وفي ظل هذه التطورات، هدد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أمس الثلاثاء، في خطاب أمام الكنيست باتخاذ خطوات صارمة وشديدة لمواجهة انتفاضة القدس، على حد زعمه، مشيراً إلى أن الكابينت الإسرائيلي عقد جلسة بعد ظهر أمس لمناقشة إقرار الخطوات الجديدة. وأضاف نتنياهو "سنستخدم كل الأدوات المتوفرة لدينا لإعادة الأمن والهدوء لمواطني إسرائيل"، مكرراً اتهاماته لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بالمسؤولية عن الانتفاضة من خلال "التحريض وبث الدعايات الكاذبة" على حد زعمه. وهدد نتنياهو عباس قائلاً إنه إذا "استمر تدهور الأوضاع بسبب تحريض حماس والحركة الإسلامية والسلطة الفلسطينية فسوف تتحملون المسؤولية"، على حد زعمه.
ولم يكد رئيس حكومة الاحتلال، ينهي خطابه أمام الكنيست، حتى دفعت سلطات الاحتلال بقوات معززة من حرس الحدود، لاقتحام حي جبل المكبر، والذي خرج منه منفذو العمليات التي وقعت في القدس المحتلة أمس، بعدما كان عدد من وزراء الحكومة الإسرائيلية، بينهم أوفير أكونيس، قد قال إن الكابينت ناقش في جلسته قبل جلسة الكنيست مسألة فرض طوق أمني على الأحياء الفلسطينية في القدس.
وشكّلت العمليتان في القدس المحتلة مع ما سبقها في صباح اليوم نفسه من ثلاث عمليات طعن، اثنتان في مدينة رعنانا شمالي تل أبيب وأخرى في مدينة حولون، جنوبي تل أبيب، وقيام يهودي بعد ذلك بساعات بطعن يهودي آخر لأنه ظنه عربياً، علامة فارقة في الانتفاضة، التي كرّست حالة الخوف والهلع في صفوف الإسرائيليين بشكل عام، وسكان القدس على نحو خاص.
ولا يزال الاحتلال عاجزاً عن مواجهة عمليات انتفاضة القدس، على الرغم من محاولات المحللين والخبراء الإسرائيليين البحث عن سمات ومميزات منفذي العمليات، ليتفقوا لغاية الآن على عنصرين أساسيين، هما أن جميع منفذي العمليات من القدس هم من جيل الشباب ممن لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاماً، وجميعهم غير منظمين في فصيل أو حركة ولا سوابق أمنية لهم. وهذا ما دفع مسؤولين إسرائيليين، بدءاً من رئيس بلدية القدس نير بركات، ومروراً بوزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، إلى طرح مزيد من الاقتراحات لإسكات الجمهور الإسرائيلي، وهي كلها تحوم حول تبنّي اقتراح زعيم المعارضة "اليساري" يتسحاق هرتسوغ بفرض طوق أمني على أحياء القدس العربية. مما يعني، باعتراف محللين إسرائيليين، فشل الزعم الإسرائيلي بأن القدس عاصمة إسرائيل الموحدة، والبحث عن طرق لتجسيد الفصل بين العرب الفلسطينيين أهل القدس الذين تُقدر أعدادهم بـ370 ألف نسمة، وبين اليهود في المدينة، لتسقط كل دعايات الصهيونية وحكومة بنيامين نتنياهو عن إمكانيات التعايش بين المحتل وبين الواقع تحت الاحتلال، بشروط المحتل وتحت سيادته.
اقرأ أيضاً: ثلاثة شبان من جبل المكبر نفّذوا عمليتين في القدس
في موازاة ذلك، ارتفع سقف التحريض الدموي في إسرائيل أمس مجدداً، في مسعى للمزايدة على حكومة نتنياهو. وقبيل دفع سلطات الاحتلال، مساء أمس، بقوات معززة من حرس الحدود، لاقتحام حي جبل المكبر، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق أفيغدور ليبرمان، إلى وجوب إعادة الحكم العسكري وفرض أنظمة الطوارئ العسكرية على القدس المحتلة (أحيائها الفلسطينية) والضفة الغربية وحتى أيضاً بلدات المثلث في الداخل الفلسطيني.
كما كان نائب رئيس بلدية القدس، عوفير بيركوفيتش، قد كشف أيضاً أن من بين الخطوات المقترحة، إغلاق عدد من الأحياء العربية والقرى الفلسطينية المحيطة بالقدس المحتلة، وفي مقدمتها حي جبل المكبر باعتبار أن عدداً من منفذي العمليات جاؤوا من الحي. وفي هذا السياق، طالبت عضو الكنيست راحيل عزاريا بوجوب فرض طوق وإغلاق على حي جبل المكبر.
ولعل ما يزيد من إحباط الاحتلال وعجزه عن مواجهة انتفاضة القدس، ليس فقط كون منفذي العمليات لغاية الآن شباناً وشابات لا تربطهم علاقات بأي تنظيم أو فصيل، بل أيضاً أنه هو من يدفع ثمن عزل القدس كلياً منذ الانتفاضة الثانية وطرد السلطة الفلسطينية وأي تأثير لها من المدينة. وبالتالي فإنه لا يملك عنواناً للتوجّه إليه لتهدئة الأوضاع أو خفض ألسنة لهبها، إذ إن أهالي القدس الذين كانوا مهملين من السلطة الفلسطينية، وواجهوا ممارسات الاحتلال ضدهم في العقد الأخير، ولا يقيمون على ما يبدو وزناً لسلطة غير قائمة، وإن كانت الفصائل المختلفة تملك أنصاراً وأعضاء في مختلف أنحاء القدس.
من جهة أخرى، يتضح بالنظر إلى خريطة ومواقع ألسنة اللهب والعمليات، أن منفذي العمليات من القدس يقطنون عملياً في مختلف أحياء المدينة من مخيم شعفاط وقرية كفر عقب شمالاً وحتى صور باهر وجبل المكبر جنوباً. ويمتد هذا المحور عملياً، على امتداد ما يسميه الاحتلال بشارع رقم واحد، وهو الشارع الذي فصَل قبل العام 67 الشطر الشرقي من المدينة عن شطرها الغربي.
ومع أن خيارات الاحتلال باتت قليلة للغاية في مواجهة انتفاضة القدس، لا يُستبعد أن يتجه نحو مزيد من العنف والقوة وهدم البيوت، وزيادة على ذلك تبنّي اقتراحات ليبرمان بترحيل وطرد أهالي منفذي العمليات من فلسطين، وإبعادهم إلى الدول الأجنبية أو حتى إلى غزة، في عملية طرد جماعية كالتي نفذتها الحكومة الإسرائيلية في أوائل التسعينات عند إبعاد 400 ناشط وقيادي من "حماس" إلى لبنان.
لكن التصعيد الإسرائيلي في هذه الحالة سيكون له بحسب معلّقين إسرائيليين، تداعيات خطيرة قد تطيل من أمد الانتفاضة من دون أن تحقق الهدف الإسرائيلي، وأن تثبّت اشتعال النار في الضفة الغربية على الرغم من جهود السلطة الفلسطينية لكبحها، وتهدد باحتمالات تمرد في الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتضع سلطة عباس كلها في كف عفريت.
ويفتح التصعيد وارتفاع وتيرة العمليات وعددها ونوعيتها، آفاق الانتفاضة الفلسطينية نحو مجهول لا يمكن حالياً التكهن به، وسط تساؤلات هل ستعود لتخبو في وجه القبضة الإسرائيلية، أم ستتطور إلى حالة غليان وانتفاضة لكافة شرائح المجتمع الفلسطيني؟
اقرأ أيضاً: الحكومة الفلسطينية: إسرائيل لجأت للتصعيد لإفشال الإنجازات الدبلوماسية