16 نوفمبر 2024
معاداة أردوغان لا تجعل الأسد بطلاً قوميا
يحاول بعض الإعلام العربي تصوير ما تقوم به عصابات الأسد، والقوى المتحالفة معها، انتصارات يتوجب تسجيلها في خانة الأمجاد العربية، على اعتبار أنه يتم توقيعها ضد قوى استعمارية غازية تريد احتلال سورية، والمقصود بالطبع تركيا وحلفاؤها، الإخوان المسلمين. وفي ظلال الغبار الذي يثيره هذا الإعلام، تجري التغطية على أكبر مذبحةٍ شهدها عصرنا، والدوس على عذابات ملايين البشر الذين تلطم مشاهد تشرّدهم ونومهم في العراء ضمير العالم..
يتلطّى ذلك الإعلام خلف عبارات من نوع "الإنجازات الميدانية لدمشق وروسيا"، أو "دمشق تضغط على أردوغان" من دون ذكر للأسد ونظامه، على اعتبار رمزية دمشق العربية في خطاب مقصود منه تحريك البعد القومي للإنسان العربي، أو "الفصائل التي تدور في الفلك التركي" لنزع التعاطف معها. وغالبا وصف إدلب بأنها تقع "تحت سيطرة المتطرفين"، حتى لا يرى المرء غير المتطرّفين ويغمض عينيه عن رؤية ثلاثة ملايين شخص هجّرهم الأسد، لأنهم حصلوا على فرصةٍ للهرب من تجبّره بعد استعادة سيطرته على مناطقهم باسم المصالحات، والتي تشهد الوقائع أنه استباح من بقي فيها، أو وصف احتلال الأسد المناطق المحرّرة بـ"تقدم ميداني نوعي"، ووصف قوات الأسد بـ"الجيش السوري"، وهم يعلمون أنها قوات إيرانية وعراقية وحزب الله وأفغانية وفاغنر الروسية.
يحصل ذلك كله تحت عنوان معاداة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من دون أن يسأل أحد نفسه عما إذا كانت هذه المعاداة كافية للتغطية على ذبح السوريين. ومن أجل تمرير هذه الفرية، يعمد هؤلاء إلى التعاطي مع القضية وفق منطق حسابي، يرتكز على ثلاثة أضلاع: محاربة الإرهاب، وهو حق لكل دولة، ومن يقوم بهذه الحرب هو الدولة السورية التي يحقّ لها الاستعانة بمن تشاء، ورفض التدخل الخارجي مهما كانت دواعيه ودوافعه، وتركيا، وفق هذه المصفوفة، هي المتدخل الخارجي الوحيد.
كما تستند مبرّراتهم إلى مبدأ سياسي كلاسيكي، "عدو عدوي صديقي"، من دون التفكير في ما إذا كان من الممكن تطبيق هذا الشعار في المقام السوري، وخصوصا أن حقل المصطلحات، العربي، الخاص بالتحالفات والحروب، يتضمن مبدأ قديماً "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب"، فأين موقع الشعب السوري في هذه المعادلة، حين يصبح الروسي والإيراني أبناء عم في التطبيق؟ وهل العداوة للشعب السوري هي التي تجعل العدو الإيراني صديقاً، أيضاً في التطبيق العملي!
أخطأ أردوغان ويخطئ، لكن هناك أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا، وثلاثة ملايين في إدلب، وأكثر من مليون في المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا، يعني أكثر من ثلث سكان سورية معرّضون، بالمنطق الحسابي أيضاً، للفناء أو التهجير الديمغرافي أو نزع هويتهم، ولا يوجد عاقل ممكن أن يحتسب ذلك ضمن المصلحة القومية العربية، ما دمنا نحاكم الوقائع
بمعيار المصالح.
ولسنا مع سياسات أردوغان، لكن تصادف أن أهدافه في سورية يفترض أنها تتفق مع الأهداف العربية في الحفاظ على هوية سورية، في مواجهة سياسات إيران العلنية، ومساعيها الدؤوبة لتغيير الهوية السورية، "ومن يقول عكس ذلك، ليرجع إلى الأسباب الحقيقية لثورة العراق". وينفذ بشار الأسد ما تمليه إيران في هذا الاتجاه، بل يرى أن استقرار حكمه وضمان توريثه وبقاء عائلة الأسد في السلطة يرتبط بعمليات التغيير الديمغرافي، وروسيا ليست لديها مشكلة، بل هي عمليا تساهم في هذا البرنامج بشكل فعلي، لغاياتٍ ربما تختلف عن غايات إيران، لكن النتيجة واحدة، وروسيا شريك للأسد وإيران في تغيير هوية سورية، حيث ساهمت بذلك منذ تدخلها في تهجير ملايين السوريين، وترى أن ضمان سيطرتها على سورية لعقود مقبلة يستلزم تفكيك كتلة الأكثرية، وتهجيرها وإعادة رسم الخريطة الديمغرافية.
إذاً، يفترض بالعرب، انطلاقاً من هذه المعطيات، الوقوف مع تركيا، ولو مرحليا، حتى يتم تجاوز هذه المخاطر المحدقة بسورية، كما أن خطر الإخوان المسلمين ليس داهما إلى هذه الدرجة على أنظمة الحكم، والغريب أنهم غير موجودين في كثير من هذه البلدان، في حين أن خطر تغيير هوية سورية داهم وعلى الأبواب، كل يوم يجري ترحيل آلاف من شعبها، وبات أكثر من نصف شعبها خارج الحدود.
ومع إيماننا بحق الأنظمة العربية في أن تكون لها حساباتها التي قد تختلف مع حسابات الشعوب ورغباتها، لكن لا خطأ في حساب أن تغيير هوية سورية سيكون زلزالا على أمن المنطقة والأمن القومي العربي، ولا يمكن الارتكان إلى روسيا للحفاظ على المصالح القومية العربية في سورية. هذه أوهام أشاعها بعض العرب لأنفسهم، ليرتاحوا من هم التفكير في مصائر أمن بلادهم ومستقبلها، ويعلم الجميع أن روسيا ليست شريكاً مضموناً، ولا تحب الأنظمة العربية، وهي ترغب في وضع تستطيع من خلاله نهب الثروات العربية، والتحكم بجميع مخرجات الأمن العربي.
لم يعد ينقص عربا كثيرين سوى الهرولة إلى قصر المهاجرين في دمشق، ومنح بشار الأسد الأوسمة والنياشين على بلائه الحسن في مواجهة "العدو الخارجي والإرهاب". ولولا ضغط أميركا ضد هذا الموقف، لحصل الأمر منذ زمن. ولكن إلى حين ينزاح الضغط الأميركي، وتصبح الظروف مناسبة، سيتلطى كثيرون من ساسة العرب خلف إعلامهم الذي يتغزّل ببشار الأسد وإنجازاته.
يحصل ذلك كله تحت عنوان معاداة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من دون أن يسأل أحد نفسه عما إذا كانت هذه المعاداة كافية للتغطية على ذبح السوريين. ومن أجل تمرير هذه الفرية، يعمد هؤلاء إلى التعاطي مع القضية وفق منطق حسابي، يرتكز على ثلاثة أضلاع: محاربة الإرهاب، وهو حق لكل دولة، ومن يقوم بهذه الحرب هو الدولة السورية التي يحقّ لها الاستعانة بمن تشاء، ورفض التدخل الخارجي مهما كانت دواعيه ودوافعه، وتركيا، وفق هذه المصفوفة، هي المتدخل الخارجي الوحيد.
كما تستند مبرّراتهم إلى مبدأ سياسي كلاسيكي، "عدو عدوي صديقي"، من دون التفكير في ما إذا كان من الممكن تطبيق هذا الشعار في المقام السوري، وخصوصا أن حقل المصطلحات، العربي، الخاص بالتحالفات والحروب، يتضمن مبدأ قديماً "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب"، فأين موقع الشعب السوري في هذه المعادلة، حين يصبح الروسي والإيراني أبناء عم في التطبيق؟ وهل العداوة للشعب السوري هي التي تجعل العدو الإيراني صديقاً، أيضاً في التطبيق العملي!
أخطأ أردوغان ويخطئ، لكن هناك أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا، وثلاثة ملايين في إدلب، وأكثر من مليون في المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا، يعني أكثر من ثلث سكان سورية معرّضون، بالمنطق الحسابي أيضاً، للفناء أو التهجير الديمغرافي أو نزع هويتهم، ولا يوجد عاقل ممكن أن يحتسب ذلك ضمن المصلحة القومية العربية، ما دمنا نحاكم الوقائع
ولسنا مع سياسات أردوغان، لكن تصادف أن أهدافه في سورية يفترض أنها تتفق مع الأهداف العربية في الحفاظ على هوية سورية، في مواجهة سياسات إيران العلنية، ومساعيها الدؤوبة لتغيير الهوية السورية، "ومن يقول عكس ذلك، ليرجع إلى الأسباب الحقيقية لثورة العراق". وينفذ بشار الأسد ما تمليه إيران في هذا الاتجاه، بل يرى أن استقرار حكمه وضمان توريثه وبقاء عائلة الأسد في السلطة يرتبط بعمليات التغيير الديمغرافي، وروسيا ليست لديها مشكلة، بل هي عمليا تساهم في هذا البرنامج بشكل فعلي، لغاياتٍ ربما تختلف عن غايات إيران، لكن النتيجة واحدة، وروسيا شريك للأسد وإيران في تغيير هوية سورية، حيث ساهمت بذلك منذ تدخلها في تهجير ملايين السوريين، وترى أن ضمان سيطرتها على سورية لعقود مقبلة يستلزم تفكيك كتلة الأكثرية، وتهجيرها وإعادة رسم الخريطة الديمغرافية.
إذاً، يفترض بالعرب، انطلاقاً من هذه المعطيات، الوقوف مع تركيا، ولو مرحليا، حتى يتم تجاوز هذه المخاطر المحدقة بسورية، كما أن خطر الإخوان المسلمين ليس داهما إلى هذه الدرجة على أنظمة الحكم، والغريب أنهم غير موجودين في كثير من هذه البلدان، في حين أن خطر تغيير هوية سورية داهم وعلى الأبواب، كل يوم يجري ترحيل آلاف من شعبها، وبات أكثر من نصف شعبها خارج الحدود.
ومع إيماننا بحق الأنظمة العربية في أن تكون لها حساباتها التي قد تختلف مع حسابات الشعوب ورغباتها، لكن لا خطأ في حساب أن تغيير هوية سورية سيكون زلزالا على أمن المنطقة والأمن القومي العربي، ولا يمكن الارتكان إلى روسيا للحفاظ على المصالح القومية العربية في سورية. هذه أوهام أشاعها بعض العرب لأنفسهم، ليرتاحوا من هم التفكير في مصائر أمن بلادهم ومستقبلها، ويعلم الجميع أن روسيا ليست شريكاً مضموناً، ولا تحب الأنظمة العربية، وهي ترغب في وضع تستطيع من خلاله نهب الثروات العربية، والتحكم بجميع مخرجات الأمن العربي.
لم يعد ينقص عربا كثيرين سوى الهرولة إلى قصر المهاجرين في دمشق، ومنح بشار الأسد الأوسمة والنياشين على بلائه الحسن في مواجهة "العدو الخارجي والإرهاب". ولولا ضغط أميركا ضد هذا الموقف، لحصل الأمر منذ زمن. ولكن إلى حين ينزاح الضغط الأميركي، وتصبح الظروف مناسبة، سيتلطى كثيرون من ساسة العرب خلف إعلامهم الذي يتغزّل ببشار الأسد وإنجازاته.