مصير مجهول لـ42 مليار دولار تسلمها السيسي من الخليج

14 فبراير 2015
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أرشيف/الأناضول)
+ الخط -

عملية حسابية تبدو مملّة في بادئ الأمر، لكن عندما تدقّق في الأرقام وكيف تمكّن أشخاص بحكم مناصبهم من إخفاء كل هذه المبالغ التي كان من المفترض أن تدخل خزانة الدولة ليستفيد منها شعب معظمه تحت خط الفقر، ستدرك مدى أهميتها.
41.8 مليار دولار، إذاً، هي إجمالي المساعدات الخليجية التي حصل عليها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من دول الخليج الثلاث (السعودية والإمارات والكويت) في عام 2013، وفق التسريبات التي نسبتها إليه فضائية "مكملين"، مساء أمس الأول الخميس، والتي كان يتحدث خلالها، حين كان وزيراً للدفاع، وتحديداً في يناير/ كانون الثاني 2014، إلى مدير مكتبه اللواء عباس كامل. 
وما هي إلا دقائق من إذاعة التسريبات، حتى تصدّر وسم أطلقه نشطاء مصريون وعرب على مواقع التواصل الاجتماعي، بعنوان "السيسي ينهب الخليج"، قائمة الوسومات الأكثر استخداماً في العالم، كرد فعل على مصير الأموال الضخمة التي وصلت مصر ضمن مساعدات الخليج ولا يعرف الشعب عنها شيئاً.

أموال غير مُدرجة بالموازنة

وقال السيسي، وفق التسريبات المنسوبة إليه، "اللي أخدته وأنا مشير 112 مليار جنيه"، فيضيف عباس مساعدات أخرى تم تحصيلها وهي 14.4 مليار دولار، ويضربها في (7) وهي متوسط سعر صرف الدولار في هذا الوقت، ليخرج لنا بنتيجة تقريبية وهي 85 مليار جنيه (الصحيح هو 101 مليار جنيه)، مقرّباً إجمالي المساعدات إلى 200 مليار جنيه، فقاطعه السيسي قائلاً: "أكتر من 200 مليار"، كونها تصل في الحقيقة إلى 213 مليار جنيه تعادل نحو 30.5 مليار دولار، وفق متوسط سعر صرف الجنيه آنذاك.
غير أن السيسي يُفجّر مفاجأة جديدة وهي أن هذه المبالغ الهائلة لا تتضمن المساعدات النفطية التي جاءت بعد يناير 2014، كما لم تتضمن حجم الودائع التي دخلت البنك المركزي المصري في عام 2013، وقيمتها 4 مليارات دولار، ملياران من السعودية، وملياران مناصفة من الكويت والإمارات.
وقال مسؤولون بوزارة البترول المصرية، إن إجمالي ما حصلت عليه مصر من مساعدات نفطية في الفترة بين يناير إلى سبتمبر/ أيلول 2014، تصل إلى 6.3 مليارات دولار في المتوسط.

أيضا حصلت مصر على منحة كويتية بواقع مليار دولار في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ليصل إجمالي ما حصلت عليه مصر، وفق التسريبات وبالنظر للبيانات الحكومية، إلى نحو 41.8 مليار دولار، دخل الخزانة العامة منها بحدود 10.6 مليارات دولار، وفقاً للبيان الختامي لوزارة المالية عن العام المالي 2013/2014، فضلاً عن 4 مليارات دولار مودعة لدى البنك المركزي المصري.
ويبقى مصير نحو 27.2 مليار دولار حصل عليها السيسي من الخليج، مجهولاً ولا يعلم أحد من الشعب أين ادخره أو فيما أنفقه السيسي؟
فضلاً عن أن الـ10.6 مليارات دولار المُدرجة في الموازنة العامة للدولة لم تساهم في تحسين أي من مؤشرات المالية العامة، ما يثير شكوك مراقبين بشأن حقيقة ضخها في المصروفات العامة، إذ رغم وجودها ضمن الإيرادات التي حصّلتها مصر في العام المالي 2013/2014، تُفيد بيانات وزارة المالية بأن عجز الموازنة ارتفع إلى حدود 253 مليار جنيه (33.9 مليار دولار)، مقابل 230 مليار جنيه في العام المالي الأسبق 2012/2013، وهو العام الذي تولى فيه الرئيس المعزول محمد مرسي الحكم، أي بزيادة 23 مليار جنيه رغم كل هذه المساعدات الهائلة.

دولة عباس

لم يقتصر دور الجنرال عباس كامل على كونه مديراً لمكتب وزير الدفاع، بحكم وظيفته العسكرية، إذ تكشف التسريبات الجديدة، وما قبلها، عن دور كبير لعباس يتعاظم يوماً بعد الآخر بفضل سقوط مصر في قبضة الحكم العسكري، منذ الانقلاب الذي أتمه الجيش في يوليو/ تموز 2013 على الرئيس المعزول مرسي.
وتكشف التسريبات المنسوبة للواء عباس، دوراً كبيراً في إدارة السياسة النقدية للبلاد، وهو الدور المنوط للقيام به البنك المركزي المصري، فضلاً عن دوره في اقتراح ماهية المساعدات التي تصل البلاد من الخليج، ما
إذا كانت نقدية أو عينية، بغض النظر عمّا تحتاجه البلاد فعلاً، ودون الاستعانة باقتصاديين سواء على المستوى الحكومي أو غير الحكومي. وهو دور من المفترض أن تقوم به وزارة المالية والتخطيط في أي من دول العالم.
كما توضح التسريبات أن اللواء عباس كان بصدد زيارة للمملكة العربية السعودية، للتنسيق بشأن مساعدات لمصر، وهو دور أيضاً لا ينبغي أن يقوم به سوى وزراء التعاون الدولي والمالية أو وزارة الخارجية.
ويوضح الجزء الأول من التسريب، كيف يقرر اللواء عباس مصير ثلاثة مستشفيات تبرع بها ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز، لصالح الشعب المصري، وهو ما اعتبرته المؤسسة العسكرية تبرعاً صريحاً لها بذريعة أن "الشعب المصري هو الجيش المصري". غير أن الأنسب لتقرير مصير مثل هذه المستشفيات، في الدول المدنية، هو وزير الصحة.
ولعلّ ثقة الجنرالات في أنفسهم تجعلهم يرون المسؤولين المدنيين على مستوى أقل من المهارة وإدارة الدولة، مهما بلغت خبراتهم المتخصصة، وهو ما اتضح في كلام اللواء عباس عن وزير البترول، شريف إسماعيل، عندما نعته بـ"الصايع الضايع"، ليزيد السيسي عن ذلك بنعته "عيّل هفأ"، (أي لا قيمة له)، وفق التسريب المنسوب إليهما.

مسؤولية خليجية

لو أن الدول الخليجية الثلاث، التي دعمت مصر بعد انقلاب يوليو/ تموز 2013، أعلنت عن مساعداتها الحقيقية لمصر، لما ثار كل هذا الغموض حول ملف المساعدات ومصيرها، إذ لم تفصح أي من الدول الخليجية عن المساعدات التي قدمتها للسيسي، حتى الآن.
غير أن اللواء عباس يُشير في التسريب المنسوب إليه، إلى أن السعودية، وهي أكبر داعم للسيسي حتى وفاة الملك عبد الله في يناير الماضي، تواجه، على ما يبدو، أزمة في الإعلان عن مساعدات إضافية لمصر، حيث قال عباس موجهاً كلامه للسيسي: "هأقولّهم (السعوديين) مينفعش تسيبونا. واحنا معاكو متعلنوش (عن المساعدات) بس على الأقل يحصل عندي نفضة في البنك المركزي".
المساهمون