قبل نحو خمسة أشهر على موعد الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في مايو/أيار 2018، تتبارى الأحزاب العراقية في حملة انتخابية مبكرة يتم خلالها التركيز على شيوخ العشائر العراقية والزعامات القبلية، الذين يمتلكون عدداً كبيراً من الأصوات بحكم سيطرتهم على توجهات أفراد عشائرهم. هذا الأمر حول أخيراً دواوين ومضافات العشائر إلى ما يشبه منابر مبكرة للسياسيين ورؤساء الأحزاب. إلا أن اللافت فيها أنها تستقبل مرشحي الأحزاب من أي اتجاه كان، المتناحرة بينها أو المتوافقة. وعادة ما يدخل المرشح أو السياسي بالهدايا والهبات لزعيم القبيلة أو صاحب الوجاهة والمضيف.
والصراع السياسي في العراق اليوم على كسب المنظومة العشائرية، خصوصاً في الجنوب العراقي، يشي بانتخابات شرسة يقبل العراق عليها في ظل تشرذم أحزاب وكتل التحالف الوطني التي تتنافس على كسب الشارع الشيعي جنوب العراق، بينما تبدو بغداد أقل بسبب مدنيتها. لكن هذا الأمر امتد إلى مدن شمال وغرب العراق، فباتت دواوين العشائر السنية قبلة للأحزاب الدينية أو المدنية على حد سواء. ويقول عضو بارز في البرلمان العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن أغلب الأحزاب وجدت أنه من المبكر كسب مباركة المراجع الدينية في النجف وكربلاء، كما أن دخول "الحشد الشعبي" نفسه في قوائم انتخابية سيحول دون استخدامه من قبل كثير من الأحزاب في حملتها. لذا وجدت أن التبكير في كسب العشائر، في الوقت الحالي، هو أولوية. ويضيف إن "أغلب السياسيين قاموا بزيارات للعشائر خلال الشهر الحالي مع هدايا وهبات، ووصل الحال ببعض المسؤولين في الحكومة لتقديم هبات نوعية، كقطع أرض وتعيينات لشخصيات محسوبة على هذا الشيخ أو ذاك، وبعضهم أهدى مسدسات كما الحال مع نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، مع شيوخ عشائر في بابل وكربلاء والبصرة"، لافتاً إلى أن "معضلة تحريك النعرة القبلية في كل انتخابات تهدد بناء دولة مدنية حديثة، كما هو الحال نفسه في التجييش الطائفي عند الانتخابات".
ويضيف العضو في البرلمان "هناك عشائر مختلطة، فيها سنة وشيعة، مثل شمر والقيسيين وربيعة وخفاجة والقرشي وغيرها، والسياسي لا يميز ذلك، لذا يمكن اعتبار الأمر مهدداً لوحدة العشائر نفسها، كون كثير من السياسيين يدخلون مضافة العشيرة بنفس طائفي". ويتابع "هناك صفقات تمت على أساس اشتراط العشائر تقديم أبنائها كمرشحين في الانتخابات قبل عقد أي اتفاق سياسي"، مبيناً أن بعض الزعامات القبلية وافقت على منح أصواتها مقابل مبالغ مالية يتم الاتفاق عليها مسبقاً. ويوضح أن بعض مضافات الشيوخ التي كانت تستخدم لإكرام الضيوف تحولت إلى منابر للدعاية الانتخابية، مؤكداً أن الصراع نحو شيوخ العشائر يبدو محموماً منذ الآن.
إلى ذلك، يؤكد السياسي العراقي المستقل، علي الموسوي، أن السباق نحو عشائر جنوب العراق بدأ مبكراً، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن أسرع المتسابقين هو نائب الرئيس نوري المالكي، الذي نظم عدة لقاءات مع قيادات العشائر الجنوبية. ويشير إلى أن القوى السياسية "الشيعية" منقسمة إلى معسكرين، أحدهما يقوده المالكي، والآخر يتزعمه رئيس الوزراء، حيدر العبادي، مبيناً أن المواجهة بين الجانبين بدأت مبكراً في جنوب العراق. ويتوقع الموسوي أن تتوزع أصوات عشائر الجنوب على القوى السياسية "الشيعية"، مستبعداً حصول المالكي على نفس القدر من الأصوات التي حصل عليه في الانتخابات التي أجريت في 30 إبريل/نيسان 2014. وكان المالكي، رئيس "ائتلاف دولة القانون"، استقبل قبل أيام وفداً من عشيرة الظوالم في محافظة المثنى جنوب بغداد، مؤكداً أن دور العشائر مهم في تجاوز الأزمات والتحديات التي تواجه العراق. ودعا العشائر العراقية للاضطلاع بدورها الحقيقي في ضبط الأمن والاستقرار، ودعم أجهزة الدولة، ونبذ لغة العنف، والعمل على تغليب لغة الحوار، وتجاوز مشاكل الماضي، مبيناً أن مرحلة ما بعد تنظيم "داعش" الإرهابي تفرض على العشائر مهمة المشاركة في إعادة الإعمار، وتكريس الجهود في إسناد الأجهزة الأمنية والرقابية المختصة بمكافحة الفساد. وشدد المالكي على ضرورة مشاركة العشائر في الانتخابات من أجل انتخاب العناصر الكفوءة التي تؤمن بالمشروع الوطني، وتدعم تشكيل حكومة أغلبية سياسية. يشار إلى أن المالكي اعتاد الاعتماد على العشائر في ولايتيه 2006-2010 و2010-2014، واتهم بعض شيوخ العشائر بتلقي رشى مالية مقابل أصوات الناخبين.
ويؤكد عضو التيار المدني، عمر مؤيد، أن زيارات ولقاءات المسؤولين العراقيين بشيوخ العشائر لم تقتصر على المالكي، مشيراً، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن رئيس البرلمان سليم الجبوري يقوم هو الآخر بجولة انتخابية مبكرة زار فيها البصرة وقبل ذلك بلدة الصقلاوية في محافظة الأنبار، حيث التقى شيوخ العشائر في المحافظتين. ويضيف "في حال صوت شيوخ العشائر لنفس الوجوه فإن المعادلة السياسية لن تتغير، لأن الذي يحرك العمل السياسي هو الانتماءات العشائرية والطائفية والقومية وليس المعايير الديمقراطية"، مؤكداً أن "أحزاب الإسلام السياسي العراقية اعتادت اللجوء إلى مكوناتها وعشائر أعضائها قبل الانتخابات من أجل الحصول على أكبر بقدر من المكاسب". ويتابع أن "على العشائر أن تواصل انشغالها بتوفير الأمن والابتعاد عن عقد الصفقات السياسية"، مرجحاً أن تشهد المحافظات المحررة، كالموصل والأنبار، صراعات سياسية كبيرة خلال المرحلة المقبلة من أجل الانتخابات والنفوذ.
ويحذر عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار السابق، راجع بركات، من استمرار الصراعات والخلافات السياسية في المحافظة، رافضاً محاولة بعض الجهات السيطرة على حساب الآخرين، مؤكداً، لـ"العربي الجديد"، أن أي شيء إيجابي في الأنبار يجب ألا يتم احتسابه لجهة معينة. ويشير إلى أن الهدف يجب أن يكون خدمة المواطن ونجاح الدولة العراقية. ويؤكد الناشط المدني في محافظة الأنبار، علي كريم، أن الخلافات السياسية في الأنبار يجب أن تنتهي، مبيناً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاهتمام يجب أن ينصب على كيفية التغيير في الانتخابات المقبلة. ويشدد على ضرورة الالتزام بالتصويت للشخص المناسب، مؤكداً وجود ضغط كبير تمارسه قوى سياسية على شيوخ العشائر من أجل الحصول على تعهدات للتصويت لمرشحيهم.