معارك إدلب-حماة: النظام يقصف بالفوسفور للانتقام من المدنيين

03 يونيو 2019
الحريري: العملية السياسية أصبحت مثاراً للسخرية بين السوريين (الأناضول)
+ الخط -
لم تجد المعارضة السورية بدّاً من التلويح بورقة الانسحاب من العملية السياسية برمتها للضغط على المجتمع الدولي كي يتدخّل لإيقاف عمليات القتل المستمرة بحق السوريين في محافظة إدلب ومحيطها منذ أكثر من شهر من قبل قوات النظام والطيران الروسي، ما يعني انتهاء عملية التفاوض والعودة إلى الصراع المسلح، في ظلّ إصرار المعارضة على عدم التفريط بمعقلها البارز وانتزاع آخر الأوراق من يدها.
في المقابل، لا يبدو أنّ النظام والجانب الروسي بصدد التوقّف عن استهداف المدنيين في شمال غربي سورية، للضغط على الجانب التركي وفصائل المعارضة السورية من أجل الحصول على مكاسب ميدانية باعتراف المعارضة بواقع السيطرة الجديد، إلى جانب تحقيق مكاسب سياسية تتعلّق بتشكيل اللجنة الدستورية وفق الرؤية الروسية الباحثة عن أغلبية مريحة للنظام في هذه اللجنة، لتمرير دستور يتيح لبشار الأسد البقاء في السلطة، ما يحفظ المصالح الروسية في شرقي البحر المتوسط ويكرسها.

وقتل وجرح عدد من المدنيين، أمس الأحد، جراء تجدّد القصف الجوي والبري من قبل قوات النظام السوري على ريفي حماة وإدلب شمال غرب البلاد، إذ قالت مصادر من الدفاع المدني السوري في ريف حماة، إنّ مدنيين قتلا وأصيبت امرأة جراء قصف مدفعي من قوات النظام على منازل المدنيين في قرية الزكاة بريف حماة الشمالي.

بدورها، ذكرت مصادر من الدفاع المدني في إدلب، أنّ طائرة حربية تابعة للنظام ألقت بصواريخ متفجرة على منازل المدنيين في بلدة كفرلاتا جنوب أريحا بريف إدلب، ما أدى إلى وقوع جرحى بين المدنيين، وأضرار مادية في الممتلكات. كذلك، شنّ طيران النظام غارات جوية على مدينة كفرزيتا بريف حماة الشمالي، فيما استهدفت فصائل المعارضة بصواريخ غراد مواقع عدة لمليشيات الأسد.

في موازاة ذلك، لا يزال محور الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي يشهد اشتباكات، حيث حاولت مجموعة من قوات النظام التسلّل ليل السبت الأحد إلى المنطقة، إلا أنها جوبهت بالصواريخ والرشاشات الثقيلة، ما أدى إلى مقتل وجرح عناصر منها، وإجبارها على التراجع. وذكرت مصادر إعلامية معارضة، أنّ قوات النظام عمدت إلى قصف مكثف براجمات الصواريخ والمدفعية، بهدف منح عناصرها فرصة سحب القتلى والجرحى من المحور الذي حاولوا التسلل إليه.

وفي السياق، أكّد مدير "مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية"، نضال شيخاني، في حديث مع "العربي الجديد"، الأنباء التي ذكرت أنّ قوات النظام قصفت بلدة اللطامنة في ريف حماة بالفوسفور الأبيض، أوّل من أمس السبت، مشيراً إلى أنها "ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام أسلحة محرمة دولياً خلال التصعيد الحالي". وأوضح شيخاني أنّ النظام "استهدف مناطق عدة في ريفي حماة وإدلب بالنابالم والفوسفور، ما أدى إلى احتراق محاصيل القمح والشعير".

من جانبه، قال "تجمع شباب اللطامنة"، لـ"العربي الجديد"، إنّ النظام "يستخدم سلاح الفوسفور الحارق مع بداية موسم الحصاد لحرق أكبر مساحة من الأراضي الزراعية، بهدف تكبيد المدنيين خسائر كبيرة". وأوضح أنّ "معسكر قرية بريديج في ريف حماة الشمالي هو المعسكر الأبرز الذي يتمّ من خلاله قصف بلدتي كفرزيتا واللطامنة في ريف حماة الشمالي بسلاح الفوسفور الأبيض الحارق والمحرم دولياً، إضافة إلى المعسكر الروسي الواقع جنوب مدينة حلفايا". وأشار التجمع إلى أنّه وثّق خلال شهر مايو/أيار أكثر من 25 حالة استخدام لهذا السلاح الحارق، ما تسبب بحرق أكثر من 800 دونم من محاصيل زراعية مختلفة، كالقمح والشعير والبرسيم.

وبدأت الحملة العسكرية واسعة النطاق التي يشنها النظام وحليفته روسيا، بالتأثير على مجمل المشهد السوري، وفي قلبه العملية السياسية المتوقفة، إذ لوّحت المعارضة السورية أخيراً، بورقة الانسحاب من هذه العملية، في حال عدم التوقف عن قتل السوريين. وفي تصريح هو الأول من نوعه لجهة حدته، قال رئيس "هيئة التفاوض العليا" التابعة للمعارضة، نصر الحريري، إنّ العملية السياسية "أصبحت مثاراً للسخرية بين السوريين"، مشيراً في كلمة له بمناسبة عيد الفطر إلى أنه "ضمن الظروف الحالية لا يمكن استعادة العملية السياسية التي إن لم تكن دمرت بالكامل، توقفت إلى أمد بعيد لأن النظام السوري لا يؤمن بالحلول السياسية". وتابع في تصريحات تلفزيونية أنه "لا توجد عملية سياسية، وما يتم التعويل عليه هو القتال وفقط القتال، والمستهدف هو الشعب السوري".

وشنّ الحريري هجوماً على الجانب الروسي، مطالباً إياه بدعم مطالب السوريين والتخلّي عن النظام من أجل ضمان مصالح بلاده في سورية، واستمرار نفوذها في المنطقة، مشيراً إلى أنّ المعارضة "اعتمدت الصبر الاستراتيجي خياراً". وأضاف "فشل نظام الأسد في ما يريد في اللجنة الدستورية"، معرباً عن اعتقاده بأنّ النظام "مأزوم بأوساطه الداخلية، وتتنازعه الأوامر من روسيا وإيران، ويعيش أزمة اقتصادية خانقة".

ومن الواضح أنّ المعارضة السورية أيقنت أنّ العملية السياسية لم تعد ذات جدوى في ظلّ إصرار الجانب الروسي على فرض تسوية تبقي بشار الأسد في السلطة، ما يعني استسلاماً مقنّعاً للمعارضة السورية، التي تؤكّد أنها لا تزال متمسّكة بالعمل السياسي تحت مظلة الأمم المتحدة. وفي السياق، ذكر مصدر في هيئة التفاوض العليا لـ"العربي الجديد"، أنّ تلويح الحريري بورقة القتال "مناورة وتلويح بالعصا، في حال عدم إعطاء العملية السياسية دفعة إيجابية بناء على قرارات الشرعية الدولية".

بدوره، أشار عضو هيئة التفاوض، إبراهيم الجباوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "انسحابنا غير وارد من العملية السياسية"، مضيفاً "سلبيات الانسحاب ستكون كارثية". وتابع "يبتغي النظام وداعموه انسحابنا من العملية السياسية، ليقولوا للعالم لم يعد هناك من نفاوضه. لا أعتقد أن نعلن الانسحاب كلياً، رغم أنه لا توجد مفاوضات".

وتوقّفت المفاوضات غير المباشرة بين المعارضة السورية والنظام في أواخر يناير/كانون الثاني من عام 2018، بعد تسع جولات تفاوضية لم تفض إلى نتائج يمكن البناء عليها لإحلال السلام في سورية. وكانت الأمم المتحدة توصّلت في الجولة الرابعة التي انعقدت في فبراير/شباط من عام 2017، إلى اتفاق على جدول أعمال يتكون من أربع "سلال"؛ الأولى تتعلّق بالقضايا الخاصة بإنشاء حكم غير طائفي يضم الجميع، والثانية بالقضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، والثالثة في كل ما يتعلق بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع دستور تحت إشراف الأمم المتحدة، على أن تشمل الانتخابات السوريين خارج بلادهم، فيما السلة الرابعة تتعلّق باستراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية وبناء إجراءات للثقة المتوسطة الأمد. ولم تحقّق الجولات اللاحقة أي نتائج تذكر، في ظلّ إصرار النظام على تمييع العملية التفاوضية، مستفيداً من تعاطٍ أميركي رخو مع ملف التفاوض في سورية.

وتحت ضغط إقليمي، وافقت المعارضة على تشكيل لجنة دستورية قبل تحقيق إنجاز بالانتقال السياسي، ولكن النظام وحلفاءه وضعوا العراقيل أمام تشكيلها، مطالبين بحصة أكبر لصالح نظام الأسد في اللجنة التي قررت الأمم المتحدة أن تتوزع بالتساوي بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني.

إلى ذلك، أشار الناطق باسم هيئة التفاوض، يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "النظام لا يريد حلاً سياسياً ويبحث عن حلّ عسكري"، مضيفاً "روسيا التي تتحدث عن العملية السياسية تتصرّف بغطرسة ووحشية". وأكّد العريضي أنه "عملياً لا توجد مفاوضات"، وأنّ "مهمّة الهيئة القيام بالتفاوض، ولكن ذلك غير موجود".

واعتبر العريضي أنّ بقاء الهيئة "يزعج الروس، ويؤلم النظام الذي يتطلع وحلفاءه إلى اللحظة التي لا يوجد فيها أحد في الساحة يمكن أن يفاوضوه"، مضيفاً "الهيئة متمترسة خلف الحقّ السوري المنصوص عليه بالقرارات الدولية، ولا يمكن أن تكون شاهد زور على ضياع حق السوريين". وعن تصريحات الحريري، قال إنها "لا تعني نعي العملية السياسية، بل تصوير واقع الحال لوضع العالم أمام مسؤولياته".

المساهمون