قبل أيام عقد المجلس العربي للدفاع عن الثورات والديمقراطية، ورشة عمل في إسطنبول بعنوان (إمكانيات اللقاء الإسلامي- الليبرالي في السياق العربي) من أجل الحوار حول فكرة بناء تحالف إسلامي ليبرالي ينتصر للديمقراطية والحرية والمساواة.
حضر اللقاء العديد من النخب الليبرالية والإسلامية من بلدان الربيع العربي، من أبرزهم، الدكتور أحمد طعمة الخضر، رئيس حكومة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والدكتور أيمن نور رئيس حزب غد الثورة المصري، محمد كمال العضو السابق في حركة 6 أبريل، وكلٌ من (شعبان عبدالرحمن، والمهندس على عبدالفتاح وصابر أبو الفتوح) عن جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وحضر عن حزب البناء والتنمية المصري كل من (إسلام الغمري عضو الهيئة العليا لحزب البناء والتنمية، وأسامة رشدي القيادي السابق في الجماعة الإسلامية)، والدكتور لطفي النالوتي من حزب تونس الإرادة والمستشار السابق لرئيس الجمهورية منصف المرزوقي، وعماد الدائمي أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والدكتور زهير إسماعيل ممثل حراك تونس الإرادة، ونخب شابة من اليمن وليبيا.
خلال اللقاء الذي حضره معد المادة، تم طرح العديد من المحاور منها ما تناول تجارب اللقاء الإسلامي/الليبرالي ما قبل الثورات العربية مثل تجربة إعلان دمشق في سورية عام 2000، وتجربة حركة كفاية في مصر عام 2003، وتجربة اللقاء المُشترك في اليمن، والتحالف بين اليسار واتحاد الشغل والإسلاميبن في تونس في 18 أكتوبر من العام 2005، وجاء المحور الثاني بعنوان تجارب اللقاء الإسلامي/الليبرالي ما بعد ثورات الربيع العربي.
ورصد معد المادة عبر حلقات الحوار والنقاش 5 تحديات أساسية تقف عقبة فى سبيل تكوين تحالف سياسي من هذا النوع في الوقت الراهن هي:
التحدى الأول: تعاطي مجمل القوى الليبرالية والإسلامية مع فكرة الحوار واللقاء مع الآخر المخالف فى الأيديولوجية والتوجه باعتباره حدثاً عارضاً وليس مساراً استراتيجياً متعدد المراحل والسياقات؛ فالتجارب المقدمة فى اللقاء جاءت في معظمها تحت ضغط الاستبداد والمنافي والسجون ومثلت استجابة مؤقتة لمقاومة الضغوط الخارجية الواقعة على هذه الحركات من قبل نظام حسني مبارك، وبشار الأسد، وبن علي في تونس، والقذافي في ليبيا، ثم مع انتهاء هذه الضغوط لم تكمل القوى الإسلامية والليبرالية مسيرة اللقاء والتوافق بشكل أعمق؛ وقد عبر عن هذا التحدي المهندس علي عبدالفتاح القيادي في جماعة الإخوان المسلمين وعضو المكتب السياسي عندما استعرض تجربة مشاركة الإخوان في حركة كفاية وفسر لماذا انسحب الإخوان المسلمون من الحركة، إذ كان مبرره في ذلك هو عدم الشفافية في آلية اتخاذ القرارات داخل كفاية، وحمل المسؤولية الكاملة لأعضاء حركة كفاية، وهو ما يعد موقفاً كاشفاً عن هذا التحدي، فلو كان التوافق والحوار المفتوح هدفاً استراتيجياً للإخوان، في هذا التوقيت، لكان الأمر قد استدعى إنشاء منبر سياسي آخر يجمع الكل ويتسم بالشفافية والنزاهة.
التحدي الثاني: عدم ضبط التعريفات والمصطلحات قبل الحوار واللقاء وقد عبر عن هذه الجزئية القيادي السابق في الجماعة الإسلامية، أسامة رشدي، عندما تساءل أي ليبرالية نقصد؟ هل هي اللبيرالية العلمانية على النموذج الفرنسي؟ أم الليبرالية على النموذج الأميركي المتصالح مع الدين؟ ثم أي قوى إسلامية نقصد؟ فمثلاً حزب النور حزب إسلامي، فهل هو داخل في الحوار أم لا؟ وما هو المعيار المتفق عليه لقبول أي طرف للمشاركة فى هذا اللقاء الليبرالي/الإسلامي؟ وهنا تدخل الدكتور أيمن نور محاولاً تقديم تعريف محدد للقوى الليبرالية التى يقصدها، فقدم ورقة بعنوان "رؤية نقدية من داخل التجربة الليبرالية" فكان أبرز ما جاء فيها هو "لا أفهم أن تقول إنك ليبرالي أو مدني وأنت مع الحكم العسكري وغير مقبول أن تقول إنك ليبرالي وأنت لا تحترم حقوق الإنسان وليس ليبرالياً من لا يعترف بحقوق المواطنة ولا يمكن اعتبار أي قوى أنها ليبرالية وهي لا تقبل الآخر وتمارس نفيه وليس ليبرالياً من يرفع شعار من ليس معي فهو ضدي والليبرالية المصرية غير مصدمة بالدين؛ فالزعيم الليبرالي، سعد زغلول، كان أزهرياً معمماً".
التحدي الثالث: هو كثافة الأيديولوجية لدى الأطراف السياسية المشاركة؛ فالفريق الإخواني المشارك في اللقاء وخاصة شعبان عبدالرحمن متمسك برؤيته الخاصة للصراع في المنطقة وهي الحرب على الإسلام والمسلمين واستهداف الهوية الإسلامية ومحاربة الدين!، وبالتالي يدعو الحضور في اللقاء لخوض هذه المعركة أولاً ثم الحديث بعد ذلك فى قضايا الحوار والتواصل، وعلى الطرف الآخر الفريق الليبرالي لا يعترف بهذا التفسير لطبيعة الصراع في بلدان الربيع العربي ويتعامل مع الصراع والثورة من منطلق سياسي براغماتي، وهاتان الرؤيتان لطبيعة الصراع والتدافع تتطلبان نقاشات عميقة حتى يمكن إنضاج رؤية مشتركة لفلسفة وعقيدة الصراع في المنطقة.
ووفقاً لما جاء في النقاشات حول هذا التحدي، فإن من صنع حركة كفاية هم المتمرودن من القوى القديمة الذين لم يقعوا أسرى الأيديولوجيات النمطية القديمة؛ فحزب الوسط كان وقت مشاركته في الحركة منشقاً على الإخوان، وحزب غد الثورة تمرد عن الوفد، وحزب الكرامة كان متخاصماً مع اليسار، وأنصار الحزب الشيوعي كانوا خارجين على التجمع. وهو ما انتهى إلى أن بناء تحالف ليبرالي/إسلامي من الصعب إنجازه ما لم تتم مراجعات عميقة لأدبيات الإسلاميين والليبرالبين التاريخية بشكل جاد وحقيقي.
التحدي الرابع: معضلة الفيل والفراشة أو مسألة الحجم والتأثير؛ وهو ما تم تناوله بعرض تجربة حركة كفاية 2003 التي جمعت الليبرالي والاشتراكي والإسلامي والشيوعي في كيان محدد وهدف واحد هو التغيير والحرية، وأوضح نور أن كفاية على الرغم من صغر حجمها إلا أنها أحرجت نظام مبارك بشكل واضح وصريح على الرغم من قلة أنشطتها.
لكن على عبدالفتاح، عضو المكتب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين طلب من الحضور الانتباه لحجم وقدرة جماعة الإخوان التنظيمية والعددية وضرورة وضع هذا فى الحسبان عند الحديث عن أي تحالف قادم، وبالتالي تصبح الإجابة عن سؤال التمثيل النسبي للقوى المشاركة، وكيف يقدر ويحسب؟ قضية شائكة وعقبة أمام إتمام أي تحالف في المستقبل ما لم يتم الاتفاق على آلية واضحة ومحددة؛ فوفق فريق الإخوان المشارك في الحوار لا ينبغي أن نساوي بين حركة بوزن الفيل وأخرى بوزن الفراشة.
التحدي الخامس: عدم امتلاك القوى السياسية المشاركة في الحوار واللقاء لمراكز ووحدات متخصصة في بناء التحالفات وإدارة الحوار وبناء الجسور؛ لذلك كثير من التجارب التى تم استعراضها فى اللقاء نجحت بسبب اقتناع بعض القيادات الكبيرة والمؤثرة فى المشهد بضرورة الحوار والتواصل مع الآخر، وعندما تغيب هذه القيادات يتوقف الحوار والتواصل مع القوى السياسية المغايرة؛ لأن الحوار والتواصل وبناء الجسور مازال يتعثر رغبةً واختياراً لبعض القيادات في القوى الإسلامية والليبرالبة ولا يمثل تياراً عاماً جامعاً داخل هذه التنظيمات والحركات وقد اتضح ذلك من خلال المُداخلة المُقدمة من الباحث، ماجد عزام، عندما استعرض تجربة القيادي الشهيد، فتحي الشقاقي، في التواصل مع القوى اليسارية والعلمانية فى داخل وخارج فلسطين والتى لم تمتد وتتواصل بسبب استشهاد فتحي الشقاقي على يد الموساد.
فى الختام يتضح لنا أن بناء التحالفات والتوافق بين القوى السياسية والأيديولوجية والمجتمعية مسار يحتاج إلى فلسفة ورؤية واستراتيجية وآليات ومصابرة وعزم، حتى يكتب له النجاح، فلا تكفي الرغبات الصادقة والنوايا الحسنة والأماني الوردية، لبناء تحالفات سياسية.