اختتم يوم السبت، 14 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، ممثلو قادة الدول المعنية بالصراع القائم في سورية، الجولة الثالثة من مباحثاتهم المنعقدة في العاصمة النمساوية فيينا، وذلك عقب ليلة دامية عاشتها العاصمة الفرنسية باريس إثر تفجيرات إرهابية تبناها تنظيم "داعش" وراح ضحيتها 132 شخصاً، حيث أفضى الاجتماع الدولي الذي شارك فيه وزراء خارجية 17 دولة إلى وضع خارطة طريق تنص على تشكيل حكومة للبلاد خلال ستة أشهر، وإجراء انتخابات في مدة أقصاها 18 شهراً، وصياغة دستور جديد للبلاد. ومن المفترض أن يتم عقد لقاء جديد "خلال نحو شهر" لإجراء تقييم للتقدم بشأن قضيتي التوصل لوقف إطلاق النار وبدء العملية السياسية".
والتفجيرات التي حصلت في باريس دفعت المشاركين قدماً للتخلص من عائق تحديد التنظيمات الإرهابية، والذي كان مشكلة الجولة الثانية من فيينا، إذ اتفق الحاضرون على وضع تنظيم داعش وجبهة النصرة على قوائم الإرهاب، بينما أدى خلاف حول تصنيف حركة أحرار الشام الإسلامية وغيرها، إلى تأجيل بتّه، فكلفت الأردن بمهمة وضع قائمة موحدة بأسماء "المنظمات الإرهابية" يتم رفعها لاحقاً إلى مجلس الأمن الدولي للمصادقة عليها.
كما أنه من المفترض، وفقاً لما خرج به فيينا (3) أن تبدأ عملية وقف إطلاق النار في سورية بعد موافقة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، على ألا يشمل أيّاً من تنظيم داعش وجبهة النصرة. بينما يرى مراقبون أن الشروع في تنفيذ هذا القرار يعتبر غاية في الصعوبة، نظراً إلى كثرة الفصائل المتواجدة على الأرض، ولصعوبة تحديد خطوط التماس في بعض المناطق.
ومن الملاحظ أن مخرجات الجولة الثالثة من فيينا، تتطابق مع مقترحات وثيقة "الإصلاح الدستوري" الروسية التي نفت موسكو صحتها. بالإضافة إلى أن اللقاء لم يتضمن أي حديث عن مصير الأسد، عقدة فيينا (2)، الذي جمع لأول مرة إيران والسعودية أبرز قوتين متخاصمتين في المنطقة.
وقد التأم فيينا (3) بعدما استطاعت الدول المشاركة في الجولة الثانية من المحادثات الوصول لجملة من القرارات تم التأكيد فيها على أولويات "جنيف1". كما تجدر الإشارة إلى أن مشاركة إيران في فيينا (2) تعد الأولى من نوعها في المحادثات الخاصة بسورية، لا سيما أن حضورها قوبل بالرفض في أي اجتماع دولي سابق من أجل الأزمة.
وعلى ضوء ذلك، استطلع ملحق "جيل العربي الجديد" آراء بعض المعارضين السوريين، حول ما جرى في جولات فيينا، حيث شدد عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية زكريا الصقال على أن "أخذ وفود الدول المشاركة بالمحادثات تقرير مستقبل الشعب السوري على عاتقها، يدلل على فقدان السوريين لمصيرهم وتحديد مستقبل بلدهم".
"والمحادثات تدور حول تقاسم نفوذ سورية"، ويضيف الصقال إلى هذا الاقتباس قوله، إن "ذلك نجم بُعيد استطاعة الغرب والولايات المتحدة الأميركية ضبط ملف إيران النووي، والذي أعقبه إقحام روسيا العسكري لسورية". كما أنه يرى أن ذلك سارع من الحديث حول مصير بشار الأسد، ومن الواضح طبقاً لتعبيره أن "الأسد استُنفد وانتهت صلاحيته، إلا أن عملية الإخراج هي التي ستقرر مستقبل البلد".
ويُحذّر الصقال من أن هذه المفاوضات تبحث عن سبيل "لهزيمة الشعب السوري الجدير بالحرية والكرامة"، لكنه يؤكد على ضرورة وضع السوريين بالحقيقة كاملة من أجل الحد والحيلولة قدر الإمكان من الأثر السلبي جراء ما سيفضي إليه فيينا، كما ألحق بذلك دعوته إلى "وجوب توافق المعارضة السورية على لقاء وطني تدرس به مجمل العوامل والمشاريع المطروحة، من أجل الاتفاق على تسوية تسمح بالحرية والحركة".
وللمعارض السوري مأمون النقار، اعتقاد أيضاً يلتقي بالنتيجة مع الصقال، حيث يعتبر "أن اللقاءات التي جرت لم تتم بترتيب مسبق كما سرى الحديث عنها، إنما حصلت نتيجة الضغط والمخاوف من الانزلاق لحرب دولية وصراع معقد".
وبحسب رؤية النقار، وهو طيار انشق عن النظام السوري عام 1980 بعدما لجأ بطائرته إلى الأردن، أن مباحثات فيينا لم تثمر عن حل ينهي الأزمة السورية كما يتصور بعضهم، مشيراً إلى أن موسكو وطهران تراوغان لا أكثر، وعليه كان الموقف السعودي الذي أشار إلى عدم جدية الطرفين الروسي والإيراني بخصوص إيجاد مخرج يوافق الطرح السائد حول مصير الأسد.
من جانبه، قال الأكاديمي السوري عبد العزيز ديوب إن "النظام الروسي وكذلك إيران مثلا النظام في المباحثات وهما يحاولان تمثيل طرف من المعارضة وهذا ما لمحناه من الأسماء التي اقترحتها موسكو للجان المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا من أجل التفاوض على حل الأزمة السورية"، مشدداً على أن روسيا "تعيدنا في الوقت الراهن إلى زمن غريغوري راسبوتين".
وقد قيّم المعارض السوري، محمود عثمان، موقف الدولة التركية من مباحثات فيينا، بقوله إن "الحكومة التركية التي شاركت بلقاءات فيينا كانت لتصريف الأعمال وليس أكثر وبالتالي لا تستطيع لعب دور محوري في أية قضية دولية"، مستدركاً "هذا لا يعني بحال غياب تركيا عن المسرح الدولي".
وعليه تحدث عن محددات السياسة الخارجية لتركيا من خلال "الحيلولة دون تقسيم سورية، لمنع أي كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية، بالإضافة إلى المصالح الاقتصادية، فأنقرة تحتاج إلى موسكو وطهران، وهما بحاجة لها أيضاً ولا يستطيعان الاستغناء عنها". لكنه أشار إلى وجود تضارب في المواقف الدولية حيال القضية السورية بين تركيا وروسيا وإيران؛ على الرغم من هذه المصالح المشتركة. مؤكداً أن "هذه العوامل وغيرها تجعل السياسة الخارجية التركية تحت ضغوط ومعوقات تحد من قابليتها على لعب دور نشط فعال"، على حد تعبيره.
وألقى المعارض والسياسي السوري منصور الأتاسي الضوء على جانب من موقف إيران إزاء هذه المباحثات، بتعبيره "طهران لا تعترف باتفاقية جنيف1 وهي بذلك ستعمل على عرقلة الحل الذي ينطلق من مقررات خطة البنود الست، وهي لا تعترف بالمعارضة المسلحة وتعتبرها مجموعات إرهابية"، ووفقاً لذلك يعتقد الأتاسي أن إشراك إيران جاء بهدف "الوصول لاتفاق يقلل من هذه العراقيل". إلا أنه عاد ليقول "بكل الأحوال فإن إشراكها معاد لحرية الشعب السوري"، حسب اعتقاده.
المعارض السوري علاء الدين الخطيب يُقيّم من جانبه مواقف الدول المشاركة في اجتماع فيينا، حيث يُذكر بلقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري في فيينا بنظيره الروسي سيرغي لافروف عدة مرات، وبتواتر سريع توازياً مع الحركة الدبلوماسية العادية، ويرجع ذلك بقوله "ليس لأن الولايات المتحدة تريد الوصول لحل حقيقي في سورية، بل لأن الأوروبيين يريدون منهم فعل شيء بسبب انفجار مشكلة اللاجئين أمام الإعلام، ولأن الإدارة الديمقراطية تريد تحقيق شيء ما سياسياً". وبالرغم من ذلك يؤكد الخطيب أن الإدارة الأميركية من وجهة نظر ميزان القوى العالمي "لا ترى مصالح كبرى تستدعي منها التدخل الحاسم في الموضوع السوري".
اقرأ أيضاً: توازن قوة أم توازن تهديد... الرسائل الروسية في البريد السوري
طبقاً لذلك يعتبر الخطيب أن "روسيا اختارت النظام السوري نقطة ارتكاز وهو أكثر الخيارات حماقة في سورية على الصعيد السياسي"، ويقارن سلوكها مع الولايات المتحدة الأميركية "التي لم تضع أيّا من خياراتها بيد أي طرف في الساحة السورية". وينظر الخطيب إلى الحكومة التركية على أنها تمر بمرحلة صعبة أمام علاقاتها الاقتصادية الضخمة مع روسيا وإيران والأهم حسب وصفه هو "مباحثات موسكو مع أنقرة بخصوص قضية أكراد سورية. والتي تأتي مقابل علاقاتها مع الغرب والخليج العربي"، ويظن أن تركيا أقرب للموقف الروسي في هذا الشأن من الموقف الغربي "الضبابي".
كما يعتقد أن إيران "سلمت المبادرة بخصوص سورية إلى روسيا وذلك بسبب عدم امتلاكها أي خيار آخر وتحالفها الاستراتيجي مع روسيا". ومن جانب آخر لم ينظر المعارض السوري بعين القبول إلى الموقف الخليجي على العموم المرتبط استراتيجيا بالحلف الغربي، بالرغم من تشديدهم على عدم وجود الأسد في مستقبل سورية والدعوة إلى إيجاد مخرج للصراع، فحجم الصراع يفوق قدرات الدول الخليجية الموضوعية وخبرتها السياسية في إدارة الصراع.
بالنتيجة يرى الخطيب أن ما يحصل من حركة سياسية دبلوماسية حول سورية، ربما يؤدي لمقايضات مرحلية وجزئية تعيد ترسيم الخطوط الحمراء بين الدول المتشابكة في سورية، لكنه لن يؤدي لحل مستدام أو تحسن حقيقي على المدى المنظور.
(سورية)