معارك محتملة

23 يونيو 2020
+ الخط -
في حقبة التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في الفترة التي حكم فيها يلتسن، شهدت روسيا هجرة الكثير من العلماء والنخب وصلت أعدادها إلى عشرات الآلاف، الأمر الذي أدى إلى تراجع مكانتها العلمية. ومع مجيء بوتين إلى السلطة حاولت الإدارة الجديدة استعادة المكانة العلمية، وحاولت استقطاب العلماء الذين سبق وهاجروا من روسيا ومن دول الاتحاد السوفييتي، لكن لم تكن المهمة بالسهلة، إذ إن روسيا لم تصبح مكاناً جاذباً للعلماء. ولم تكن قادرة على منافسة الأقطاب الأخرى، وإن نجحت إلى حد ما في إيقاف هجرة النخب.

وعندما سِيق العراق إلى مذبح الحصار في بداية التسعينيات تعرض لنفس المشكلة. إذ لم يصبح قادراً على الاحتفاظ بعلمائه، سيما في ظل انهياره الاقتصادي، وفي ظل إمكانيات الأقطاب الأخرى المغرية والجاذبة.


والجدير ذكره أن كثيرا من الدول، سيما ذاوت الديموغرافيا العالية والمتوسطة، مفرغة من نخبها ومن رصيدها من العلماء، لضعفها وضعف إمكانياتها العلمية وبنياتها التحتية وسياساتها القمعية. وبلا شك هي مستنزفة من دول الغرب وما إليه من سياسات الغرب في استقطاب نخبها وكوادرها العلمية من جهة ودعمه لديكتاتورياتها من جهة أخرى.

ومع مجيء الرئيس المصري الراحل مرسي إلى الحكم في خضم الربيع العربي، حاول فتح هذه الجبهة المؤجلة مع الغرب، سيما مع الولايات المتحدة التي تستحوذ على أرقام هائلة من العقول والنخب المصرية والعربية والإسلامية. ولم تكن الحكومة الأميركية تتركه لينفذ مخططه ومشروعه، لا شك كانت ستتخذ تدابيرها، سيما أن كفة القوة كانت من الممكن أن تميل لصالح مشروعه، ولإمكانية تجاوب النخب معه واستجابة حسها الوطني له.

واليوم مع رسوخ المشروع النهضوي التركي، وشموله على امتلاك مقدرة علمية حديثة -عبر تفريغ أعداد ضخمة من العلماء وإعداد وتشييد بنية تحتية واعدة والاهتمام ببناء الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية، بهذا كله يفتح معركة حرجة مع الغرب وغيره وفي نفس الوقت واسعة. فيمكن له منافسة الغرب نفسه في الدول المصدرة للغرب في آسيا وأفريقيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق كأوكرانيا وبيلاروسيا وغيرها. وكذلك من الدول الغربية نفسها. فكثير من العلماء كانوا في السابق مضطرين للجوء إلى الغرب وهم كارهون لسياساته وأيديولوجياته.

السؤال الذي يحاكي المرحلة القادمة.. هل سيترك النظام التركي القائم ليخوض معركة حرجة مع الغرب تؤدي لإضعاف قدراتهم العلمية؟ هل سيترك الغرب القوة الناعمة تنهش مقدراته؟
9BB41024-A381-4F00-9590-787177717E83
عبد الفتاح أبو طاحون
كاتب وباحث وروائي ومحلل سياسي مهتم بالشأن الإقليمي ومختص بالشأن الروسي