اعتقالات في الأردن بعد وعود الإصلاح
جاء الاعتقال المستمر منذ أسابيع لنائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، الشيخ زكي بني ارشيد، ليضع الإصبع بوضوح على علاقة متأزمة بين أجهزة الدولة الأردنية والحركة الإسلامية. ويؤشر استمرار الاعتقال إلى أن الدولة الأردنية بدأت اتخاذ إجراءات عقابية بحق الحركة، وأنها في طريقها إلى قطع الشعرة التي كانت تربطهما في السابق، وحافظ عليها الطرفان (الحكومة والجماعة) على مدار أعوام خلت.
رسالة حاسمة إلى الإخوان
تمت عملية الاعتقال للرجل القوي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وهو الرجل الخلافي، ويعرف عنه تبنيه آراء متشددة في أحيان كثيرة، فهو نفسه الذي دفع بشدة إلى اتخاذ قرار مقاطعة الانتخابات النيابية، وهو الذي يحظى بعلاقات طيبة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولطالما اتهم بأنه يمثل الحركة داخل الجماعة، كما أن للرجل معارضين كثيرين في الجماعة، وهو محسوب على التيار المتشدد فيها.
ولم يكن اعتقال بني ارشيد الوحيد الذي جرى في الشهرين الماضيين في الأردن، إذ سبقته اعتقالات لناشطين حراكيين، وأحياناً لنقابيين، كما تجري بين فينة وأخرى حملة اعتقالات لمن يعرفون بالجهاديين، المؤيدين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وقد فاق عدد المعتقلين من هؤلاء العشرات، ويتحدث ناشطون أن عددهم تجاوز الـ 25، بحسب النائب المعارض في البرلمان، علي السنيد، وأطلق سراح عشرة منهم، أخيراً، فيما ما زال آخرون في الاعتقال، وتحت المحاكمة في محكمة أمن الدولة الأردنية، والتي يطعن بعضهم في دستوريتها، وهذا ما يذهب إليه نقيب المحامين السابق، ورئيس لجنة الدفاع عن بني ارشيد، صالح العرموطي.
تشكيك بعدم دستورية "أمن الدولة"
ويقول العرموطي إن قانون منع الإرهاب الذي يحاكم على أساسه بني ارشيد، وأردنيون كثيرون، أرعب الشعب، وكل مواطن أردني معرض للاعتقال والتوقيف على أساسه، مؤكداً عدم دستوريته وقانونيته في كل الأحوال، منوها إلى أن محكمة أمن الدولة أُنشئت لظروف خاصة، وتنتهي دستوريتها مع انتهاء الظروف، مستشهداً بأن جهاز الشرطة الدولي (الإنتربول) لا يعترف بمحاكم أمن الدولة، ولا بقراراتها. وقد دفع العرموطي بعدم دستورية توقيف الحكومة بني ارشيد، وعدم جواز توقيفه، على اتهامات تتعلق بتعكير علاقات الأردن مع دولة صديقة (الإمارات العربية المتحدة) التي كان بني ارشيد قد انتقدها بحدة، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، تعقيبا على قرار الإمارات اعتبار جماعة الإخوان المسلمين "تنظيماً إرهابيا"، الأمر الذي دفع قوات أمنية إلى انتظار الرجل حتى منتصف الليل، حتى يتم الانتهاء من اجتماع للمكتب التنفيذي للجماعة، واعتقاله حال خروجه من الاجتماع.
وعلى الرغم من حملة الشد القوية على الحركة الإسلامية من الحكومة الأردنية، إلا أن اعتقال بني ارشيد لم "يفرط" مسبحة التواصل بين الحكومة والجماعة بالكامل، وإنما يعتبره مراقبون رسالة أكثر من واضحة للجماعة من أجهزة الدولة المختلفة، فعملية الاعتقال جاءت متزامنة مع سلسلة من حملات الاعتقال، التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الأردنية حالياً، وطالت أفراداً من الجماعة وخارجها، من أبرزهم إسلاميون متشددون.
تململ نيابي خجول
وقد بدأ نواب في البرلمان الأردني، منهم علي السنيد ورلى الحروب، يعلون الصوت، انتقاداً لاشتداد ما اعتبروها "حملات اعتقالات" تجري تحت مسميات مختلفة، ويرون أن من شأن الاستمرار في ذلك تخفيض سقف الحريات النسبية التي يتمتع بها الأردن حالياً.
وفي جلسة للبرلمان، عقدت، أخيراً، وجه النائب الخارج من عباءة جماعة الإخوان المسلمين، عبد المجيد الأقطش، انتقادات حادة لحملة الاعتقالات، ولاعتقال بني ارشيد خصوصاً، وقال، بحضور رئيس الحكومة، عبد الله النسور، إن حبس بني ارشيد جاء بعد أن انتقد دولة شقيقة (الإمارات) وضعت نفسها، على حد قوله، مكان الأمم المتحدة لتصنف جماعات الإرهاب، وذكّر بتاريخ الجماعة مع الدولة الأردنية، فقال إن لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن تاريخاً مشرفاً، فسبق وأن ترأس أحد أعضائها، عبد اللطيف عربيات، رئاسة مجلس النواب ثلاث دورات متتالية من أعوام 1990 -1993، كما أن الجماعة كانت إلى جانب الدولة الأردنية في مفاصل مهمة كثيرة.
وقد انتقدت جماعة الإخوان وحزب جبهة العمل الإسلامي، الذي ينظر إليه باعتباره الجناح السياسي للجماعة، الاعتقالات، وخصوصاً اعتقال بني ارشيد، واعتبرته "تأزيماً للموقف المتأزم أصلاً بين الحكومة والجماعة"، وقال الحزب إن الاعتقال تم بحق "شخصية وطنية مرموقة، ومن أحرار الوطن المعروفين على مستوى الأمة والشعب الأردني، وقد عرف عنه ولاؤه للأمة والوطن".
ويمثل بني ارشيد، بالإضافة إلى موقعه في الجماعة، مواقع فكرية على المستوى العالمي، فهو أمين عام منتدى كوالالمبور للفكر الإسلامي، والذي يترأسه رئيس وزراء ماليزيا السابق، مهاتير محمد.
وطالب الحزب في بيان ثان الحكومة بإغلاق ملف الاعتقالات، وطي صفحتها، ودعا الجميع إلى الالتفات للأوضاع الداخلية، ووضع المصالح العليا للدولة الأردنية فوق كل الاعتبارات الضيقة والصغيرة، معرباً عن قلقه، أيضاً، مما اعتبرها "استمراراً لحملة الاعتقالات للنشطاء السياسيين والحراكيين والإصلاحيين، بذرائع مختلفة، ولأسباب ليس لها ما يبررها، ولا تستند لعرف قانوني". ورأى الحزب أن "الاعتقالات واستمرارها لن تكون في صالح الوطن والمواطنين، لأنها تسهم في تشويه صورة الأردن الحضارية، ورفع وتيرة الإثارة والتوتر، وتزيد من حالات الاحتقان الشعبي، والعنف المجتمعي".
انتقاد دولي
لم يقتصر انتقاد الاعتقالات التي تجري على التنظيمات الداخلية، إذ دانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تجريم حرية التعبير والاعتقالات التي تجري في الأردن، بناء على الرأي. وقال الباحث في شؤون الشرق الأوسط في مكتب المنظمة الحقوقية العالمية، آدم كوجل، إن الاعتقالات بناء على تجريم حرية التعبير والحد منها مرفوضة بالنسبة لالتزامات الأردن الدولية، وإن الحد من حرية التعبير يناقض وعود الإصلاح والبرنامج الإصلاحي الذي تعهد به الأردن عام 2011، لافتا إلى أن الاعتقالات تشير إلى أن الإصلاح لم يتحقق بشكل جذري.
ويذكر أن الأردن شهد، في أثناء ثورات الربيع العربي، حركات احتجاجية، كان سقف الشعارات فيها يتجاوز الخطوط الحمر، ويبدو أنه عاد إلى ترتيب أوراقه الداخلية، بعد أن استشعر تراجع مد "الربيع العربي"، مستفيدا من الحرب التي تشن على ما يعرف بالإرهاب، ويشارك فيها الأردن عسكرياً.
ولهذا، اتسعت رقعة الاعتقالات في الأردن، في الشهور الفائتة، وبات حجم التشدد في الاعتقال أكثر بكثير من حجم اتساع الصدر الذي كانت تبديه أجهزة الدولة المختلفة، إبان الربيع العربي، والذي تجلى عندما كان رجال الشرطة يوزعون مياه الشرب على المتظاهرين في الشارع، فيما أصبح اولئك أنفسهم يستخدمون العصي حالياً لفض التظاهرات.
المعشر ينتقد
وقد وجدت عمليات الاعتقال التي جرت وتجري من ينتقدها من داخل (السيستم)، ومن أشخاص كانوا مقربين بشدة من الحكومات الأردنية والقصر على حد سواء، وهذا تجلى في النقد العلني الذي عبر عنه نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، رئيس لجنة الأجندة الملكية، مروان المعشر، والمعروف عنه ليبراليته، ودعوته الدائمة إلى الإصلاح، وقال في محاضرة له في عمان، أخيراً، "أتهم بأنني متعاطف مع الإخوان (الإخوان المسلمين) علما بأنني ليبرالي علماني، وهو اتهام مضحك، ولكن، لا أستطيع الدفاع عن حرية الرأي لمن أتفق معه فقط، فنحن لا نتحدث عن حرية رأي انتقائية، وعلى الرغم من اختلافي مع الإخوان، إلا أنني أدافع عن حقهم في التعبير عن آرائهم سلميا".
وبشأن الربيع العربي، قال: "بعد مرور 4 أعوام على بدء اليقظة العربية، تبين لنا أن الشعوب العربية كانت تعيش استقراراً زائفاً، وما إن ارتفع الغطاء عن الاستقرار برزت المشكلات، وهو ما يفسر حالة الاقتتال والاضطراب التي تشهدها المنطقة العربية"، متوقعا استمرار الفوضى والاضطرابات وقتا طويلاً.
وأشاد المعشر بالنموذج الديمقراطي التونسي، القائم على التعددية والتبادل السلمي للسلطة، واحترام الحقوق، وقال إن الدستور التونسي منح المرأة حقوقها كاملة، ونص على احترام حرية المعتقد، وذلك بموافقة التيار الإسلامي الذي كان حاكماً، مما يؤكد أنه ليست ثمة مشكلة بين الدين والعلمانية بمفهومها الصحيح، لكن المشكلة في الفهم الخاطئ للدين، مذكراً بأن الداعية الإصلاحي، محمد عبده، طالب قبل مائة عام، بفصل الدين عن الدولة.
وانتقد الوزير الأسبق، المعشر، مسوغات اعتقال نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، زكي بني ارشيد، معتبراً أن الاختلاف في الرأي مع بني ارشيد ليس مبرراً لاعتقاله. وطالب بإلغاء النص القانوني المتضمن جرم تعكير صفو العلاقات مع دولة خارجية، باعتباره مخالفا للدستور، وقال: "بني ارشيد عبّر عن رأيه على صفحته الشخصية في فيسبوك، وحتى لم ينشره مقالاً في صحيفة، وإذا لم نعد قادرين على كتابة أي شيء على فيسبوك فهذه مشكلة كبيرة ".
وتطول الاعتقالات في الأردن حاليا، في سوادها، من يتبنون التكفير، ومن يتعاطفون مع "داعش"، وتطال شخصيات إسلامية قيادية ووسطية في جماعة الإخوان المسلمين، أحياناً، فقد جرى اعتقال الناشط، ثابت عساف، وهو أحد القياديين الوسطيين في الجماعة، وجرى الاعتقال، أيضاً، في أثناء خروجه من مقر الجماعة في عمان، كما جرى اعتقال الناشط، باسم الروابدة.
الحكومة: أمنية وليست سياسية
وقد نفت الحكومة الأردنية أن تكون الاعتقالات على خلفيات سياسية، وإنما تعتبرها جرت بمقتضى القانون، وعلى خلفيات أمنية بحتة. وتصرح السلطات بهذا النفي، بشكل رسمي، ودائم، عند السؤال عن الاعتقالات وأسباب الحملة، وعندما تثار تساؤلات من ناشطين عن مرحلة الإصلاح، وإن كانت الاعتقالات تؤشر إلى بداية تراجع عن الإصلاح الموعود. وقد رفضت الحكومة الأردنية، بلسان ناطقها الرسمي، وزير الإعلام، محمد المومني، اتهامات وجهها حزب جبهة العمل الإسلامي لها بأن عمليات الاعتقال، التي تجري، أوامر وإملاءات خارجية، وقال: "الأردن دولة قانون ومؤسسات، والتوقيف يكون لأولئك الذين يتجاوزون على القانون (...). حق الأردنيين في التعبير عن الرأي مصون في الدستور، وهذا ما يمارسه المواطنون باستمرار وبشكل يومي (...)، أما القلة القليلة التي لا تعرف التعبير إلا بالإساءة والتجاوز، فالقانون سائد على الجميع".
في المجمل، يرى بعضهم الاعتقالات تكشيراً واضحاً من الأردن الرسمي في وجه جماعة الإخوان المسلمين، وتحمل رسالة شديدة الوضوح، مفادها إشعارها (الجماعة) بأهمية التزام حدها.