13 يونيو 2021
مصر وسدّ النهضة.. كلاكيت 14 مرة
ربما يظن بعضهم أن هذا مشهد من فيلم مصري عن سد النهضة يتم تصويره قرب الجسم الرهيب للسد، ونظرا لوعورة المكان وصعوبة تضاريسه، يتم إعادة المشهد للمرة 14 من دون الوصول إلى المطلوب من وجهة نظر المخرج، لكن الحقيقة المؤلمة أن هذا كان عنوان صحيفة "المصري اليوم" القريبة من النظام المصري، يوم 16 مايو/ أيار الجاري، للتعبير عن فشل الجولة 14 من مفاوضات سد النهضة بين الأطراف الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا، وهي الجولة التي كانت مخصّصة لمناقشة التفاصيل الفنية للمنهجية التي سيتبعها المكتب الاستشاري الفرنسي المسؤول عن تنفيذ دراستين: الأولى خاصة بمعرفة الآثار المائية التي قد تصيب دولتي المصب، مصر والسودان، جرّاء بناء السد. والثانية خاصة بمناقشة الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك، وذلك بعد إصرار إثيوبيا، خصوصا بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي في يوليو/ تموز 2013 على استبعاد دراسة ثالثة، خاصة بسلامة السد وحجمه وسعته التخزينية التي ارتفعت من 14 مليار متر مكعب إلى 74 مليار متر مكعب.
كان التعنت الإثيوبي شعار هذه الجولة التي جرت على أراضيها، كما كان في غيرها، ولا سيما في ما يتعلق بقضيتي فترة ملء خزان السد، والتي ستؤثر كثيرا على حصة مصر، وقضية الإدارة المشتركة للسد، فمصر تسعى إلى إطالة أمد فترة الملء، ولا سيما في أوقات انحسار المياه وعدم وجود فيضان، حتى لا تتأثر كمية المياه المتدفقة إليها. وبحسب خبراء، ستفقد
مصر 25 مليار متر مكعب جرّاء عملية ملء السد، ما قد تترتب عليه نتائج كارثية، ليس فقط في ما يتعلق بتراجع حصتها المائية وتبوير ملايين الأفدنة، ناهيك عن تشريد مئات الآلاف من الأسر الزراعية، وإنما سيؤثر على عمل توربينات توليد الكهرباء من السد العالي، حيث من المتوقع أن تتأثر 40% من الطاقة الكهربائية لهذا السد من جرّاء سد النهضة، لا سيما أن 12 محطة من محطاته الحالية تعمل بنصف طاقتها. لكن، وبحسب مصادر سودانية، تعنّت الطرف الإثيوبي في القضيتين (فترة الملء والإدارة المشتركة) .. وهو تعنت ليس جديداً، وإنما يعود، كما قلنا، إلى بداية عهد الانقلاب قبل قرابة أربع سنوات، حيث حرصت إثيوبيا في اجتماعات الخرطوم، في أغسطس/ آب 2014، على عدة أمور، مستغلة المرحلة الانتقالية التي كانت تمر بها مصر في حينها، والسعي إلى تهيئة البلاد لتولي السيسي الحكم. أبرز هذه الأمور أربعة، أوضحها هاني رسلان، أحد أبرز مؤيدي الانقلاب، في دراسة له في مجلة السياسة الدولية (يناير/ كانون الثاني 2015).
الأول: رفض إثيوبيا تدويل اللجنة التي تتابع توصيات لجنة الخبراء الدولية التي أصدرت تقريرها في يونيو/ حزيران 2013، لخشيتها من أن يكون هذا التدويل في غير صالحها، ولا سيما في ظل إمكانية اتفاق مصر والسودان في حينها عليها. الثاني: عدم وجود مرجعية
واضحة لهذه اللجنة الوطنية.. صحيح أن هذا الكلام كان قبل توقيع اتفاق المبادئ بين الأطراف الثلاثة في الخرطوم في مارس/ آذار 2015. لكن حتى هذا الاتفاق لم يلزم أطرافه الثلاثة بشيء، وهو ما يفسر التعنت الإثيوبي الراهن. الثالث رفض وقف أعمال بناء السد إلى حين اكتمال الدراسات، وهو ما أكده وزير المياه الإثيوبي في اجتماعات اللجنة في أكتوبر/ تشرين الأول 2014. الرابع: عدم إلزامية النتائج، وهو ما أكده أيضا الوزير الإثيوبي، حيث أفاد بأن هذه الدراسات، وإن كانت تحظى بالاحترام (RESPECTED) إلا أنها لا تعني وقف بناء السد. وهو ما أيده أيضا وزير الري السوداني في حديثه للتليفزيون المصري، حيث قال إن رأي المكتب الاستشاري ليس ملزما، وليس حكما قضائيا.
إذن معروف سلفا أن هذه المكاتب استشارية، وأنها ستحصل على خمسة ملايين يورو في مقابل الدراستين غير الملزمتين، وأنه يفترض أن ينتهي عملها خلال عام، أي في سبتمبر/ أيلول المقبل. ومع ذلك، تماطل إثيوبيا في عملها، بحسب المصادر السودانية، حتى يصبح السد أمرا واقعا، ولا سيما بعد إعلان وزير الإعلام الإثيوبي قبل عام أن بلاده أنهت 70% من أعمال السد، أي أنها أوشكت على الانتهاء منه، وستبدأ قريبا في موضوع الملء، بحيث تصير المفاوضات غير ذات جدوى، وستصبح الدراسات حبرا على ورق وفق سياسة الأمر الواقع التي يبدو أنها استلهمتها من المفاوض الإسرائيلي مع الطرف الفلسطيني.
وبالتالي، هناك أسئلة حائرة تبحث عن إجاباتٍ، يتعلق أولها بجدوى استمرار الطرف المصري في هذه المفاوضات، والتي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، ولا سيما مع تصاعد الخلافات بين القاهرة والخرطوم، وما تردد عن طلب الأخيرة تسوية أزمة حلايب وشلاتين في مقابل توسطها لدى أديس أبابا بخصوص السد. وثانيها يتعلق بالبدائل الممكنة أمام السيسي للتعامل مع هذا المأزق. هل سيكون من بينها البحث عن مصادر مياه بديلة، أم الطلب من الشعب المصري تقليل الاستهلاك، ولا سيما أن وسائل الضغط "المحدودة" التي باتت تملكها مصر للضغط على الخرطوم وأديس أبابا تراجعت بشكل كبير بعد اكتشاف أمر دعم القاهرة المعارضة الإريترية في الحالة الإثيوبية، ودولة جنوب السودان في حالة السودان؟
كان التعنت الإثيوبي شعار هذه الجولة التي جرت على أراضيها، كما كان في غيرها، ولا سيما في ما يتعلق بقضيتي فترة ملء خزان السد، والتي ستؤثر كثيرا على حصة مصر، وقضية الإدارة المشتركة للسد، فمصر تسعى إلى إطالة أمد فترة الملء، ولا سيما في أوقات انحسار المياه وعدم وجود فيضان، حتى لا تتأثر كمية المياه المتدفقة إليها. وبحسب خبراء، ستفقد
الأول: رفض إثيوبيا تدويل اللجنة التي تتابع توصيات لجنة الخبراء الدولية التي أصدرت تقريرها في يونيو/ حزيران 2013، لخشيتها من أن يكون هذا التدويل في غير صالحها، ولا سيما في ظل إمكانية اتفاق مصر والسودان في حينها عليها. الثاني: عدم وجود مرجعية
إذن معروف سلفا أن هذه المكاتب استشارية، وأنها ستحصل على خمسة ملايين يورو في مقابل الدراستين غير الملزمتين، وأنه يفترض أن ينتهي عملها خلال عام، أي في سبتمبر/ أيلول المقبل. ومع ذلك، تماطل إثيوبيا في عملها، بحسب المصادر السودانية، حتى يصبح السد أمرا واقعا، ولا سيما بعد إعلان وزير الإعلام الإثيوبي قبل عام أن بلاده أنهت 70% من أعمال السد، أي أنها أوشكت على الانتهاء منه، وستبدأ قريبا في موضوع الملء، بحيث تصير المفاوضات غير ذات جدوى، وستصبح الدراسات حبرا على ورق وفق سياسة الأمر الواقع التي يبدو أنها استلهمتها من المفاوض الإسرائيلي مع الطرف الفلسطيني.
وبالتالي، هناك أسئلة حائرة تبحث عن إجاباتٍ، يتعلق أولها بجدوى استمرار الطرف المصري في هذه المفاوضات، والتي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، ولا سيما مع تصاعد الخلافات بين القاهرة والخرطوم، وما تردد عن طلب الأخيرة تسوية أزمة حلايب وشلاتين في مقابل توسطها لدى أديس أبابا بخصوص السد. وثانيها يتعلق بالبدائل الممكنة أمام السيسي للتعامل مع هذا المأزق. هل سيكون من بينها البحث عن مصادر مياه بديلة، أم الطلب من الشعب المصري تقليل الاستهلاك، ولا سيما أن وسائل الضغط "المحدودة" التي باتت تملكها مصر للضغط على الخرطوم وأديس أبابا تراجعت بشكل كبير بعد اكتشاف أمر دعم القاهرة المعارضة الإريترية في الحالة الإثيوبية، ودولة جنوب السودان في حالة السودان؟