطرة الجبهة على المعبر وعلى مستودعات ومقرات هيئة الأركان. أما الجولة الأخيرة فكانت قبل أيام بين عناصر من حركة أحرار الشام، وكل من جيش الإسلام وصقور الشام، وانتهت بسيطرة الأحرار بشكل شبه كامل على المعبر.

رغبة كل فصيل في الاستئثار بالسيطرة على المعبر لا تتأتى من رغبة في توسيع نفوذ مكانيّ أو فرض نمط إداريّ. فعلى الرغم من الحضور العسكريّ الواضح والفاضح هناك، فإن الفصائل لا تلتفت إلى حركة العابرين، وفي أحيان كثيرة لن يضطر الزائر إلى فتح جواز سفره أو الوقوف على أي من حواجز الفصائل، إذ أن ما تهتم به الأخيرة هو خلف المعبر، أي قوافل الإمداد الإغاثي والعسكريّ، والتي تعد شريان حياة اقتصاديّ ومحدد عسكري يلعب دوراً مهماً في تثبت التوازنات القائمة أو تغييرها.

انطلاقاً من ذلك، يربط السوريون في المناطق المحاذية للمعبر ما يجري فيه بالحراك الإقليمي المصاحب لأزمتهم. لذلك لا يفهمون أي تحرك عسكريّ يحصل من دون تنسيق مع تركيا كونها تمثل بيضة القبان في الشمال السوريّ. لذلك تسعى غالبية الفصائل، بما فيها المحسوبة على دول إقليمية أخرى، لعلاقة جيدة معها. ولعل هذا الهدف هو وحده ما يفسر وجود نظام عمل ينظّم حركة المغادرين إلى تركيا عبر المعبر، وهو ما لا يمكن أن تجده في الاتجاه المعاكس.

وتثير حالة الفوضى على الجانب السوريّ من المعبر حفيظة الناشطين المدنيين، وتعلو انتقاداتهم بعد كل حادث في المعبر أكان اشتباكاً مسلحاً، أم تفجيراً مفخخاً مصدره النظام أو "داعش". ويطرح هؤلاء مقترحات لتنظيم عمله، كان آخرها ما كتبه الناشط والشاعر السوري أنس الدغيم.
الناشط الذي التقته "العربي الجديد" في الريحانيّة يقترح تسريح العسكريّين الموجودين في المعبر كافة بغضّ النظر عن الفصيل أو الجبهة التي ينتمون إليها في مقابل استقدام 50 شرطيّاً مدنيّاً منشقين عن النظام من أصحاب السيرة الحسنة والأيدي النظيفة والخلق الحسن.

ومن ضمن الاقتراحات أيضاً، إنشاء مكتب ارتباط بين إدارة المعبر المدنيّة والجهات العسكريّة، إنشاء مكتب ارتباط بين إدارة المعبر المدنيّة والمحاكم والهيئات الشرعية المتنفّذة في منطقة المعبر.

ويُضاف إلى ذلك إنهاء المظاهر المسلّحة في المعبر بشكل تام، منع دخول أيّ مواطن سوري إلى الأراضي التركيّة أكثر من مرّة في اليوم الواحد، فضلاً عن اعتماد الإدارة على البرمجة والأرشفة المؤتمنة، وأخيراَ زيادة عدد باصات النقل خلال المعبر.

دلالات
المساهمون