مصر ويوم حزين لفلسطين

05 فبراير 2015

متظاهرون في غزة ضد تجريم المقاومة الفلسطينية (31 يناير/2015/الأناضول)

+ الخط -

سيكتب التاريخ يوم السبت 31 يناير/كانون ثاني 2015 يوماً حزينا في تاريخ القضية الفلسطينية، وفي صراع الشعب الفلسطيني من أجل إقامة دولة حرة مستقلة عاصمتها القدس الشريف. فأن تصدر محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة حكماً يعتبر كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس) منظمة إرهابية، فتلك مصيبة ما بعدها مصيبة، وكارثة يعجز اللسان عن وصف هولها، بعد أن صارت مصر تعتبر الفلسطينيين إرهابيين يجب محاربتهم، والإسرائيليين أصدقاء، يجب تعميق علاقات التعاون معهم.

قالت المحكمة المصرية، التي أصدرت الحكم، إنها استندت، في حكمها، إلى تورط كتائب القسام في عمليات إرهابية استهدفت عمق التراب المصري، عبر الأنفاق القائمة على الحدود بين غزة وشبه جزيرة سيناء. وذكرت، في حيثيات حكمها، أن الكتائب قامت بتهريب الأسلحة المستخدمة في هجماتٍ كثيرة طالت عناصر من الجيش والشرطة المصرية، بهدف زعزعة أمن مصر واستقرارها.

ولن يجد أي متتبع لمسار هذه القضية، منذ رفعها وحتى إصدار الحكم فيها، عناءً كثيراً في التأكد من غياب أية دلائل مادية ملموسة تؤكد تورط (حماس)، وجناحها العسكري، في إراقة الدم المصري، فالأمر لا يعدو أن يكون مجرد كلام مرسل، يحمل في طياته حقداً إيديولوجياً كثيراً، ورغبة في خلق عدو وهمي.

فمنذ أن صار عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، يلاحظ كل المتتبعين تحولات عميقة في الخطط والاستراتيجيات السياسية للقاهرة، حيث أن الانقسام الداخلي الحاد الذي يعرفه المجتمع المصري جعل القيادة الحالية تبحث لها عن ظهير خارجي قوي، يضمن بقاءها واستمرارها، الأمر الذي يستحيل تحقيقه من دون الانخراط في المشروع الإسرائيلي الأميركي، والذي يفرض على كل من أراد الانخراط فيه خنق كل حركة تقاوم الاحتلال الصهيوني فلسطين، وترفض الاعتراف بإسرائيل، وهو ما يبدو أن النظام المصري الحالي قبله عن طيب خاطر، لاعتقاده أن القضاء على حركة الإخوان التي ما زالت تقاوم بشراسة، من أجل العودة إلى السلطة، سيمر عبر زرع مزيد من الكراهية لها في نفوس أفراد الشعب المصري، حتى لو وصل الأمر إلى اختلاق الأكاذيب حول حركة حماس، على اعتبارها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين.

في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقع هجوم انتحاري في شمال سيناء، راح ضحيته 33 مجندا مصرياَ. حينها اتهمت وسائل الإعلام المصرية مباشرة (حماس) بالوقوف وراءه، وأوردوا اسمين لاثنين من قيادات كتائب عز الدين القسام، بزعم أنهما وراء تنفيذ الهجوم، ليتضح، فيما بعد، أن محمد أبو شمالة ورائد العطار، اللذين اتهمهما الإعلام المصري، كانت إسرائيل قد اغتالتهما قبل شهرين من ذلك، في أثناء عدوانها على قطاع غزة في أغسطس/آب 2014.

صار واضحا أن النظام المصري جعل من القضية الفلسطينية ورقة أساسية في المعركة الداخلية المريرة الدائرة رحاها حول السلطة في مصر، منذ انقلاب الجيش على الرئيس المنتخب، محمد مرسي، في 3 يوليو/تموز 2013، مما يظهر جلياً، أولاً، في هدم الأنفاق بين غزة وسيناء، على الرغم من علم النظام المصري أن تلك الأنفاق شريان الحياة الوحيد لأهالي غزة، في ظل الحصار المفروض عليهم منذ سنين طويلة، والذي يحرمهم من الغذاء والدواء ومواد البناء وكل مستلزمات الحياة. وثانياً، من خلال الاستمرار في غلق معبر رفح، ومشاركة مصر إسرائيل في حصار سكان غزة. وثالثاً، باتخاذ قرار إنشاء منطقة عازلة على الحدود المصرية مع قطاع غزة. ورابعاً، بفتح المجال لوسائل الإعلام، من أجل شن هجوم كاسح على المقاومة الفلسطينية، وصل إلى حد دعوة الشعب المصري، لقتل كل من ينتمي إلى حركة حماس داخل الأراضي المصرية. وخامساً، بالزج بالقضاء في أتون السياسة ومتاهاتها عبر استخراج أحكام غريبة، يندى لها الجبين.

خاضت مصر حروبا كثيرة ضد إسرائيل من أجل فلسطين، ولا أحد يستطيع إنكار دورها التاريخي الداعم للقضية الفلسطينية، مما يستدعي الاحتفاظ بجذوة الأمل متقدة في النفوس. لعل النظام المصري يعي حجم الخطيئة التي يرتكبها في حق الشعب الفلسطيني، الذي لا يبتغي شيئاً سوى العيش بسلام، في ظل بلد حر ومستقل، مثل باقي شعوب العالم.

لا أحد يريد من مصر أن تحارب إسرائيل، بل كل ما نريده هو أن تكف سلطاتها عن المشاركة في حصار غزة، بفتح معبر رفح، وأن توقف تحريض إعلامها على المقاومة الفلسطينية، وأن تعود إلى الدعوة إلى جولة جديدة من المفاوضات بين إسرائيل وفلسطين، بعد أن أوقفتها من دون ذكر للأسباب، وهو ما أتاح لإسرائيل الفرصة لتعطيل كل المساعي الهادفة إلى تحسين الظروف المعيشية في قطاع غزة، ثم، أخيراً، أن تكف عن استعمال قضائها لوصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، في وقت أعلنت فيه أوروبا رفع (حماس) من قائمة المنظمات الإرهابية.

1C454740-9DE7-4BB6-8302-177AE1FE42A5
مصطفى الكمري

كاتب وحقوقي مغربي