بعد مرور أكثر من عشرين يوماً على التدخّل الروسي المباشر في سورية بتقديم غطاء جوي لقوات النظام السوري التي فشلت على الرغم من ذلك من تحقيق أي تقدّم يُذكر على جبهات القتال في أرياف حماة واللاذقية ودمشق وحمص الشمالية، قررت قوات النظام أن تباغت المعارضة السورية في خاصرتها الأضعف في الشمال السوري بريف حلب الجنوبي الذي شهد على مدار السنوات الثلاث الماضية هدوءاً نسبياً بالمقارنة مع باقي مناطق الشمال السوري التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
وبدأ النظام السوري بحشد قواته منذ نحو أسبوع في منطقة جبل عزان الاستراتيجية التي تسيطر عليها جنوب حلب لتطلق عملية عسكرية كبيرة في المنطقة ضد قوات المعارضة بإسناد جوي من الطيران الحربي والمروحي الروسي وبمشاركة قوات مليشياوية عراقية ومحلية. وتمكّنت قوات النظام من التقدّم من منطقة جبل عزان لتسيطر على قرية عبطين، قبل أن تنفذ طائرات مروحية روسية إنزالاً جوياً على تل بلاس لتندلع اشتباكات في المنطقة بين القوات التي تم إنزالها وقوات المعارضة التي كانت تسيطر على التل، لتضطر الأخيرة إلى الانسحاب، ما فتح المجال أمام قوات النظام للتقدّم وبسط سيطرتها على بلدة تل بلاس، قبل أن تتمدّد أكثر وتدخل بلدة كفر عبيد وتسيطر عليها بالكامل بعد اشتباكات استمرت ساعات في المنطقة وافضت إلى تدمير قوات المعارضة لدبابتين وآلية هندسية من نوع "تركس" بحسب الناشط الاعلامي الميداني زكريا محمد.
وواصلت قوات النظام تقدّمها جنوباً بإسناد جوي كثيف من الطيران الروسي، الذي نفذ منذ صباح أمس الجمعة أكثر من أربعين غارة جوية بالصواريخ الفراغية والعنقودية على بلدات الزربة وزيتان وخلصة والحاضر في ريف حلب الجنوبي، وتمكّنت قوات النظام من التقدّم أكثر لتدخل قرية خلصة حيث تتواصل الاشتباكات مع قوات المعارضة هناك بحسب الناشط محمد.
وتمثّل الخرق الذي حققته قوات النظام في ريف حلب الجنوبي حتى الآن، بتقدّمها مسافة تقدر بنحو اثني عشر كيلومتراً من قرية عبطين وصولاً إلى بلدة كفرعبيد على طريق حلب تل الضمان، وهو خرق لم تتمكن قوات النظام من تحقيقه على أي من جبهات القتال الأخرى على الرغم من وجود الإسناد الجوي الروسي لها.
ولم تكتفِ قوات النظام بذلك، إذ بدأت منذ صباح أمس الجمعة محاولات لاقتحام جبهات القتال مع قوات المعارضة في منطقة خان طومان الاستراتيجية الواقعة في مدخل مدينة حلب الجنوبي قرب اوتوستراد حلب دمشق الدولي والذي تسيطر عليه قوات المعارضة، ولكنها لم تتمكن من تحقيق خرق يُذكر على جبهات القتال في خان طومان حتى الآن، على الرغم من استباقها الهجوم بقصف عنيف براجمات الصواريخ مدعوماً بقصف جوي من الطائرات الروسية. وأعلنت قوات المعارضة في المنطقة أنها تمكنت حتى عصر يوم أمس من تدمير أربع دبابات وعربة ناقلة للجند من طراز "بي أم بي" في منطقة خان طومان الأمر الذي منع قوات النظام من التقدّم.
اقرأ أيضاً: المعارضة السوريّة بعد إعلانها"غزوة حماة" تهاجم قوات النظام
وتعتمد قوات النظام في معركة ريف حلب الجنوبي على استراتيجية السيطرة على الجبال والتلال في المنطقة بهدف بسط سيطرتها النارية على المناطق السهلية المحيطة بها للسماح لقواتها البرية بالتقدّم، إذ بدأت هجومها من جبل عزان نحو قرية عبطين وبلدة الوضيحي قبل أن تسيطر على عبطين، ومن ثم قامت بإنزال جوي على تل بلاس الذي دافعت عنه قوات المعارضة وخسرت عدداً من عناصرها قبل أن تنسحب منه. وتتحضر قوات المعارضة للدفاع عن تل المنطار وجبل العيس في المنطقة نفسها، خوفاً من قيام قوات النظام بإنزال جوي مفاجئ عليهما يجبر المعارضة على الانسحاب من مناطق واسعة بريف حلب الجنوبي في حال سيطرت قوات النظام على هذه المرتفعات.
وتستفيد قوات النظام في معركة ريف حلب الجنوبي من عدم وجود فصائل مسلحة معارضة كبيرة في المنطقة، إذ أن معظم أبناء هذه القرى التي تتمدد فيها قوات النظام منضوون في فصائل المعارضة الكبيرة التي تحشد قواتها على الجبهات الساخنة في مناطق الشمال السوري، الأمر الذي استغله النظام في مباغتة قوات المعارضة في ريف حلب الجنوبي، ولم تنفع المؤازرات التي أرسلتها فصائل المعارضة حتى الآن في ردع قوات النظام عن إحراز مزيد من التقدّم في المنطقة.
وقد تنبّهت قوات المعارضة إلى خطورة هذا الوضع الذي قد يُمكّن النظام السوري من تسجيل عدة نقاط على حساب المعارضة، وعلى هذا الأساس أعلن "جيش الفتح"، الذي يشكّل ائتلاف أكبر فصائل المعارضة المسلحة في ريف إدلب، عن فتحه معركة جديدة ضد قوات النظام في ريف حماة الشمالي الشرقي، وهي منطقة مقابلة مباشرة لمناطق ريف حلب الجنوبي التي يهاجمها النظام.
وأعلن المكتب الاعلامي في "جيش الفتح"، أن قواته شنّت منذ مساء الخميس هجوماً بالأسلحة الثقيلة على بلدات سكيك ومعان وعطشان شمال شرق محافظة حماة، مؤكداً أن قواته تمكنت من السيطرة على صوامع القمح القريبة من قرية المنصورة، وتدمير دبابتين للنظام في موقع حمرا القريب.
ويبدو أن قوات "جيش الفتح" تضع بلدة معان الموالية للنظام في ريف حماة الشرقي نصب أعينها كي تجبر قوات النظام على سحب تعزيزاتها من ريف حلب الجنوبي وبالتالي تتمكن من شن هجوم معاكس هناك تستعيد من خلاله المناطق التي خسرتها، لتمنع النظام السوري من تسجيل خرق ميداني في ريف حلب الجنوبي قد يستثمره سياسياً بعد فشله بإحداث أي خرق على جبهات ريفي حماة واللاذقية.
اقرأ أيضاً: قتلى بقصف النظام السوري في الغوطة وغارات روسية باللاذقية