18 أكتوبر 2015
معان.. خاصرة جنوبية تقلق ساسة عمّان
بخلاف المألوف، وخروجاً عن كل تقاليد البرتوكول المعمول بها، خرج بيان أردني رسمي، قبل أيام، يعلن قبول استقالة وزير الداخلية، حسين هزاع المجالي، وإحالة قائد الأمن العام، توفيق الطوالبة، وقائد قوات الدرك، أحمد علي السويلميين، إلى التقاعد، وهي حالة نادرة وغير مسبوقة أن تطال التغييرات ثلاثة جنرالات أمنيين، كان لهم دور في متابعة ملفات مهمة.
اعتبر مراقبون ما جرى إقالات أكثر منها استقالات، وخصوصاً أن البيان الرسمي أشار، بوضوح، إلى وجود "خلل في المنظومة الأمنية وعدم التنسيق بين الأجهزة"، وهي صيغة تستخدم، لأول مرة في تاريخ استقالات مسؤولين كبار في الأردن، وخصوصاً أمنيين، حيث جرى العرف أن يتم ترفيعهم، ثم تجري إقالتهم.
لم يؤشر البيان الرسمي إلى ماهية الخلل الذي حصل، إلا أن الجرح الذي كان مفتوحاً إبّان الإقالات كان في معان، حيث نفذت قوات أمنية عمليات مختلفة في المدينة، وهذا ما أفصحت عنه وزارة الداخلية، في بيان لها، ذكرت فيه أن "قوة أمنية مشتركة قامت ليلة الأربعاء وصباح الخميس الواقع في الرابع عشر من مايو/أيار الماضي، بمداهمات في مدينة معان، بحثا عن مطلوبين خطرين جداً، خارجين على القانون، ومسجل بحقهم العديد من الطلبات القضائية والأمنية (...) القوة قامت بواجبها في ثلاثة مواقع، اشتبه بوجود أولئك المطلوبين فيها، وأنهت عملها من دون وقوع أي إصابات تذكر، أو حدوث اشتباك مع المطلوبين، موضحة أنه يوجد في المواقع المستهدفة عدة بيوت، استخدمها المطلوبون مخابئ لهم".
بعد أقل من 48 ساعة من الإعلان الحكومي ذاك عن ملاحقة مطلوبين، توترت الأوضاع في المدنية، بسبب تواتر أنباء نقلها أهالٍ، وشكواهم من اعتداءات بالقوة من أجهزة الأمن على الناس، واقتحامها بيوتاً آمنة، وعدم التفريق بين مطلوب وغيره في التعامل، الأمر الذي رفع حدة التوتر بين سواد أهل معان وأجهزة الأمن، وألقى ظلالاً ثقيلة على المدينة.
بحسب ما تسرب، سلب مطلوبون سيارة أمن، وتجولوا بها وسط المدينة، ورفعوا علم تنظيم داعش الإرهابي عليها وحرقوها، وفق ما ذكر الكاتب الصحافي محمد أبو رمان، الأمر الذي زاد من حجم التوتر في مدينةٍ، لم تهدأ أصلا بالشكل المطلوب، منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام إبان حركة احتجاج قام بها بعض أبناء المدينة، في ذروة الربيع العربي.
جنرالات لا يتحدثون مع بعضهم
وجاءت إقالة الجنرالات الثلاثة بعد ساعات من تصريحاتٍ، أطلقها الوزير المجالي، أعلن فيها عودة الهدوء إلى المدينة، لكن تلك التصريحات سبقتها شكاوى وتظلمات من أهل المدينة، وصلت إلى القصر الملكي، أبرزها هدم مقرات لعشائر في المدينة في أثناء عملية الدهم، ودهم أماكن بلا تنسيق وبلا تخطيط، وترويع أطفال ونساء، إضافة إلى عدم جدوى الحصار الذي كان مفروضاً على المدينة من أمد، وتمدد تنظيمات تكفيرية إرهابية فيها.
ولد ذاك الأمر قناعة عند صاحب القرار بوجود خلل في التنسيق الأمني، وإن كان لم يتم الإشارة إلى ما يجري في معان، في كتب الإقالات التي أعلنها التلفزيون الأردني الرسمي، كما أن تصاعد الكلام عن وجود خلاف بين وزير الداخلية وقائد الأمن لم يعد خافيا على أحد، إذ تأثرت علاقة العمل سلباً أكثر من عام بين الوزير المجالي ومدير الأمن العام الطوالبة، بسبب خلاف شخصي بينهما، علماً أن الطوالبة خلف المجالي في موقعه، قبل تعيينه وزيراً للداخلية، وهذا زاد القناعة بضرورة قيام الجراحة المستعجلة، من خلال إقالات وكتب أقرب إلى كتب الطرد منها إلى أي أمر آخر.
بطبيعة الحال، فإن من شأن وجود خلاف حاد بين الوزير وقائد الأمن أن ينعكس على طبيعة التنسيق في الميدان، ولا سيما أن وزير الداخلية، بحكم القانون، هو المسؤول المباشر عن قائدي الدرك والأمن العام تحديداً، فيما يجري تعيين مدير المخابرات من خلال تنسيب من رئيس الوزراء وليس من وزير الداخلية.
المجالي التقى "الإخوان" وزار السعودية
ويذكر أن وزير الداخلية، حسين هزاع المجالي، وهو نجل رئيس وزراء أردني سابق، وأخ الوزير السابق والنائب الحالي، أمجد المجالي، وأخ نائب رئيس الوزراء الأسبق، أيمن المجالي، وقائد الأمن العام السابق. وقد جاءت إقالته، بعد أيام ليست بعيدة من زيارته المملكة العربية السعودية، ولقائه مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن نايف. وجاءت الإقالة بعد أن استطاع المجالي نزع فتيل أزمة كانت بوادرها ظاهرة بين حركة الإخوان المسلمين (جماعة همام سعيد) والحكومة، إثر إصرار الجماعة على الاحتفال بعيد تأسسيها السبعين، وإصرار الحكومة على منع الاحتفال، فجاء لقاء المجالي مع قادة الإخوان في مبنى وزارة الداخلية، وخرجت الجماعة فيه بقرار يتضمن تأجيل الاحتفالية، وإعلان أن اللقاء كان ودياً ومنفتحاً وإيجابياً، وأن الحكومة، من خلال وزيرها المجالي، تحدثت مع الجماعة بلغة إيجابية وغير معهودة سابقاً، الأمر الذي رأى فيه مراقبون تليين موقف الحكومة من جماعة همام سعيد، على حساب جماعة الإخوان المسلمين المرخصة حكومياً.
أفراح في معان
على الرغم من أن كتب الإقالة لم تذكر، صراحة، أن سببها ما يجري في معان، إلا أن أهالي المدينة وزعوا الحلوى ابتهاجاً بالمناسبة، وتأييداً للإقالات.
وقال رئيس بلدية معان، ماجد الشراري، إن "هناك محاولات لجر المدينة إلى صدام مع الأجهزة الأمنية، ونحن لا نريد ذلك كأبناء معان، مشدداً على أننا نسعى إلى كشف الحقيقة لما يجري في معان إلى كل الأردنيين". وطالب الشراري أبناء المدينة بالتحلي بالصبر، وعدم الانجرار خلف الإشاعات التي يروجها بعضهم بهدف جر معان إلى فتنة وصدام مع قوات الأمن، وتغليب صوت العقل ولغة الحوار للوصول إلى حلول شاملة، في ما يتعلق بالوضع الأمني في معان.
وتبذل جهود عشائرية لإقناع المطلوبين بتسليم أنفسهم، مع توفير ضمانات رسمية بعدم الإساءة لهم، أو اضطهادهم أمنياً، أو بأي شكل طوال فترة التحقيقات معهم، من أجل إنهاء الأزمة بشكل جذري بالطرق السلمية، وبأقل الخسائر من دون وقوع مصادمات.
وقد شهد مقر بلدية معان لقاءات واجتماعات، بحضور فعاليات شعبية وشبابية ونقابية وسياسية في المدينة، لتدارس تداعيات الأحداث الأخيرة، وما يعتبرونه "نهجاً أمنياً" متبعاً في المدينة، وخصوصاً مداهمة منازل المطلوبين، أو ملاحقتهم.
ودعا النائب السابق، خالد الفناطسة، إلى "تغليب صوت العقل والحكمة في هذا الوقت"، معبرا عن "أسفه لما جرى في معان من أحداث تنعكس سلباً على السلم الاجتماعي"، معتبراً أن "تصعيد المواقف والعنف والعنف المضاد، وما سيسفر عنه من ضحايا، لن يكون في صالح أي من الطرفين".
تبعد معان نحو 250 كم عن العاصمة عمّان، وتميزها التوترات شبه الدائمة بين سكان المدينة والجهات الأمنية، فخلال أقل من عام، حدثت عدة مداهمات أمنية واشتباكات بين الأهالي والجهات الأمنية في المدينة، وقع على إثرها سبعة قتلى من شباب المدينة، كان آخرها مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حيث لاحقت دورية من مرتبات البحث الجنائي في المدينة شاباً ثلاثينياً، على خلفية طلب قضائي بحقه بسبب مشاجرةٍ، كان قد خاضها قبل أشهر، وما كان من الشاب إلا أن هرب من الدورية، ليصاب بعدة رصاصات، تسببت في مقتله.
سبقت ذلك بعام احتجاجات أخرى على خلفية مداهمات وإطلاق نار، حيث اندلعت احتجاجات في المدينة، ساندها بعضهم في محافظات أخرى بوقفات ومسيرات احتجاجية، طالبت الدولة بعدم استخدام القوة المفرطة، وعدم تأزيم الشارع في معان.
وكانت من أبرز الوقفات الاحتجاجية مسيرة أبناء معان ممن يسكنون العاصمة عمان، حيث نظموا مسيرة احتجاجية، انطلقت من منطقة يطلق عليها حي المعانية باتجاه الديوان الملكي في عمان.
وكان ما يعرف بالتحول الديمقراطي في الأردن الذي بدأ عام 1989 قد جرى بسبب ما يعرف بـ "هبة نيسان" في معان، وانطلقت إلى محافظات ثانية، ومنذ ذاك الوقت، تغيب المدينة قليلاً، لكنها تعود إلى الواجهة كثيراً.
معان .. أزمة مفتوحة
وكان تقرير "معان.. أزمة مفتوحة"، الذي أنجزه مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية العام 2003، قد سعى إلى الاقتراب من الإجابة النهائية عن هذا التساؤل، فاستخلص أن ظاهرة الاحتجاج العنيف في معان ليست نتيجة عامل واحد فحسب، كما ساد الانطباع، وخلصت إليه دراسات سابقة، بل هي ناجمة عن جملة من العوامل المتداخلة.
على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، أظهر التقرير أن هناك مؤشرات يمكن أن تميز معان عن غيرها، إلا أن عناصر التميز تلك لا يمكن أن تفسر إلا جانباً محدوداً من الأحداث التي وقعت في المدينة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، أظهرت التركيبة العائلية والعشائرية وضعاً فريداً في معان، يمكن أن يفسر جانباً من ردود الفعل الجمعية، إذ تم استعراض سياق التحولات الاجتماعية بمنظور تاريخي، وتم ربط ذلك مع منظومة القيم السائدة في أوساط المدينة، قياساً إلى بقية أجزاء المملكة.
كذلك، إن النظر إلى معان، مشكلة أمنية مجردة عن أبعادها الأخرى، لم يساهم في إيجاد حلول جذرية تخفف من حدة الأحداث. ولتجاوز تكرار الأحداث، سواء في معان أو في أنحاء أخرى من المملكة، فإن التعامل مع معان يأتي ضمن منظار شمولي، يرى المشكلة بأبعادها كافة، إذ تبين أن سوء إدارة الأزمات أحياناً يفاقم بعض المشاكل ويعمقها.
ومع أن معان مدينة حظيت، وما تزال تحظى، بالاهتمام الرسمي، إلا أن تجارب فاشلة، مثل تجربة مصنع الزجاج، قد ألحقت أذى بثقة أهالي المدينة بالحكومة التي كانت تسعى إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية، فجاءت نتيجة ذلك الجهد عكسية. ودعا مركز الدراسات الاستراتيجية إلى العمل على تعزيز التعامل مع النخب المعانية القريبة من قاطني المدينة، نظراً لاقترابهم من هموم المواطنين، وعدم تقريب أطراف من أجهزة الدولة على حساب أطراف أخرى، حفاظاً على حيادية الدولة، وتحسين أداء مؤسسات الحكم المحلي، وفرض القانون والنظام على الجميع في المدينة، وإيقاف مسلسل الإفراجات بالذات عن المتهمين بقضايا جرمية، إرضاءً لبعض الوجهاء، من شأنه المساعدة في تجاوز أزمة الثقة، وتحسين صورة الأمن العام لدى أهل المدينة.
وفي دراستها حول "تحديات الإصلاح السياسي: دمقرطة الأردن وعدم الاستقرار الإقليمي"، اقترحت المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات اعتماد أسلوب جديد في العلاقة بين المواطن وقوات الأمن، وتطوير البنية التحتية الأساسية في معان والمدن الأردنية الصغيرة الأخرى التي تعيش ظروفاً اقتصادية مشابهة، وتنفيذ برامج للتدريب المهني وبناء القدرات، وتعزيز مهارات الشباب الفنية، وتوسيع استثمارات القطاع الخاص في المحافظة. هذه الأفكار وغيرها لم تغادر الورق حتى اللحظة.
لم يؤشر البيان الرسمي إلى ماهية الخلل الذي حصل، إلا أن الجرح الذي كان مفتوحاً إبّان الإقالات كان في معان، حيث نفذت قوات أمنية عمليات مختلفة في المدينة، وهذا ما أفصحت عنه وزارة الداخلية، في بيان لها، ذكرت فيه أن "قوة أمنية مشتركة قامت ليلة الأربعاء وصباح الخميس الواقع في الرابع عشر من مايو/أيار الماضي، بمداهمات في مدينة معان، بحثا عن مطلوبين خطرين جداً، خارجين على القانون، ومسجل بحقهم العديد من الطلبات القضائية والأمنية (...) القوة قامت بواجبها في ثلاثة مواقع، اشتبه بوجود أولئك المطلوبين فيها، وأنهت عملها من دون وقوع أي إصابات تذكر، أو حدوث اشتباك مع المطلوبين، موضحة أنه يوجد في المواقع المستهدفة عدة بيوت، استخدمها المطلوبون مخابئ لهم".
بعد أقل من 48 ساعة من الإعلان الحكومي ذاك عن ملاحقة مطلوبين، توترت الأوضاع في المدنية، بسبب تواتر أنباء نقلها أهالٍ، وشكواهم من اعتداءات بالقوة من أجهزة الأمن على الناس، واقتحامها بيوتاً آمنة، وعدم التفريق بين مطلوب وغيره في التعامل، الأمر الذي رفع حدة التوتر بين سواد أهل معان وأجهزة الأمن، وألقى ظلالاً ثقيلة على المدينة.
بحسب ما تسرب، سلب مطلوبون سيارة أمن، وتجولوا بها وسط المدينة، ورفعوا علم تنظيم داعش الإرهابي عليها وحرقوها، وفق ما ذكر الكاتب الصحافي محمد أبو رمان، الأمر الذي زاد من حجم التوتر في مدينةٍ، لم تهدأ أصلا بالشكل المطلوب، منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام إبان حركة احتجاج قام بها بعض أبناء المدينة، في ذروة الربيع العربي.
جنرالات لا يتحدثون مع بعضهم
وجاءت إقالة الجنرالات الثلاثة بعد ساعات من تصريحاتٍ، أطلقها الوزير المجالي، أعلن فيها عودة الهدوء إلى المدينة، لكن تلك التصريحات سبقتها شكاوى وتظلمات من أهل المدينة، وصلت إلى القصر الملكي، أبرزها هدم مقرات لعشائر في المدينة في أثناء عملية الدهم، ودهم أماكن بلا تنسيق وبلا تخطيط، وترويع أطفال ونساء، إضافة إلى عدم جدوى الحصار الذي كان مفروضاً على المدينة من أمد، وتمدد تنظيمات تكفيرية إرهابية فيها.
ولد ذاك الأمر قناعة عند صاحب القرار بوجود خلل في التنسيق الأمني، وإن كان لم يتم الإشارة إلى ما يجري في معان، في كتب الإقالات التي أعلنها التلفزيون الأردني الرسمي، كما أن تصاعد الكلام عن وجود خلاف بين وزير الداخلية وقائد الأمن لم يعد خافيا على أحد، إذ تأثرت علاقة العمل سلباً أكثر من عام بين الوزير المجالي ومدير الأمن العام الطوالبة، بسبب خلاف شخصي بينهما، علماً أن الطوالبة خلف المجالي في موقعه، قبل تعيينه وزيراً للداخلية، وهذا زاد القناعة بضرورة قيام الجراحة المستعجلة، من خلال إقالات وكتب أقرب إلى كتب الطرد منها إلى أي أمر آخر.
بطبيعة الحال، فإن من شأن وجود خلاف حاد بين الوزير وقائد الأمن أن ينعكس على طبيعة التنسيق في الميدان، ولا سيما أن وزير الداخلية، بحكم القانون، هو المسؤول المباشر عن قائدي الدرك والأمن العام تحديداً، فيما يجري تعيين مدير المخابرات من خلال تنسيب من رئيس الوزراء وليس من وزير الداخلية.
المجالي التقى "الإخوان" وزار السعودية
ويذكر أن وزير الداخلية، حسين هزاع المجالي، وهو نجل رئيس وزراء أردني سابق، وأخ الوزير السابق والنائب الحالي، أمجد المجالي، وأخ نائب رئيس الوزراء الأسبق، أيمن المجالي، وقائد الأمن العام السابق. وقد جاءت إقالته، بعد أيام ليست بعيدة من زيارته المملكة العربية السعودية، ولقائه مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن نايف. وجاءت الإقالة بعد أن استطاع المجالي نزع فتيل أزمة كانت بوادرها ظاهرة بين حركة الإخوان المسلمين (جماعة همام سعيد) والحكومة، إثر إصرار الجماعة على الاحتفال بعيد تأسسيها السبعين، وإصرار الحكومة على منع الاحتفال، فجاء لقاء المجالي مع قادة الإخوان في مبنى وزارة الداخلية، وخرجت الجماعة فيه بقرار يتضمن تأجيل الاحتفالية، وإعلان أن اللقاء كان ودياً ومنفتحاً وإيجابياً، وأن الحكومة، من خلال وزيرها المجالي، تحدثت مع الجماعة بلغة إيجابية وغير معهودة سابقاً، الأمر الذي رأى فيه مراقبون تليين موقف الحكومة من جماعة همام سعيد، على حساب جماعة الإخوان المسلمين المرخصة حكومياً.
أفراح في معان
على الرغم من أن كتب الإقالة لم تذكر، صراحة، أن سببها ما يجري في معان، إلا أن أهالي المدينة وزعوا الحلوى ابتهاجاً بالمناسبة، وتأييداً للإقالات.
وقال رئيس بلدية معان، ماجد الشراري، إن "هناك محاولات لجر المدينة إلى صدام مع الأجهزة الأمنية، ونحن لا نريد ذلك كأبناء معان، مشدداً على أننا نسعى إلى كشف الحقيقة لما يجري في معان إلى كل الأردنيين". وطالب الشراري أبناء المدينة بالتحلي بالصبر، وعدم الانجرار خلف الإشاعات التي يروجها بعضهم بهدف جر معان إلى فتنة وصدام مع قوات الأمن، وتغليب صوت العقل ولغة الحوار للوصول إلى حلول شاملة، في ما يتعلق بالوضع الأمني في معان.
وتبذل جهود عشائرية لإقناع المطلوبين بتسليم أنفسهم، مع توفير ضمانات رسمية بعدم الإساءة لهم، أو اضطهادهم أمنياً، أو بأي شكل طوال فترة التحقيقات معهم، من أجل إنهاء الأزمة بشكل جذري بالطرق السلمية، وبأقل الخسائر من دون وقوع مصادمات.
وقد شهد مقر بلدية معان لقاءات واجتماعات، بحضور فعاليات شعبية وشبابية ونقابية وسياسية في المدينة، لتدارس تداعيات الأحداث الأخيرة، وما يعتبرونه "نهجاً أمنياً" متبعاً في المدينة، وخصوصاً مداهمة منازل المطلوبين، أو ملاحقتهم.
ودعا النائب السابق، خالد الفناطسة، إلى "تغليب صوت العقل والحكمة في هذا الوقت"، معبرا عن "أسفه لما جرى في معان من أحداث تنعكس سلباً على السلم الاجتماعي"، معتبراً أن "تصعيد المواقف والعنف والعنف المضاد، وما سيسفر عنه من ضحايا، لن يكون في صالح أي من الطرفين".
وبعد استقالة حسين المجالي، عهد بوزارة الداخلية لسلامة حماد، وهو وزير قديم، وكانت اخر مرة تسلم فيها هذا الموقع قبل 19 عاماً، في حكومة عبد السلام المجالي، وكان وقتها وزيراً للداخلية أيضا، فغاب عن الساحة، وعاد وزيرا للداخلية، ولكن في حكومة الدكتور عبد الله النسور، وأدى قسمه الدستوري أمام الملك عبد الله الثاني، فيما كان آخر قسم أداه أمام العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال.
وأثار تعيين سلامة حماد ردود فعل متباينة بين المراقبين، فمنهم من اعتبره في مكانه، خصوصاً وأن الرجل مشهود له بالحزم، ومنح صلاحيات للحكام الإداريين، ومنهم من اعتبره عودة لأسماء قديمة راديكالية.
لمحة تاريخية تبعد معان نحو 250 كم عن العاصمة عمّان، وتميزها التوترات شبه الدائمة بين سكان المدينة والجهات الأمنية، فخلال أقل من عام، حدثت عدة مداهمات أمنية واشتباكات بين الأهالي والجهات الأمنية في المدينة، وقع على إثرها سبعة قتلى من شباب المدينة، كان آخرها مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2014، حيث لاحقت دورية من مرتبات البحث الجنائي في المدينة شاباً ثلاثينياً، على خلفية طلب قضائي بحقه بسبب مشاجرةٍ، كان قد خاضها قبل أشهر، وما كان من الشاب إلا أن هرب من الدورية، ليصاب بعدة رصاصات، تسببت في مقتله.
سبقت ذلك بعام احتجاجات أخرى على خلفية مداهمات وإطلاق نار، حيث اندلعت احتجاجات في المدينة، ساندها بعضهم في محافظات أخرى بوقفات ومسيرات احتجاجية، طالبت الدولة بعدم استخدام القوة المفرطة، وعدم تأزيم الشارع في معان.
وكانت من أبرز الوقفات الاحتجاجية مسيرة أبناء معان ممن يسكنون العاصمة عمان، حيث نظموا مسيرة احتجاجية، انطلقت من منطقة يطلق عليها حي المعانية باتجاه الديوان الملكي في عمان.
وكان ما يعرف بالتحول الديمقراطي في الأردن الذي بدأ عام 1989 قد جرى بسبب ما يعرف بـ "هبة نيسان" في معان، وانطلقت إلى محافظات ثانية، ومنذ ذاك الوقت، تغيب المدينة قليلاً، لكنها تعود إلى الواجهة كثيراً.
معان .. أزمة مفتوحة
وكان تقرير "معان.. أزمة مفتوحة"، الذي أنجزه مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية العام 2003، قد سعى إلى الاقتراب من الإجابة النهائية عن هذا التساؤل، فاستخلص أن ظاهرة الاحتجاج العنيف في معان ليست نتيجة عامل واحد فحسب، كما ساد الانطباع، وخلصت إليه دراسات سابقة، بل هي ناجمة عن جملة من العوامل المتداخلة.
على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، أظهر التقرير أن هناك مؤشرات يمكن أن تميز معان عن غيرها، إلا أن عناصر التميز تلك لا يمكن أن تفسر إلا جانباً محدوداً من الأحداث التي وقعت في المدينة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، أظهرت التركيبة العائلية والعشائرية وضعاً فريداً في معان، يمكن أن يفسر جانباً من ردود الفعل الجمعية، إذ تم استعراض سياق التحولات الاجتماعية بمنظور تاريخي، وتم ربط ذلك مع منظومة القيم السائدة في أوساط المدينة، قياساً إلى بقية أجزاء المملكة.
كذلك، إن النظر إلى معان، مشكلة أمنية مجردة عن أبعادها الأخرى، لم يساهم في إيجاد حلول جذرية تخفف من حدة الأحداث. ولتجاوز تكرار الأحداث، سواء في معان أو في أنحاء أخرى من المملكة، فإن التعامل مع معان يأتي ضمن منظار شمولي، يرى المشكلة بأبعادها كافة، إذ تبين أن سوء إدارة الأزمات أحياناً يفاقم بعض المشاكل ويعمقها.
ومع أن معان مدينة حظيت، وما تزال تحظى، بالاهتمام الرسمي، إلا أن تجارب فاشلة، مثل تجربة مصنع الزجاج، قد ألحقت أذى بثقة أهالي المدينة بالحكومة التي كانت تسعى إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية، فجاءت نتيجة ذلك الجهد عكسية. ودعا مركز الدراسات الاستراتيجية إلى العمل على تعزيز التعامل مع النخب المعانية القريبة من قاطني المدينة، نظراً لاقترابهم من هموم المواطنين، وعدم تقريب أطراف من أجهزة الدولة على حساب أطراف أخرى، حفاظاً على حيادية الدولة، وتحسين أداء مؤسسات الحكم المحلي، وفرض القانون والنظام على الجميع في المدينة، وإيقاف مسلسل الإفراجات بالذات عن المتهمين بقضايا جرمية، إرضاءً لبعض الوجهاء، من شأنه المساعدة في تجاوز أزمة الثقة، وتحسين صورة الأمن العام لدى أهل المدينة.
وفي دراستها حول "تحديات الإصلاح السياسي: دمقرطة الأردن وعدم الاستقرار الإقليمي"، اقترحت المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات اعتماد أسلوب جديد في العلاقة بين المواطن وقوات الأمن، وتطوير البنية التحتية الأساسية في معان والمدن الأردنية الصغيرة الأخرى التي تعيش ظروفاً اقتصادية مشابهة، وتنفيذ برامج للتدريب المهني وبناء القدرات، وتعزيز مهارات الشباب الفنية، وتوسيع استثمارات القطاع الخاص في المحافظة. هذه الأفكار وغيرها لم تغادر الورق حتى اللحظة.