معاناة مع فقر الدم الوراثي في اليمن

20 يونيو 2020
دواء الثلاسيميا صار بحوزتها (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

ثمّة أمراض وراثية عدّة تُحصى في اليمن، ولعلّ أبرز أسبابها زواج الأقارب الشائع في البلاد. ومن بين تلك الأمراض، أنواع مختلفة من فقر الدم الوراثي، منها خصوصاً الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي.

في كلّ يوم، تتفاقم معاناة المرضى المصابين بواحد من أنواع فقر الدم الوراثي المختلفة وأسرهم في اليمن، من جرّاء عدم توفّر الأدوية اللازمة في مراكز العلاج وارتفاع أسعارها في الصيدليات الخاصة، فيما يقابَل ذلك بتجاهل كامل من قبل وزارة الصحة العامة والسكان اليمنية. يوسف منصور (عشرة أعوام)، واحد من هؤلاء، من محافظة ريمة، غربي اليمن، وهو مصاب بالثلاسيميا. يقول والده إنّ "صغيري يعاني كثيراً بسبب مرض الثلاسيميا، لكنّ عدم توفّر الأدوية المجانية في مراكز العلاج وارتفاع ثمنها في الصيدليات الخاصة يضاعف معاناته". ويشير الوالد إلى أنّ "عدم توفّر مركز لعلاج مرضى الثلاسيميا في محافظة ريمة يفاقم كذلك معاناة يوسف، إذ نضطر إلى السفر شهرياً إلى صنعاء لتلقّي العلاج"، شارحاً أنّه "في حاجة إلى نقل دم بشكل دوري طوال حياته، ومصاريف العلاج والسفر تفوق قدرتي الاقتصادية، وأخشى ألا أتمكّن من توفير تكاليف العلاج مستقبلاً". 

من جهتها، أسيل عبد الغني (سبعة أعوام)، من سكان محافظة تعز، جنوب غربي اليمن، وهي مصابة بفقر الدم المنجلي. وتعبّر والدتها هناء إبراهيم عن "خشيتي من أن تفقد طفلتي حياتها بسبب مضاعفات هذا المرض المزمن"، لافتة إلى أنّها "تتعرض من وقت إلى آخر لآلام شديدة نتيجة عدم توفر مركز قريب لنقل الدم وعدم توفّر الأدوية بشكل متواصل في مركز العلاج في صنعاء". تضيف الوالدة "هذا المرض مزمن ولا يمكن الشفاء منه، بحسب الأطباء، وأدويته باهظة الثمن وليس في مقدورنا شراؤها دائماً. ونحن نتكبّد عناء السفر من تعز إلى صنعاء بشكل دوري لنقل الدم". وتطالب الوالدة السلطات المعنية بـ"توفير الأدوية ومراكز الدم للتخفيف من معاناة المرضى وأهاليهم".

وفقر الدم الوراثي مثلما تشير إليه تسميته ينتقل من الآباء إلى الأبناء، ومن أكثر أنواعه المنتشرة في اليمن الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي. المشكلة لدى مرضى الثلاسيميا تكمن في عجز أجسامهم عن إنتاج الهيموغلوبين وخلايا الدم الحمراء الطبيعية بالشكل والكميات الكافية، الأمر الذي يقلل من وصول الأكسجين إلى أجزاء الجسم المختلفة. أمّا أجسام المصابين بفقر الدم المنجلي فتعجز عن تصنيع هيموغلوبين الدم بشكل طبيعي، الأمر الذي يتسبّب في إنتاج خلايا دم حمراء منجلية الشكل (بينما الشكل الطبيعي قرصي)، وهو مرض يترافق مع آلام شديدة وقد يسبّب جلطات ونوبات قلبية.



في السياق، يقول الطبيب رشاد ماجد إنّ "زواج الأقارب في اليمن يُعَدّ السبب الرئيس وراء معظم الإصابات بفقر الدم الوراثي، لذلك ينصح الأطباء في اليمن الشبان بشكل مستمر بإجراء فحوصات ما قبل الزواج لتفادي إصابة الأبناء بأمراض وراثية مختلفة، لكنّ الشبان يتجاهلون تلك النصائح على الرغم من أهميتها البالغة". يضيف ماجد أنّ "اليمن يعاني كغيره من بلدان العالم من الأمراض الوراثية وفي مقدّمتها تكسّر الدم، الذي يمثّل أكثر من ثلث الحالات المرضية الوراثية في البلاد ويسبّب معاناة كبيرة للمرضى وأسرهم". ويوضح ماجد أنّ "تجاهل الشبان فحص ما قبل الزواج هو الذي يؤدي إلى إصابة الأبناء بالأمراض الوراثية المختلفة، ومنها الثلاسيميا الخطيرة الذي يحتاج المصاب بها إلى نقل الدم كلّ 21 يوماً، بالإضافة إلى حقن دوائية بواسطة مضخات خاصة لمدّة خمسة أيام في الأسبوع طوال الحياة، إلى جانب تناول أدوية أخرى".

وكانت الوفيات بفقر الدم الوراثي قد تزايدت في سنوات الحرب الماضية، بسبب عدم توفّر الأدوية في مراكز العلاج وعدم قدرة أهالي المرضى على شرائها من الصيدليات الخاصة بسبب ارتفاع ثمنها وتردّي أوضاعهم الاقتصادية. ويقول المدير التنفيذي للجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي في العاصمة صنعاء، جميل الخياطي، إنّ "إجمالي عدد المرضى المسجلين لدى الجمعية حتى نهاية عام 2019، بلغ 5085 مريضاً، منهم 635 مصاباً بالثلاسيميا و4450 بفقر الدم المنجلي"، لافتاً إلى أنّ المصاب بالثلاسيميا يحتاج إلى أدوية بقيمة 200 دولار أميركي شهرياً، في حين يحتاج المصاب بفقر الدم المنجلي إلى أدوية بقيمة 100 دولار شهرياً".

يضيف الخياطي أنّ "الجمعية تحاول جاهدة توفير الأدوية مجاناً لجميع المرضى للتخفيف من معاناتهم والمساهمة في استقرار حالاتهم، غير أنّها تجد صعوبة كبيرة في ذلك حالياً بسبب الحرب في البلاد التي أدّت إلى توقّف صرف الميزانية التشغيلية للجمعية"، مشيراً إلى أنّ "أكثر من 250 مريضاً توفّوا بفقر الدم الوراثي في اليمن منذ بدء الحرب". ويتابع الخياطي أنّ "مركز العلاج التابع للجمعية يقدّم الخدمات المتوفرة مجاناً للمرضى، وكذلك تعمد الجمعية إلى إرسالهم إلى المستشفيات الحكومية والخاصة لإجراء الفحوصات غير المتوفرة لديها مجاناً أو بأسعار مخفّضة بعد التنسيق مع إدارات تلك المستشفيات".



تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة الصحة العالمية تُعدّ علاج مرضى الثلاسيميا معجزة نادرة في اليمن، علماً أنّها تكافح بدورها من أجل تلبية الاحتياجات الصحية في ظلّ الصراع المستمر في البلاد منذ سنوات ووسط نظام صحي متدهور. وهي أفادت في تقرير نشرته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بأنّها وفّرت نحو 45 ألف عبوة لنقل الدم لمرضى الثلاسيميا في اليمن في خلال 2019، بالإضافة إلى المحاليل والكواشف التي بدورها تضمن سلامة ومأمونية نقل الدم وتساعد على تعزيز قدرات مراكز نقل الدم في البلاد.
دلالات
المساهمون